مضيق باب المندب تحت إدارة الأميرة هيفاء
حفيدة مؤسس المملكة السعودية
مضيق باب المندب تحت إدارة العائلة المالكة السعودية إنما، هذه المرة، تحت يافطة
الاستثمار. أو على نحو أدق في طريقه ليكون كذلك عما قريب، والملف الآن بين يدي محافظ
محافظة تعز شوقي أحمد هائل.
هل قرأتم مذكرات المستر همفر ورحالة القرن التاسع عشر؟
شيء من هذا القبيل يتكرر في قصة استثمار حفيدة مؤسس المملكة العربية السعودية
الثالثة عبدالعزيز آل سعود الراغبة، بحسب رسالة رسمية في 2/2/ 2011م إلى محافظ تعز
السابق
حمود الصوفي، بـ"إنشاء مخازن ومحطة لتزويد السفن بالوقود في باب المندب وجزيرة ميون"، وقد ذيلت الرسالة بصفة صاحبة السمو الملكي الأميرة هيفاء بنت فواز بنت عبدالعزيز آل سعود وختم ملكي يسيل له لعاب المسئولين وأصحاب النفوذ في اليمن.
قد يقول
قائل: هذا مجرد استثمار يجيزه القانون وليس أكثر من رغبة مشروعة لسليلة الملوك في
الحصول على أرباح من وقود السفن!
غير إنه
من السهل تفنيد ودحض هذا الزعم التبسيطي. فالسعودية لا تتدخل في القرار السياسي اليمني
فحسب، بل وتقوم بصياغته، وفق مصالحها بالطبع، لا عبر قنوات رسمية أو مواقف معلنة
من وزير الخارجية السعودي كما هي الحال في بلدان أخرى، وإنما تدير القرار اليمني
عبر رجالها الأقوياء، في القبيلة والجيش والدولة، الذين جعلت منهم بأموال اللجنة
الخاصة أمراء نفط يديرون العملية السياسية، ويؤسسون الأحزاب، وينشئون القنوات
الفضائية، ويسيطرون على مفاصل الاقتصاد الوطني، بل ويتبجحون في القنوات الفضائية
بتلقيهم الأموال السعودية ومن هؤلاء رئيس حزب التضامن (قال حزب!) حسين الأحمر الذي
يتلقى، حسبما هو متواتر، زهاء 7 مليون ريال سعودي شهرياً ويعد أكثرهم تباهياً
وتبجحاً أيضاً.
لنقرأ
الرسالة جيداً: في رسالتها إلى محافظ تعز تحرص صاحبة السمو الملكي الأميرة هيفاء، كما
في الوثيقة المرفقة، على التنويه أن محطة تزويد السفن مجرد مرحلة أولى ليس إلا ضمن
إستراتيجية لـ"تطوير منطقة باب المندب وجزيرة ميون" العبارة التي اخترتها
كعنوان للمراسلة الرسمية.
وميون،
بالمناسبة، واحدة من أهم جزر مضيق باب المندب، تقع على بعد 100 ميل فقط عن مدينة عدن،
وقد استغلتها بريطانيا عام 1799م، حسب الباحث عبدالحليم صبر، لمنع نابليون من الاتجاه
نحو الهند كما استغلها اكيوكيرك البرتغالي عام 1513م لإقفال البحر الأحمر أمام قوات
المماليك". ومما يجعلها ذات موقع استراتيجي مميز عن باقي الجزر اليمنية أنها
"تقسم مضيق باب المندب إلى قناتين لمرور السفن، عبر جزيرة ميون، حيث تقع القناة
الأكبر عمقاً والأكبر عرضاً والذي يصل عرضها إلى 3كم تقريباً.
هي
باختصار عنق مضيق باب المندب.
وتؤكد صاحبة
السمو المكلي وجود طموح سعودي بالمنطقة برمتها وليس الأمر منحصراً بإنشاء محطة
تزويد السفن فحسب فتقول: "إننا نرغب في تطوير المنطقة اقتصادياً مع شركاء إقليمين
ودوليين من ذوي رؤوس الأموال الكبيرة متخصصين في إنشاء المدن الاقتصادية". وقد
ذكرت منهم الشيخ جمال بدر أحمد الكسادي رئيس شركة تمدين العربية".
إنها السيطرة
الناعمة على مضيق بحري يمر منه يومياً 3 مليون برميل نفط متنكرة بزي التجارة.
وإذا كان
التذمر الشعبي اليمني يتغذى من سياسة المملكة
السعودية المتمثلة بشراء الولاءات والذمم عبر اللجنة الخاصة، مضافاً إليه، مؤخراً،
أوضاع العمالة اليمنية في المملكة وطرق معاملتهم ونظام الكفيل، الذي هو ضرب من الرق
والعبودية العصرية، فها هي المملكة أقرب جيران اليمن وأمسهم به رحماً تضيف إلى
النار مزيداً من الحطب.
الملفت،
بل والمريب، أن الرسالة الملكية جاءت في وقت كان المستثمرون، اليمنيون والأجانب، يهربون
من اليمن ناقلين أعمالهم وأنشطتهم التجارية إلى دبي فيما سمو الأميرة مقبلة على
الاستثمار في اليمن. متى؟ بالتزامن مع اندلاع الثورة الشعبية مطلع 2011م واندلاع
المواجهات المسلحة في تعز واعلان القاعدة إمارة إسلامية. ألا يبدو كل ذلك منافياً
للمنطق وقواعد الاستثمار في أي بلد في العالم.
يبدو أن
السماح بسيطرة، جزئية أو كلية، سعودية على مضيق باب المندب الاستراتيجي يأتي ضمن صفقة
سياسية غير معلنة، أو ربما معلنة هي المبادرة الخليجية، وقد حرصت المملكة على ألا
تفوت فرصة ضعف نظام صالح وسهولة إملاء شروط أفضل لصالحها وإن كانت النزاهة تقتضي مني
التنويه إلى أن صاحبة السمو الملكي أبدت رغبة في المشروع قبل اندلاع الثورة ووقعت
في أكتوبر 2010 مذكرة تفاهم مع مدير شركة النفط السابق عمر الأرحبي.
ولم تتوقف
المراسلات بين الجانبين السعودي واليمني، رغم أوضاع البلد المضطربة، طوال شهور
الثورة (أم أقول الأزمة) في 2011م، ومنها مذكرة في 2/5/2011 وأخرى في 11/9/2011م. ومن
اللافت أن رئيس هيئة أراضي ومساحة الدولة، السابق أيضاً، يحي دويد وجه رسالة إلى
محافظ تعز السابق وقّعت، بعنوان هام وعاجل، في تاريخ أكثر دلالة من سابقيه: 2/10/2011م. أي بعد عودة الرئيس السابق علي
عبدالله صالح بتسعة أيام فقط من علاجه وكبار رجال الدولة في المملكة السعودية إثر
حادث جامع النهدين، ما يفسر لماذا عنونت الرسالة بـ"هام وعاجل".
هل
للأمر علاقة بصفقة؟
من
الصعب الجزم بذلك في ظل شحة الأولويات المتعلقة بمسار التفاوض وتفاصيل وامتيازات
العرض المقدم من الجانب السعودي وإن كنت أنتظر استكمال بقية الملف حتى يتسنى لي
الجزم.
الأكيد أن
المسألة أكبر مما تظهر في هذه المذكرة بل من المؤكد أنها داخلة ضمن حسابات إقليمية
كبرى وإستراتجية، أمريكية وخليجية، متعلقة بأسوأ الاحتمالات في حال نشوب حرب، أو نزاع
في الخليج العربي الفارسي، أو في حال إقدام إيران بشكل استباقي بتنفيذ تهديداتها المتكررة
بإغلاق مضيق هرمز الذي يمرّ عبره 35% من النفط العالمي وتعتمد عليه 6 دول من كبار منتجي
النفط في العالم هي السعودية، قطر، الكويت، البحرين والعراق والإمارات.
ومن المسلمات
الاقتصادية اليوم، غير القابلة للجدال، أن أسعار النفط سترتفع قطعاً في حال أغلق المضيق.
وبحسب تقرير لوكالة موديز العالمية فإن أسعار النفط، وكذلك الغذاء، سترتفع "بشكل
غير مسبوق وقد تكسر حاجز 150 دولارا إذا نفذت إيران تهديدها بإغلاق مضيق هرمز، أهم
معبر لصادرات كبار منتجي النفط، في وجه الملاحة العالمية. وسيؤدي إغلاق المضيق الذي
يمر منه أكثر17 مليون برميل يومياً تمثل خمس صادرات التجارة النفطية، وتعادل 80 % من
إنتاج دول الخليج من النفط الخام، بحسب التقرير، إلى "تبديد إنتاج بعض شركات النفط
العالمية مثل "توتال السعودية وأو أم في وبي <ـي وشل، وذلك لوجود عمليات إنتاج
لديها مع دول تستخدم مضيق هرمز كقناة لتصدير النفط".
ألا يفسر ذلك حرص سمو الأميرة على الـ"استثمار" في مضيق باب المندب؟
يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق