ليس غش بائع لمشتر بثمن قطعة حلوى. إنه فساد 400 مليون ريال
في مشروع طريق طوله 13 كيلو فقط
-
قدرت وزارة الأشغال تكلفة الكيلومتر بـ35 مليوناً و900 ألف
ريال، ثم تجاوزت تكلفة الكيلو 63 مليوناً و600 ريال.
-
مقاول وحيد يتنافس مع نفسه في مناقصة قيمتها مليار ريال
وانتهت بضمان بنكي مزور!
-
ميزانية برنامج الطرق الريفية تتخطى سنوياً نصف مليار
دولار معظمها بتمويل من البنك الدولي،
وطريق الصفا/ العلي الغربي محافظة ذمار عيّنة!
محمد عبده العبسي
مجدداً نحن أمام جريمة فساد
في وضح النهار بطلها، للمرة الثانية، وزارة الأشغال والطرق: طريق ريفي نُفذ بزيادة
104% عن تكلفته التقديرية! التكلفة التي لم تحتسب من قبل رواد فضاء هبطوا فجأة على
كوكب الأرض وخدعوا في الأسعار وإنما قُدّرت من قبل وزارة الأشغال ذاتها. بجُملة واحدة
مجففة: وزارة الأشغال تدين وزارة الأشغال.
وقعت وزارة الأشغال في
6/9/2008 مع "برنامج تنمية الطرق الريفية"، التابع لها، محضر اتفاق يقضي
أن تمول الأولى طريقاً ريفياً في محافظة ذمار ينفذه البرنامج بطول 20 كم في عزلة
(الصفا- المطبابة- العلي الغربي) بتكلفة إجمالية 718 مليون و920 ألف ريال. غير إن برنامج
الطرق الريفية قرر، دون أسباب وجيهة، إلغاء 7 كيلو من المشروع وتنفيذ الطريق بطول 13
كم فقط وليس 20 كم كما في المحضر. حسناً. يقتضي إلغاء ثلث الطريق انخفاضاً في
السعر يعادل ثلث تكلفته التقديرية لكن حصل العكس: ارتفعت تكلفة الطريق إلى
(865.717.152) بزيادة 150 مليون ريال ثم ارتفعت ثانيةً، أثناء التنفيذ، بتعديل
الكميات والجداول التغيرية لتصبح: مليار ريال. (999.943.656) مليون ريال على وجه
التحديد. باختصار: زاد السعر ونقص طول الطريق! ويقال إن في اليمن هيئةً لمكافحة
الفساد.
قدرت وزارة الأشغال، في
محضر التمويل، تكلفة الكيلومتر بـ35 مليوناً و900 ألف ريال، بينما تجاوزت تكلفته
63 مليوناً و600 ريال. لا تحدث هذه الأمور من تلقاء نفسها بسبب البركة أو دعاء
الوالدين. ولست هنا في وارد الحديث عن غش بائع لمشتر بثمن قطعة حلوى. نحن نتحدث عن
أكثر من 400 مليون ريال كان من الممكن بها بناء مدرسة أو شق طريق ريفي آخر. عيّنة
صغيرة. مثال واحد ضمن عشرات، وربما مئات، مشاريع الطرق المشابهة أنتظر أن تصلني
وثائقها إلى بريدي الإلكتروني بنفس الطريقة التي أوصلها مهندس يقظ الضمير قرر ألا
يكون، بالصمت والتستر على جرائم غيره، شريكاً للفساد.
لدى برنامج الطرق الريفية،
على أية حال، ميزانية سنوية مبحبحة تتخطى النصف مليار دولار. ويتبع البرنامج وزارة
الأشغال إلى جانب المؤسسة العامة للطرق والجسور وصندوق صيانة الطرق الذين لديهما مثله
ميزانية مالية مستقلة عن الوزارة غير إن لدى البرنامج ميزة إضافية. إن معظم
مشاريعه ممولة من المؤسسة النقدية الأولى في العالم: البنك الدولي.
في 28/1/2009 أعلنت
المناقصة وفتحت مظاريفها في 3/3/2009م غير إن الدقة تقتضي تصحيح المعلومة السابقة:
لم يكن هناك مظاريف وإنما مظروف واحد فقط تقدم به المقاول مؤسسة (.....). ما أجمل
أن يتنافس المرء مع نفسه في مناقصة بمليار ريال!
نصت المادة 163 من لائحة
قانون المناقصات على جواز فتح العطاء الوحيد المقدم في أي مناقصة، ومن ثم قبوله،
شريطة أن يكون مطابقاً للشروط والمواصفات وفي حدود التكلفة التقديرية والأسعار
السائدة. فلا هذا راعته إدارة البرنامج ولا ذاك التزمت به فـ"ارتفاع سعر
العطاء الوحيد المقدم من المقاول يزيد عن التكلفة التقديرية محضر التمويل بنسبة
104%" حسب قول تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة المرفق الصادر في
يونيو الفائت.
المخالفات بالجملة
والتجزئة. إنها ظاهرة ولا تحتاج إلى جهد أو تشغيل ميكروسكوب. ولكن اللجنة العليا للمناقصات
وافقت كعادتها، وهي المحلل الشرعي، على قرار الإرساء في 30/6/2009م دون التأكد حتى
من صحة وسلامة المناقصة. فإدارة برنامج الطرق الريفية لم تلتزم ابتداء، بالإجراءات
الضامنة لتحقق المنافسة عند إعلان المناقصة. فبدلاً عن نشر الإعلان في صحيفتين
حكوميتين ولمدة 3 أيام كما يشترط قانون المناقصات نشر الإعلان في صحيفة واحدة
ولمدة يوم واحد فقط حسب تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة.
مدة تقديم العطاء، حسب
المادة 116 من قانون المناقصات، يجب أن تكون 45 يوماً غير إن إدارة برنامج الطرق
الريفية حددت بمزاجها مدة التقديم بـ35 يوما. ولهذا السبب، يرجح تقرير الجهاز، لم
تتقدم للمناقصة التي لم يسمع بها أحد سوى مؤسسة المقاول خاصة وأنها "اشترت
وثائق المناقصة قبل يومين من انتهاء المدة (وتلك مخالفة لائحية أخرى) وقدمت عرضها
بعد 3 أيام فقط".
والمقاول رقيب على المقاول نفسه!
مخالفات وزارة الأشغال،
ممثلة ببرنامج الطرق الريفية، ليست من ذلك النوع من الأخطاء الصغيرة التي تحدث
بسبب بيروقراطية العمل الحكومي وضعف البنية المؤسسية في اليمن. إنها أخطاء من لا
يخشى المساءلة. ومنها حسب تقرير جهاز الرقابة والمحاسبة "عدم قيام الوزارة
والبرنامج بإعداد دراسة جدوى اقتصادية" إضافة إلى "إعداد التكلفة
التقديرية الدراسات والتصاميم مكتبياً" دون حتى النزول الميداني للموقع
والإشراف على المقاول أثناء التنفيذ. أما الفضيحة الكبرى الكافية للإطاحة برؤوس
كثيرة قيام إدارة برنامج الطرق الريفية بـ"إسناد مهمة فحص الأعمال المساحية
والتصاميم الخاصة بالمشروع للتأكد من صحتها للمقاول نفسه عند تسليم الموقع في
14/2/2010 وفقا لمحضر التسليم رغم أن ذلك من المهام الأساسية للجان المناقصات".
بعبارة أخرى: على المقاول، وليس على مهندسي الأشغال أو البرنامج، التحقق
من التزام المقاول نفسه بمواصفات ومعايير المناقصة وجودة الطريق. هو المنفذ
والرقيب على نفسه في الوقت نفسه. ما هذا الكرم؟ إلى جانب ذلك، يضيف تقرير الجهاز،
قامت إدارة البرنامج بتعديل معظم كميات وبنود جداول الكميات التعاقدية وإعادة
تقديرها عند بدء التنفيذ ما نتج عنه زيادة كبيرة في بند القطع وإلغاء بنود أخرى. حيث
زادت القطيعات بنسبة 29% لتصبح القطيعات وحدها بنسبة 47% من قيمة العقد (467 مليون
و582 ألف ريال).
ويبدو أنه ليس من شيء
سليم في المناقصة. إنها كومة مخالفات وحسب. فالمقاول، بحسب تقرير الجهاز، لم يكن مستوفياً
لمعايير التأهيل المحددة في وثائق المناقصة وفي طليعتها معيار "السيولة
النقدية المطلوبة كحد أدنى 50 مليون ريال"، إن الوثيقة المقدمة منه مجرد "تسهيل
بنكي منحت بناء على طلبه من البنك الإسلامي اليمني بتاريخ 7/8/2008 (أي قبل ستة
أشهر) دون قيام إدارة البرنامج، عبر مخاطبة البنك، بالتحقق من استمرار التسهيل
المحدد".
ويضيف تقرير الجهاز: "لم
يكن المقاول مستوفياً لمعايير أخرى مثل: "متوسط حجم الأعمال الإنشائية، والحد
الأدنى من المعدات الأساسية، والحد الأدنى من الكادر الفني، وثبوتية الممتلكات،
والخبرة السابقة، وشرط التأهيل السنوي الخاص، فضلا عن أن بياناته لا تمثل 47% من متطلبات
المعيار كون المقاول صنف في الدرجة الخامسة/ مجال الطرق قبل 5 أشهر فقط من
المناقصة بما يعني عدم صحة بياناته عن الأعوام السابقة 2006-2008م".
والسؤال بل الأسئلة
الملحة: على أي أساس قررت لجنة التحليل في البرنامج استيفاء مقدم العطاء لمعايير
المناقصة؟ وكيف وقعت إدارة البرنامج عقد التنفيذ في 24/8/2009م قبل تقديم المقاول للضمان
البنكي المقدم في 25/8/2009 وضمان الدفعة المقدمة الذي قدمه في 29/8/2009م وكان
عليها إلغاء المناقصة ومصادرة الضمان الابتدائي بعد انقضاء الموعد القانوني؟ والأسوأ
أن الضمانات البنكية (حسن الأداء+الدفعة المقدمة) الصادرة عن بنك اليمن الدولي
اتضح في تاريخ 28/1/2011، عند مخاطبة البنك لتجديدها، أنها مزورة وأن إدارة البرنامج
في تواطؤ خطير، تكتمت على الأمر 3 أشهر قبل أن تحيل قضية التزوير لنيابة الأموال
(ما تزال القضية أمامها). بل كيف صرفت وزارة الأشغال المستخلص الأول دون تأجيل 44%
من قيمة الأعمال المنجزة في بند القطعيات –حسب القانون- لحين الانتهاء من أعمال
الإسفلت والذي نتج عنه حسب تقرير الجهاز "استيلاء المقاول على 199 مليون و988
ألف ريال دون وجه حق، و100 مليون أخرى". هذا ما على وزير الأشغال عمر الكرشمي،
إن كان جاداً وعملياً، فتح تحقيق فوري بشأنه كأقل ما يمكن عليه وعلى وجه الخصوص مع
إدارة البرنامج ولجنتي فتح المظاريف والتحليل ولجنة المناقصات
في الوزارة ورئيسها حسب توصية الجهاز المركزي.
هناك تعليقان (2):
استمر وربنا يوفقك... عمل جميل و يمس قضية مهمة جدا تشغل بال الكثير من الشعب المطحون
عامر علي
آمين يا رب.. شكرا اخي الكريم
إرسال تعليق