الاثنين، 18 يوليو 2016

لماذا نجح الأتراك في مقاومة الانقلاب العسكري وأخفق اليمنيون؟


تنفق تركيا على البحث العلمي نحو 3مليار دولار، وتنفق اليمن لـشؤون القبائل ما يعادل 155 ضعف البحث العلمي (150 ألف دولار فقط)! لدى نركيا 150 ألف شخص معتمدون رسمياً بوظيفة "باحث" ولدينا 150 ألف مرافق وشيخ!
-------------------------
ألم يتعب اليمنيون بعد من المقارنة بين ما حصل في تركيا واليمن؟
المقارنة بين تركيا واليمن كالمقارنة التبسيطية بين الوحدة الألمانية واليمنية مثلاً، وإزالة برميل الشريجة هنا، وجدار برلين هناك وكأنهما شيء واحد! (اتفاقية الوحدة اليمنية من صفحتين A4 والألمانية من 400 صفحة). 

أو مثل المقارنة بين كنيسة كريتر التي تحولت إلى مقر للبحث الجنائي في عدن-او غرفة القليس التي بناها أبرهة في صنعاء القديمة وتحولت إلى مكب قمامة- بماذا؟ بآية صوفي. إحدى أجمل وأعظم المعالم الأثرية الدينية المعبرة عن التعايش والتسامح الديني، وتجسيد والتقاء ثلاثة أديان مختلفة في مبنى واحد يجمع بين الوثنية، والمسيحية، والإسلام.

أو مثل المقارنة بين اردوغان، واقرؤوا سيرته وما فعله على المستوى الاقتصادي فقط وكونه جاء بعد 11 عاماً من مرحلة شلل الحكومات الائتلافية، ويقارن بمن؟ بـ"عبّاس" أحمد مطر اليقظ الحسّاس، ورئيس الفنادق وملزمة الحوار عبدربه منصور هادي!

هذه مجرد أمثلة رمزية. ولا مجال هنا لسرد الفروق التراكمية والحالية بين المجتمعين اليمني والتركي وكلها مؤثرة وحاسمة: الاقتصاد، التعليم، دخل الفرد، أو ما يمكن أن نطلق عليه، في تسمية جامعة، الجاهزية الحضارية. والأهم والأكثر حسماً في الحدث الراهن هي النخبة السياسية حكماً ومعارضة.

وفق ذلك، فإن أي دراسة مقارنة، متعمقة، غير متسرعة ولا تبسيطية، ستخلص إلى عظمة ردة فعل اليمنيين ومحاولة مقاومتهم إسقاط الدولة إثر اجتياح صنعاء في سبتمبر 2014م، وإن لم تنجح أو تكتمل، قياساً إلى فروق الجاهزية الحضارية، والخذلان الذي تعرض له اليمنيين من النخب السياسية: هادي والمشترك. والوزر الأعظم يتحمله هادي، الذي عبد للحوثيين الطريق، وبارك إسقاط عمران، ثم برر وسوّق مع "مبعوث العناية الشيطانية جمال بن عمر" اجتياح صنعاء باتفاق السلم والشراكة!

**                **

ردة فعل الشعب التركي تستحق التعظيم، لكن الشعب اليمني لا يستحق التحقير.
لقد حاول اليمنيون وخذلتهم إمكانياتهم وعدم جاهزيتهم، وتخلى عنهم قادتهم ونخبهم السياسية. أقول ذلك بصرف النظر عن الطروحات المشككة في الانقلاب، واجراءات الاعتقال والفصل التي أعقبته.

احيانا لا تقيم الأمور استنادا إلى النتائج، وإنما بالنظر عميقا إلى الفروق التراكمية والحالية بين المجتمعين اليمني والتركي من حيث الجاهزية الحضارية وتشمل: (الاقتصاد التعليم، دخل الفرد، الإرث البيروقراطي لأنظمة الحكم المتعاقبة، التوزيع الديموجرافي للسكان).. إلخ من جهة، ودور وفاعلية النخب السياسية حكماً ومعارضة، من جهة أخرى.

لقد قاوم اليمنيين، وخرج شباب الجامعات في مظاهرات يومية طوال الشهور التي تلت اجتياح صنعاء. وكان صنيعهم عظيما لكنه في محيط وبيئة سيئة وقذرة.

**              **

غيروا طريقة نظرتكم للأحداث، واقرؤوها هكذا:
إطاحة الشعب التركي بالانقلاب، ليست اجتراحا لمعجزة بقدر ما هي ردة فعل بديهية لكونها صادرة من شعب عرفت وخبرت أجياله المتعاقبة مساوئ الانقلابات العسكرية. ولكونها ثانيا في بلد واقف على قدميه واسمه تركيا.

تكفي هذه المعلومة لإيصال فكرتي: تنفق تركيا على البحث العلمي في موازنتها 9 مليار ليرة تركية (أي نحو ثلاثة مليار دولار) حتى أن لديها 150 ألف شخص معتمدون رسمياً بوظيفة "باحث".

والآن بربكم اجيبوني:
 هل تريدون من بلد ال150 ألف مرافق وشيخ أن يبدي ردة فعل مشابهة لردة فعل بلد ال150 ألف باحث؟
تنفق اليمن في موازنتها على شؤون القبائل ما يعادل 155 ضعف نفقات البحث العلمي التي لا تتعدى 15 مليون ريال، أي 50 ألف دولار  في مقابل 3 مليار دولار في تركيا.
وتريدون نفس ردة الفعل!
قليل من المنطق.

ما حدث كان مقدرا له الحدوث في بلد مثل تركيا يعيش انتعاشة اقتصادية خلال آخر عقد. يكفي النظر لأرقامه في التنمية والرعاية. مثلا معدلات الالتحاق بالتعليم تتجاوز 97%، والأمية أقل من 6 %. كما إن معدل مستوى جودة التعليم في الجامعات التركية هو واحد من أعلى المعدلات في العالم" وفقا لتصنيف مجلة تايمز.


بالمقابل أليس من الإجحاف أن نتوقع ردة فعل مماثلة من اليمنيين، في بلد يسجل أرقاماً قياسية عالمية: في الفقر، الأمية، دخل الفرد، الصحة، انتشار وحيازة السلاح، بل إن في اليمن نحو 2 مليون طفل غير قادر على الالتحاق بالمدارس قبل الحرب، صاروا 3 ملايين طفل بعدها حسب تقارير منظمة اليونسيف؟

هذا مجرد سرد عابر ليس إلا يتبعه تحليل موسع غداً إن شاء الله. الفكرة هنا أنه لا لوم على اليمنيين وعامة الناس إذ تهرب من إحباط واقعها بدراسة واقع آخر كمحفز إيجابي، أو إذ تستدعي تجربة ناجحة لتقييم تجربتها الفاشلة، لكن الحاصل لا علاقة له بهذا ولا ذاك. إنه في الغالب جولة أخرى من الهراء وتسجيل النقاط بين مؤيد ومعارض، ضد الآخر.

سبق أن عشنا أجواء المقارنات التبسيطية السطحية بين اليمن وبلدان أخرى وبخاصة مصر، وشاع في فيسبوك ذات الجو المشاع حالياً، مع وصول الاخوان المسلمين إلى الحكم مثلاً، ثم الإطاحة بهم. وفي هذا الرابط دراسة معمقة نشرتها آنذاك، حول المقارنة بين مصر واليمن، وجماعة الإخوان المسلمين التي عرفت، على مدى عقود طويلة، الجحيم في مصر والنعيم في اليمن، وأمور سياسية واجتماعية عديدة، آمل أن تعيدوا قراءتها لإدراك مدى سوء وإجحاف المقارنة بين مصر واليمن فكيف بتركيا؟

وهذا موضوع حديثنا التالي

Disqus for TH3 PROFessional