الاثنين، 10 أغسطس 2015

سامر العبسي ضحية جديد لتبادل إطلاق نار بين عابثين في دولة المليشيات

إلزموا بيوتكم ولا تمشوا في الشارع عندما يتبادل نافذون إطلاق النار، فالضحية لن يكون سوى أحد المارة الأبرياء، والجناة لن يودوعوا السجن مهما فعلت أسرة الضحية.


حتى عندما كان لدى اليمنيين شبه دولة فكيف الحال في دولة المليشيات، وقد تطول إقامة جثة الضحية في ثلاجة المستشفى. هذا ما يحدث في كل مرة يتبادل فيها بعض المستهترين والعابثين والنافذين إطلاق النار في الشارع العام.
الضحية سامر
وقد كان الضحية هذه المرة، أثناء نزاع بين ابن الجايفي وابن الشامي قبل أيام، الشاب سامر فيصل العبسي.

قبل سنوات، كان أحد أبناء عتمة ضحية نزاع مماثل طرفاه نافذان كبيران، هما حميد الأحمر ونعمان دوريد. احتجت أسرته لأسابيع. لم تحرك الدولة وأجهزتها ساكناً، تخلى عن المجتمع المدني عن أسرة الضحية فاضطرت، في نهاية المطاف، إلى دفن ولدها، وقبول التحكيم، وتم طي ملف القضية. الأمر الذي قد يحدث مجدداً مع أسرة العبسي، في حال تخلى عن المجتمع الحقوقي والمنظمات عن الأسرة ومطلبتها المشروعة. 

ما الذي تغير في اليمن إذن؟ لا شيء، باستثناء هوية الضحية في كل مرة يتبادل العابثون بحياة الناس إطلاق النار في الشارع العام

تغيرت أيضاً أسماء الجناة ووضعهم الاجتماعي على نحو لافت: في السابق كان المشايخ و"علّية" القوم من يتبادلون عادة إطلاق النار في الشوارع، عندما كان لدى اليمنيين دولة ضعيفة أو بالأصح شبه دولة، أما الآن حيث لا دولة ولا شبهها، ولا سلطة سوى للمليشيا والبندقية، بات تبادل إطلاق النار بين مسلحين عاديين، وليسا بين نافذين بالضرورة، أحتمالاً وارداً أكثر في ظل حالة اللادولة التي يعيش فيها اليمنيون وسلطة الأمر الواقع. 

لم يدر في خلد أسرة الشاب سامر فيصل العبسي أن ابنها، ومعيلها الوحيد بعد مرض رب الأسرة، سوف يلقى حتفه هنا في صنعاء لا عن طريق غارة جوية خاطئة لطيران التحالف، ولا عن طريق قذيفة عشوائية من تلك التي يمطر بها الحوثيون أحياء مدينة تعز ومن قبلها عدن، وليس أيضاً ضحية أحد الأسباب الجانبية الناجمة عن انهيار الوضع المعيشي وانقطاع التيار الكهربائي كلياً عن المدن، مثلما حدث في مدينة الحديدة، إذ توفي اثنان من مرضى الفشل الكلوي نتيجة توقف مركز الغسيل الكلوي، بسبب انقطاع الكهرباء وانعدام الوقود المشغل للمستشفى.
من الوقفة الاحتجاجية لسرة الضحية أمام النيابة اليوم
وبينما تتقلص يوماً بعد آخر أسباب المعيشية والحياة في اليمن، تتزايد أسباب الموت في زمن المحنة هذا، لكن اياً منها لم يكن هو المسئول عن مفارقة الشاب سامر فيصل للحياة قبل أيام في صنعاء. إذ شاءت الأقدار، أو المصادفة، أو واقع الحال في بلد سقطت فيه الدولة لصالح المليشيات، أن يكون الشاب سامر ضحية تبادل إطلاق للنار مجاني، في حي الجراف، بين أسرتيين، "مُبندقتين"، طرفها الأول يدعى خالد علي الجايفي، وطرفها الآخر عدد من بيت الشامي جرى تبادل إطلاق بينهما في الشارع أثناء مرور سامر بالصدفة، حسبما روى لي أقرباؤه، فأصيب وظل ينزف في قارعة الطريق وقتاً ليس بالقليل، كأنه كائن غير بشري، لولا تدخل بعض الجيران الذين سارعوا إلى إسعافه إلى المستشفى العسكري ولكن الاسعاف كان متأخراً بعض شيء، الأمر الذي عد سبباً إضافياً لوفاته بعد أسبوعين في المستشفى. 


تبادل الجائفي والشامي إطلاق النار وسط الشارع العام ولاذا بالفرار دون ن يكترثا بحقيقة أنهم أردوا شاباً وتركوه ينزف في قارعة الطريق. وعندما توفي وبعدئذ تقدمت أسرة الشاب سامر ببلاغ إلى وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية لما يفترض أنها ممثلة للدولة، أو ما تبقى من الدولة، على الأقل، وقفت عاجزة عن إنفاذ القانون وضبط الجناة وإحضارهم بالقوة وما هذا بمستغرب من مسئولين أذلاء يعملون كعبيد وخدم لسلطة الأمر الواقع.

بحسب أسرة الشاب سامر فيصل العبسي فإن ابنها سقط قتيلاً برصاص الجايفي وليس خضمه الشامي، رغم صعوبة التيقن من ذلك بالنسبة لي كصحفي لكنها المعلومة التي أكدها أكثر من شاهد. وأيا يكن فإن ذلك لا يسقط المسئولية عن الطرف الآخر في النزاع بأي حال من الأحوال. لكن اكثر ما استفز أسرة الشاب أنهم تعرضوا للاهانة من قبل أكثر من شخص من أسرة الجايفي عند مطالبتهم بتسليم القاتل لنفسه، واتصالهم بأكثر من طرف قبلي بعد إذ عجزت أجهزة الدولة المغتصبة عن فعل شيء بحجة أن الجاني مسلح وخطير ومطلوب في عدة قضايا. وبحسب رواية أحد أبناء عمومة سامر فإن "والد واسره الشهيد تلقوا إهانات وقيلت بوجهم الفاظ عنصرية مقيتة ومستفزة، وتنم عن تحقير، ولا تصدر إلا عن متخلف ومنحط، من قبيل أنهم "لن يسلموا ولدهم لمقتول برغلي".

شخصياً، ساءني سماع ذلك ولا استبعده، في زمن المحنة هذا الذي تفشت فيه بشكل مخيف، كل الأمراض العنصرية والمناطقية والسلالية والمذهبية. لكن أن يكون قاتلاً ووقحاً وبلا أدب، فهذا يجعل الجرم مضاعفاً دون شك.
من الوقفة الاحتجاجية
 سامر العبسي هو العائل الوحيد لأسرته التى تسكن في بيت إيجار، وأبوه عاجز ووضعهم المعيشي متواضع، لكن الأسرة لن تسكت عن حقها، حتى وإن كنا في بلد سقطت فيه الدولة ولا يوجد فيه قانون أو عدالة. صباح اليوم تجمعت الأسرة مع بعض أصدقائهم وقاموا بوقفة احتجاجية أمام نيابة شمال امانة العاصمة للتضامن مع اسرة الشهيد سامر فيصل العبسي والمطالبه بالقاء القبض على القاتل، داعين "منظمات حقوق الانسان والمهتمين بمجال حقوق الانسان إلى "نصره الأسره المكلومه بفقدان ولدهم وعائلهم الوحيد".


إن لم يقف المجتمع المدني إلى جانب هذه الأسرة، ويساندها، فإنه شريك في الجريمة. فنجاح الشرر لا يحتاج سوى أن يتخلى الأخيار عن فعل الصواب والوقوف على الحياد.

Disqus for TH3 PROFessional