المشكلة ليست في عقود شراء الطاقة فحسب وإنما في وقود الديزل!
لماذا تصدّر الحكومة
اليمنية الغاز من ميناء بلحاف وتستورد، في الوقت نفسه، الديزل والمازوت من ميناء عدن؟
بل لماذا اليمن العكس؟
في كل أنحاء العالم تقل سنوياً
نسبة الكهرباء المولدة بالوقود ومشتقاته: الديزل والمازوت لحساب الكهرباء المولدة
بالفحم والغاز الطبيعي والبدائل الصديقة للبيئة. لا لأن المشتقات النفطية تسببت في
زيادة الاحتباس الحراري فحسب بل بسبب كلفتها الباهظة على الدولة والمواطن. في
اليمن العكس: 60% من كهرباء اليمن تنتج بالديزل في عهد النظام السابق. ويبدو أنها
مع حكومة الوفاق وعقود وزارة الكهرباء الجديدة ستتخطى حاجز الـ70%.
تستورد اليمن سنوياً
ملياري لتر من الديزل والمازوت بقيمة تزيد عن نصف تعهدات مؤتمر المانحين: أكثر من
3 مليار دولار. لا يصل المزارعين والمواطنين لتر واحد من الديزل المستورد. فما
يستهلكه السوق المحلي يوفره قطاع صافر 18 في مأرب والجوف وتذهب هذه الكمية الكبيرة
لقطاع الكهرباء. ومن هذه الكمية أيضاً، لا من المليار لتر المنتج محلياً، يتم
تهريب الديزل. التجارة التي يتنافس عليها الأقوياء من بقايا النظام ومن المنشقين
عنه للثورة.
إن استبعاد 150 ميجا من الكهرباء المولدة بالديزل واستبدالها 150 ميجا غازية، إيجاراً أو بناءً، وتحقيق تخفيض 5% فقط في أسعار شراء المشتقات النفطية سيحقق وفراً يعادل رفعاً لسعر
الديزل على المواطن بمقدار 11 ريال للتر الواحد. وسيوفر
للحكومة ما يعادل 31% من دعمها للديزل" من دون رفعه وتضرر المواطن
والمزارع.
لدى اليمن 20 محطة ديزل،
و3 محطات قديمة بخاري تعمل بالمازوت (رأس الكثيب والمخا والحسوة) وجميعها أنشأت في
الثمانينات وصارت متهالكة إلى جانب محطة غازية وحيدة في مأرب. والسؤال المنطقي: لماذا
يستهدف المخربون محطة مأرب فقط دون محطات
الديزل الأخرى؟ إن كان هدف "بقايا العائلة" إفشال حكومة الوفاق والتنغيص
على حياة اليمنيين بضرب الكهرباء فلماذا لا يستهدفون محطات الديزل والمازوت وهي
تؤدي الغرض نفسه؟
من يصدق أن محطات البخاري
الـ3 استهلكت عام 2008م (684) مليون لتر مازوت بقيمة 17 مليار و100 مليون ريال مع
مراعاة احتسابه بالسعر المدعوم. في نفس السنة أيضاً استهلكت محطات الديزل مليار و242
مليون لتر (بقيمة 21 مليار ريال) بالسعر المدعوم وقتها 17 ريال للتر وليس بالسعر العالمي 145 ريال. والسؤال:
من يضمن أن كل هذه الكمية تستخدم في محطات الكهرباء فعلياً كما هي على الورق ولا
يذهب بعضها، أو نصفها، إلى قاطرات وبواخر تبيع الديزل بالسعر العالمي في عرض البحر.
لا أحد يستطيع الجزم خاصة وأن عملية النقل من وزارة النفط إلى محطات الكهرباء لا
تقوم بها الوزارة وإنما القطاع الخاص. بل إن هيئة الفساد أثبتت اختلاس 2 مليون لتر
مازوت من مخصص محطة حزيز في 2009م.
بناء على توصيات لجنة التنمية
مجلس النواب والمانحين وهيئة الفساد اتخذت حكومة مجور أواخر 2010 قراراً صائباً بوقف توليد الكهرباء بالديزل
والمازوت تدريجياً بدء بمحطات صنعاء الست (التي أعاد صالح سميع تشغيلها فتحسنت
كهرباء العاصمة وبالتلي لم يقم بمعجزة). كما قررت حكومة مجور إلغاء الوسطاء في عملية
تموين الكهرباء ومصانع الإٍسمنت من مادتي الديزل والمازوت وتحديد المخصص الشهري من
الديزل لمؤسسة الكهرباء بما يعادل مخرجات الطاقة الكهربائية شهرياً. جاءت حكومة باسندوة
وسارعت بإعادة الوسطاء في عملية النقل و"القاطع والمقطوع" في المخصص
الشهري.
هنا يجب التنبه إلى أن الحكومة
اليمنية، سواء حكومة مجور أم باسندوة، التزمت للدول المانحة في مؤتمري لندن
والرياض بتنفيذ الخطة الخمسية والشروع في الأولويات العشر للتنمية المعدة من شركة
ماكينزي الاستشارية. ويبدو أن وزير الكهرباء أول من يقوض ما التزمت به الحكومة على
الورق وخالفته في الواقع.
فـ"خفض فاتورة دعم المشتقات
النفطية" هي الأولوية الثالثة من الأولويات العشر. لا بالطريقة التي قام بها
وزير المالية صخر الوجيه وتضرر منها المزارع والمواطن اليمني وإنما بحسب دراسة ماكينزي.
فبدلاً عن رفع أسعار المشتقات النفطية على المواطنين أوصت الدراسة بتخفيض الكلفة،
كمرحلة أولى، من خلال تخفيض كمية الديزل والمازوت المستهلكة سنوياً في توليد
الكهرباء (ملياري لتر). وذلك من خلال التوسع في توليد الطاقة الكهربائية بالغاز
الطبيعي. أي استبعاد 150 ميجاوات من الكهرباء المولدة بالديزل (تستهلك بالضبط 235 مليون
لتر سنوياً) وإحلال 150 ميجاوات يتم توليدها، أو استئجارها، بالغاز الطبيعي. ما قام
به وزير الكهرباء صالح سميع الآن هو العكس. وإذا كانت عقود الطاقة "ضرورة
ملحة" كما قال فلماذا لا يتم استئجار نفس المحطات بالغاز. إن كان ولا بد فاشتر
الطاقة المولدة بالغاز لا الديزل الذي يكلف ألف بالمئة قياساً بالأول.
إن استبعاد 150 ميجاوات، بحسب
الدراسة، وتحقيق تخفيض 5% فقط في أسعار شراء المشتقات النفطية سيحقق وفراً يعادل رفعاً
لسعر الديزل على المواطن بمقدار 11 ريال للتر الواحد. وسيوفر
للحكومة ما يعادل 31% من دعمها للديزل" من دون رفعه وتضرر المواطن
والمزارع. أنا على يقين أن صخر الوجيه يعرف هذه المعلومة جيداً غير إنها الجملة
التي اعتاد وزراء علي عبدالله صالح على ترديدها يرددها اليوم وزراء المعارضة:
"أوامر من فوق"!
مشكلة في الكهرباء في
اليمن تعود، باختصار، إلى العجز في التوليد التراكمي: كل عام يزداد طلب اليمنيين
على الكهرباء بنسبة 9 إلى 10% من جهة وتزداد نسبة الفاقد (الطاقة المهدرة) داخل
الشبكة الوطنية من 25% في 2008م إلى 34% في 2012م من جهة أخرى. بموازة ذلك كل عام
لم تقم وزارة الكهرباء منذ 2003 بإنشاء أي مشروع استراتيجي متمثل بمحطات توليدية
جديدة لتغطية الزيادة السنوية في الطلب على الطاقة. بل على العكس: كل عام تتناقص
القدرة التوليدية للمحطات القائمة وتخرج بعض المولدات عن الخدمة لعدم الصيانة وقدم
المحطات.
سألت أول المقال: لماذا تصدّر
الحكومة اليمنية الغاز من ميناء بلحاف وتستورد الديزل والمازوت من ميناء عدن؟
والجواب: لأن عشرة أشخاص على الأكثر ينمون ثروات خيالية من خلال تجارة رائجة تعرف باسم
"تهريب الديزل"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق