إيجابيات وسلبيات قرار نقل البنك المركزي إلى عدن

حسناً. الآن أما وقد خفت اللغط الإعلامي الذي أثاره قرار نقل البنك المركزي إلى عدن في الأيام الماضية، بوسعنا تقييم ايجابيات وسلبيات القرار بهدوء أكثر وترو.

صور ساخرة تداولت بوسائل الاتصال الاجتماعي

بنظرة عامة، كثيرون اعتبروا القرار ممتازاً وموفقاً بحكم أنه يجفف منابع وتمويلات الحوثيين من خزينة الدولة، وهؤلاء يفترضون مسبقاً أن ما يجنيه ويختلسه من البنك المركزي وموازنة الدولة مهول، إلى درجة مكّنته من الصمود والتماسك أمام التحالف لفترة أطول. في حين رأى البعض القرار إنقاذاً للحوثيين أكثر منه سحب امتياز عليهم، بالنظر إلى أنه متورط حالياً ويعاني أزمة تمويل أجبرته على رفع أسعار الوقود، قبل شهرين، وهو الذي اجتاح صنعاء بذريعة إلغاءها، وأجبرته على رفع سعر تعرفة الكهرباء المقطوعة أصلا، عدا أنه يعتمد على إيرادات السوق السوداء أكثر من العائدات التي يفترض أنه يجنيها من موازنة الدولة.

على أنصار الرأي الأول تذكر بعض الحقائق بالأرقام، وهي كالتالي:

موازنة الدولة إلى 2014م تبلغ 13 مليار دولار وربع مليار دولار. هل توافرت للحوثي كاملة بعد اطاحته بالرئيس والحكومة؟ طبعاً لا ولا حتى نصفها. اخصموا من 13 مليار دولار أولاً 4 مليار دولار عجز مرحّل، واخصموا منها ثانياً 3 مليار دولار، على الأقل، إيرادات النفط، المساعدات السعودية والدولية، وإيرادات أخرى توقفت مع الحرب، وبالتالي فالمتبقي 6 مليار دولار. والسؤال: ما مقدار استفادة الحوثيين من النظام المالي، أو بالأحرى كم تبلغ المرتبات والأجور (الباب الأول) في آخر موازنة لحكومة الرئيس هادي أي 2014 وليس 2016م؟

موازنة الباب الأول في عام 2014م هي 977 مليار ريال أي ما يعادل 5 مليار دولار من أصل 6 مليار، وبالتالي فإن هامش استفادة الحوثيين من الموازنة أقل مما يروج له. وعلينا تذكر هذا الرقم جيداً خاصة وأن ما نشر مؤخراً يتحدث عن تعهدات خليجية بتغطية مرتبات جهاز الدولة وفي نفس الوقت يحددها برصد 2 مليار دولار فقط.

استطاع الحوثيون وحلفاؤهم تسيير العام 2015م من خلال تجميد وإلغاء كافة الأبواب الأخرى (الثاني والثالث والرابع الاستثماري) من أجل تغطية الباب الأول، فضلا عن تخلي الدولة عن تقديم الخدمات الأساسية (الكهرباء.. المياه.. بذريعة العدوان) إضافة إلى اقتراض 98 مليار ريال عن طريق أذون الخزانة. في حين عجزوا في العام الحالي، وواجهوا أزمات اقتصادية اضطرتهم إلى رفع أسعار الوقود (جرعة معلنة) ومن قبلها جرعة مصمتة بقرار التعويم الذي تسبب في اضطراب السوق المصرفي وانهيار سعر الريال أمام الدولار وشرعنة السوق السوداء.

الايجابي في القرار يتعلق بالقطاع التجاري واستيرادته بدرجة أساسية، حيث أن معظم العوائق البنكية التي كانت تواجه المستوردين ورجال الأعمال ستزول تدريجيا في حال كانت هناك جدية وعمل دولة وظهر البنك المركزي كدولة وليس على طريقة هادي والحزام الأمني طوال الفترة الماضية.

أما السلبيات والمخاوف فهي كثيرة، منها:

1- أن يكون القرار سياسياً أكثر منه اقتصاديا.

2- أن يدار القرار وينفذ بطريقة ادارة هادي ووفق قاعدة "عمران خط أحمر".

3- أن يتم إدخال التحيزات المناطقية والعنصرية والشمال والجنوب خاصة فيما يتعلق ببند الاجور والمرتبات.

وهي محاوف بديهية ولها ما يبررها، خاصة أن في طواقم إدارة هادي أسماء ذات سجل حافل من قبيل بن بريك والمحافظ وشلته، وان كان وجود د/ احمد عبيد الفضلي نائب وزير المالية السابق أمر باعث على الاطمئنان النسبي.

4- أن تكون التطمينات الخليجية المتعلقة بالدعم الفني والمالي على غرار التطمينات المتعلقة بتعز التي تركت للدمار ويراد للحرب فيها أن تستمر وان يبقى الوضع كما هو علي، خولا ننسى ان المدرعات الخليجية توقفت في الحدود الشطرية في كرش فيما المعارك مستعرة في قرانا ومعظم مناطقنا في حيفان التي صار نصف سكانها مهجرون ونازحون.

5- غياب التجهيزات الفنية والطواقم وقاعدة البيانات المصرفية (وهذه أهم وأخطر نقطة، وقد يفشل القرار بسبب هذه النقطة تحديداً لآن الشيطان يكمن في التفاصيل) وهنا أنصح بالعودة إلى سلسلة منشورات كتبها باحث في وزارة المالية اسمه فهد غالب وشاركه في صفحته الصديق العزيز بلال محمد علي.

هنا دراسة نشرتها حول موازنة الدولة في يناير 2014م بكافة تفاصيلها وكل جهة ووزارة. وقتها حذرت من إقرار هذه الموازنة بعجز مستندي يناهز ثلاثة مليار دولار ونصف، وقلت إن هذه موازنة جرعة. لم يأخذ بكلامي السادة أعضاء مجلس النواب ولا أعضاء حكومة السيد محمد سالم باسندوة، وكانت النتيجة أن قدموا للحوثي حصان طروادة الذي نكبت من بعده البلاد وفتحت على اليمنيين أبواب الجحيم.

Bilal Ahmed