إن كل جماعة بشرية، إذ تشعر ولو قليلاً بالمهانة أو بوجودها مهدداً، تنزع لإنتاج
القتلة الذين سوف يقترفون أبشع الجرائم وهم مقتنعون أنهم محقون ويستحقون البركة الإلهية
وإعجاب إخوانهم.
وإذا ما شعر "هؤلاء" أن الآخرين يمثلون خطراً على إثنيتهم ودياناتهم
وقوماياتهم، فكل ما بمقدورهم القيام به لتبديد هذا الخطر سوف يتراءى لهم مشروعاً، حتى
ولو اقترفوا المجازر فهم على يقين أنها تدبير ضروري لحماية أهلهم. لا يشعر القتلة في أغلب الأحيان بتأنيب الضمير على أفعالهم، ويعجبون لمن ينعتهم
بالمجرمين!
إن الشعور الذي يتولد لدى المرء بالتحرك من أجل بقاء الجماعة، مشفوعاً بصلواتها،
وبأنه في حالة دفاع مشروع عن النفس، يمثل السمة المشتركة، لكل الذين ارتكبوا أبشع الجرائم
في مختلف أرجاء الكرة الأرضية.
إن العالم يعج بالجماعات الجريحة التي تتعرض حتى اليوم إلى الاضطهاد او تحتفظ
بذكرى عذاباتها القديمة، وتحلم بالثأر والانتقام، ولا يسعنا إلا أن نتعاطف معها، ونتفهم
رغبتها في التحدث بلغتها، وبممارسة شعائرها الدينية دون خوف، غير إننا ننساق من التعاطف
إلى التساهل، فنغفر للذين ذاقوا غطرسة الاستعمار والعنصرية، تطرف غطرستهم القومية وعداءهم
للأجانب.
لقد علمنا القرن العشرون أن ليس هنالك بالضرورة عقيدة تحررية بذاتها، فجميع
العقائد قد تنحرف عن أهدافها ويشوبها الفساد، وتقوم بسفك الدماء، من الشيوعية والليبرالية
والقومية وكل ديانة من الديانات الكبرى وحتى العلمانية. فلا أحد يحتكر التطرف، وبالعكس،
لا أحد يحتكر التزعة الإنسانية.
لو كان أسلافي مسلمين في أرض قد اجتاحتها الجيوش الصليبية لا اعتقد أنهم كانوا
سيستمرون في العيش طوال أربعة عشر قرناً في مدنهم وقراهم محافيظين على دياناتهم.
فماذا كان مصير مسلمي اسبانيا؟
وماذا حل بمسلمي صقلية؟
لقد أبيدوا عن بكرة أبيهم وأرغموا على سلوك طريق المنفى أو جرى تنصيرهم بالقوة.
لكن كون الإسلام ديناً متسامحاً في القرن الثامن لا يشكل عزاء حقيقياً إذا كان
الرهبان يذبحون اليوم، والمفكرون يتعرضون للاغتيال، والسياح يموتون ويخطفون.
إن المؤمن في اعتقادي هو فقط من يؤمن ببعض القيم التي أختصرها بقيمة واحدة هي:
كرامة الإنسان.
أمين معلوف
من كتاب الهويات القاتلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق