هذه
سقطت في جنوب العاصمة صنعاء: في شارع "الخمسين" المربع السكني لعائلة الرئيس
السابق علي عبدالله صالح ونخبة نظامه.
قبلها
سقطت، أو ربما اُسقطت، طائرتان عسكريتان "شقيقتان": الأولى شمالي العاصمة
في حي الحصبة: المربع السكني لعائلة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر وخاصته. فيما سقطت
الثانية، بشكل كارثي مروع، فوق بيوت سكنية في وسط العاصمة بحيّ الجامعة. على بُعد أمتار
فقط من ساحة اعتصام الثورة الشبابية، والتي تعرف باسم ساحة التغيير.
لدينا
ثلاث ضحايا جوية وما من جناة بعد:
طائرة
سقطت في الجنوب في مربع الرئيس السابق ورجاله.
وأخرى
في الشمال في مربع المنشقين عنه وقبائلهم.
وثالثة
في الوسط في مربع شباب الثورة: من يتقاتل بهما، وعليهما، حكام شمال صنعاء وجنوبها،
الحصبة في مواجهة حدة، والأحمر "الأصلي" لقبيلة حاشد في مقابل ما قيل لنا
بعد 33 من منحه الجنسية إنه أحمر "تقليد" .
دائما
من هم الوسط الضحية بين المتطرفين يميناً ويساراً.
ألا
يشبه النهايات الحزينة للطائرات الثلاث، بشكل أو بآخر، بالمبادرة الخليجية التي
جاءت لتقليل خسائر شمال صنعاء وجنوبها على حساب الشباب المعتصمين في قلب العاصمة
وحي الجامعة تحديدا.
لاحظوا
أيضاً: ضحايا الطائرتان اللتان سقطتا في شمال العاصمة وجنوبها أقل من تلك التي سقطت
أو أسقطت، تحرياً للدقة وميولاً للشك، في وسط العاصمة بحي الجامعة. بالضبط كخسائر شباب
الثورة التي فاقت خسائر من تقاتلوا في الحصبة والنهدين.
لاحظوا
أيضاً:
سقطت
الأولى في سوق الحصبة المهجور.
فيما
سقطت الثالثة بمكان بعيد قليلاً عن البيوت. كتلة ترابية
في
حين كان سقوط الضحية الجوية الثانية أعلى كلفة، بشرياً ومادياً، مثل شباب الثورة بالضبط:
لقد اخترقت الطائرة عند ارتطامها بنايتين مأهولتين بالسكان بدقة عالية، وعدوانية، كما
لو أنها أحد قناصة جمعة الكرامة، فخلفت ضعفي دمار شقيقتيها قبل أن تلتهم في طريقها
سيارات وتحيل منزلاً شعبياً هرماً، في الجهة المقابلة، أثراً بعد عين.
أهي
الصدفة أم القدر؟
عقوبة
السماء أم مهارة قائد الطائرة؟
رصاصة
من الأرض أم خلل فني أم عيب مصنعي؟
كان
واضحاً أن لدى قائدي الطائرتين الأولى والثالثة ما لم يكن متاحاً لربان الطائرة الثانية:
تحديد موقع الارتطام.
خناق
عزرائيل
كانت
لتنتهي كارثة سقوط الطائرة العسكرية سوخوي، روسية الصنع، جنوبي العاصمة ظهر اليوم الاثنين
إلى ما انتهت إليه الحادثان السابقتان: امتصاص سخط الرأي العام بتشكيل لجنة تحقيق مهمتها
ليست الكشف عن ملابسات الحادث وأسبابه كما يفترض وإنما العكس: دفن الحقيقة والتستر
على الجناة الفعليين بإخفاء نتائج التحقيقات الجنائية أو تخدير الراي العام ببعضها
وكأن الطائرات اليمنية الوحيدة في العالم التي تحلق في السماء من دون صندوق أسود.
إنها العقلية التسووية التي حُكمت وتحكم بها اليمن على مر عقود. لكن شاهداً هذه المرة
لم يكن في حسبان الجهات الحكومية أنه سيجبرها على تعديل روايتها للحادثة: إنه مصور
صحفي مبدع ومتفاني اسمه محمد اليمني.
كان
محمد صباح اليوم حاضراً بعدسته المبدعة إلى جانبي، متضامناً ومسانداً، في قاعة محكمة
الصحافة في الدعوى المرفوعة من جمعية الإصلاح. انتهت الجلسة. التقطنا صوراً تذكارية
بشراهة. وقبل دقائق من الكارثة كنا في البقالة المقابلة للمحكمة نتناول عصيراً
يقلل من عدوانية ظهيرة صنعاء . فجأة قررنا أنا ومراسل قناة العالم الإخبارية الزميل
ياسر المهلل العودة الى المحكمة. كان الزميل ياسر قد أخذ لتوه تصريحاً تلفزيونياً من
مراقب اسكتلندي حضر الجلسة وقال القاضي منصور شائع رئيس محكمة الصحافة، فور دخوله القاعة،
إنه مراقب دولي حضر عدة جلسات غير هذه للإطلاع على أداء المحكمة وتقييم المحاكم في
اليمن. قال ياسر إن المراقب قال له إنه حضر خصيصاً من أجل جلسة محاكمتنا". يا
رجل! خلت ياسر يمزح. ثم إني تذكرت أن الناشط البحريني خالد إبراهيم والمحامية البريطانية
ميلاني من مركز الخليج لحقوق الإنسان الدولي كانا قد قالا لي، قبل أسبوعين، أن بوسع
المركز إرسال مراقب دولي في حال كنت متخوفاً، او قلقاً من "نزاهة المحاكمة".
لم أخذ الأمر على محمل الجد وقللت من ذلك. أيعقل؟ لا مجال للشك. حفزني ياسر. عدنا للداخل
ركضاً. في تلك الأثناء تحديداً سقطت، أو اسقطت، الطائرة.
كان
أمام الزميل محمد اليمني للوصول إلى موقع الحادث اقل من خمس دقائق. (ماذا لو ذهبت
إلى حملة أنا نازل لمناصرة معتقلي الثورة؟ قلتُ له مازحاً) لقد سبق الجميع وأخذ باريحية
تامة الصور الأولى لمسرح الحادث وحطام الطائرة. التقطتْ عدسته النابهة إحدى اشلاء الطائرة
وقد بدت عليها بوضوح آثار عيارين نارين اخترقا جسم الطائرة ويبدو أنهما سبب
سقوطها، على الأرجح حتى الآن، ما اضطر الجهات الحكومية إلى تغيير تعليقها الأولي عن
الحادثة: "الطائرة أسقطت" قال مسئول حكومي مساء اليوم.
صورة
فوتغرافية كهذه -لو كنا في بلد يحترم حقوق الآخرين ولا تمارس مؤسساته الخاصة
والعامة اللصوصية واستغلال الفرد- من المفترض بها أن تغيير حياة الزميل محمد اليمني
مهنياً ومعيشياً وتقلب حياته راساً على عقب. لكن أنت في اليمن.
معظم
المواقع الإخبارية التي تعمل بزراري "نسخ لصق" تناقلت الصور قائلة إن
"ناشطين تناقلوها" مستكرثة تبيت الحق المعنوي للزميل اليمني. حتى كبرى الوكالات
والقنوات الإخبارية العربية التي زودها بها محمد اشترت الصور منه، يالعار، بأسعار زهيدة
بخسة، هكذا أخمن وأرجو أن أكون مخطئاً، ليست شيئاً مقابل المخاطرة!
ألا
يوجد أشخاص ممتلئون في هذا البلاد؟
فيما
قام آخرون، وهم بالتأكيد الأقل حياء وأدباً بمحو اسم المصور من صوره! أسمعتم عن
هذا في غير بلادنا؟ أتمنى أن تقاضيهم يا صديقي. من هنا يبدأ التغيير ويرتدعون.
الأجهزة
الأمنية الحكومية هي الأخرى استخدمت، بوقاحة أعلى سقفاً، صور اليمني وآثار الأعيرة
النارية البادية على جسم الطائرة، المحاطة
بدوائر حمراء بارزة من عمل المصور وليس من عملها هي كدليل مادي وبصري يؤكد على
عبقريتها المزيفة: "لقد أسقطت الطائرة".
السرقة
سرقة ولا فرق بين لص بنك أو صورة.
ومساء
اليوم "أكد رئيس أركان حرب القوات الجوية والدفاع الجوي العميد الركن عبد الملك
الزهيري بأن حادث سقوط الطائرة لا يمكن أن يكون خلل فني لأن الطائرة عادت من مهمة واخترقت
سرعة حجز الصوت, معتبراً سقوط الطائرة استهداف للقوات الجوية خاصة بعد مقتل 3 طيارين
في محافظة لحج حد تعبيره".
وتلك
مقدمة استباقية من الأجهزة الأمنية، حتى قبل الشروع في التحقيق لإلصاق التهمة بمنظمة يدر ذكرها الأموال الخارجية: تنظيم القاعدة
ثلاث
طائرات عسكرية إذن سقطن، تباعاً، فوق رؤوس سكان العاصمة خلال أقل من عام: ألا تبدو
تلك علامة تطير من عهد الرئيس عبدربه منصور هادي مانديلا اليمن حسب وصف توماس فريدمان
الصحفي الأمريكي الذي يغدق على الرؤساء والملوك الألقاب.
ربما
هناك 3 تعليقات:
تصوير مبدوع مشكور على تصويرك الدقيق
ارجو لك مستقبل زاهر
بالفعل.. رائع
انتم الاروع
إرسال تعليق