السبت، 19 أكتوبر 2013

علي محمد.. رابع شاب يمني يحرق نفسه بعد الربيع العربي!

أحرق بوعزيزي نفسه فثار الشعب التونسي وهرب الرئيس زين العابدين بن علي، وولد مصطلح "الربيع العربي". 
الشاعر الزبيري لحظة
اضرام النار (ت: حمدي ردمان)
وقبل أسابيع قليلة، أقدم هذا الشاب (علي محمد علي) على إحراق نفسه في محافظة الضالع، دون أن يسمع به أحد، احتجاجاً على حرمانه من درجة وظيفية يقول إنه يستحقها (يعمل متعاقداً في مؤسسة الاتصالات.. ومؤخراً جرى إيقاف راتبه التعاقدي الذي يتلقاه منذ عام 2007م). 
مسكين هذا الشاب الحالم. كأنما نسي لحظة صب البنزين على جسمه، في لحظة يأس وتأثر بالربيع العربي، أنه في اليمن، وأن ما سيقدم على فعله، من تضحية جسدية جسيمة لن يسقط نظاماً ولن يسقط حكومة أو يقيل وزيراً ولن يكسبه تعاطف مجتمع في غيبوبة. من يدري ربما لم يقم حتى مدير مؤسسة اتصالات الضالع بزيارته إلى المستشفى، وتطيب نفسه، أو دفع تكاليف علاجه التي لا أستبعد أن أسرته دفعتها هي، خاصة وأن الحروق شوهت وجهه وأجزاء متفرقة من جسمه.
   المرعب أن أحداً من اليمنين ما كان ليسمع بقصة هذا الشاب المسكين لولا أن الصحفي عبدالفتاح حيدرة، وهو من منطقته، نقل قصته إلى الإعلام. نحن في بلد إعلامه مكتبي، والمجتمع في غيبوبة على الدوام!
وبينما الأحزاب اليسارية والقوى الانتهازية المختلفة، والجماعات الدينية، تردد في بياناتها السياسية عبارة "الثورة مستمرة"، بشكل دعائي ومجرد، يكون مع "علي" عدد الشبان اليمنيين الذين أقدموا على إحراق أنفسهم على طريقة بوعزيزي، 4 شباناً منذ تشكيل حكومة الوفاق، وتسلم الرئيس هادي السلطة فيما عد أنه من "ثمار الثورة الشبابية"!  

قبله بزهاء عام أحرق الشاعر منيف الزبيري نفسه، أمام مقر مجلس رئاسة الوزراء تضامناً مع جرحى الثورة، الذين أضربوا ورفعوا دعوى قضائية، ثم نفذوا اعتصاماً طويلاً أمام مقر حكومة الوفاق لتنصلها عن علاجهم.

سبق أن قلتُ أنه ينبغي التنبه في هذا السياق أيضاً إلى أمر حساس. ليس من السهل، من ناحية نفسية وسلوكية، أن يقدم شاب في مجتمع متدين ومحافظ كاليمن على الانتحار.

يحتاج ليفعل جرعة مضاعفة من الإحباط الذي دفع بـ"محمد بوعزيزي" لإحراق نفسه في مجتمع علماني كتونس ويحتاج ضعف عزيمته أيضاً. فبالقدر الذي يشجع المجتمع اليمني أفراده على ثقافة الشهادة، ويمتدحها، باعتباره ذروة سنام الإسلام، بالقدر الذي يذم ثقافة الانتحار، بوصفه كفراً بقضاء الله وقدره، وخروجاً من رحمته.. وبالتالي فإن علينا معرفة حجم الضغط النفسي الهائل الذي كاد يفتك به.

وفي الثاني من مارس 2012 أقدم شابان من جرحى الثورة، دون سابق إنذار، هما (عبد الله البيضاني وأنور العزعزي) على فعل أدى إلى الإطاحة برئيس دولة هو الرئيس التونسي زين العابدين بن علي وميلاد ثورات الربيع العربي. في اليمن لا تتم الإطاحة بشيء: لا رئيس الدولة ولا رئيس الحكومة ولا وزير الصحة ولا مدير المستشفى الميداني ولا حتى مندوب ضرب المحتجين في اللجنة التنظيمية!

بصرف النظر عن النتيجة ينبغي أن يتذكر اليمنيون أن عبدالله البيضاني وأنور العزعزي أطلقا أول صرخة احتجاج مدوية على طريقة إدارة الثورة من شركاء التسوية الخليجية وسدنة مراكز القوى.

كان الظلام يرخي سدوله على العاصمة صنعاء بينما كانا يصبان البنزين على جسميهما الناحلين، على مرأى ومسمع الثوار فوق منصة ساحة التغيير، ثم أضرمت النار!

وبدلاً عن البحث عن أسباب ما أقدما عليه انشغل فصيلان من شقاة موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بتحويل الحادثة إلى مادة دعائية لصالح كل فريق. الأول بدا فزعاً من "شيوع ثقافة ضالة في أوساط الشباب"، ومطمئناً إلى أن سبب تأخر نصر الثورة هو هؤلاء العلمانيون! يا له من اكتشاف!

فيما حوّل الفريق الآخر مأساة إنسانية إلى "نصَعْ" وتمارين على الرماية بين أطراف الأزمة ولصالح طرف ضد آخر! هكذا تفقد كثير من القضايا الإنسانية أي قيمة إنسانية أو حقوقية بسبب المزايدة والاستقطابية.

وبينما كان برنامج وثائقي على قناة الجزيرة عن ثورة تونس يعرض صور الرئيس زين العابدين بن علي أثناء زيارته لمحمد بوعزيزي، تذكرت فجأة أن أحدا لم يزر العزعزي والبيضاني من قادة البلد ونخبة الدولة والسياسة.

من الممكن تفهّم محاولات عدد من اليمنيين إحراق أنفسهم، أول الاحتجاجات الشعبية، على أنها فعل بطولة وضرباً من التأثر الشديد بشخصية بوعزيزي من قبل متحمسين يجلون ما قام به  شرارة ثورات الربيع العربي. لكن ليس بوسع أي شخص يحترم نفسه، أو يستخدم عقله أن يفسر إحراق إنسان لنفسه بعد الثورة، وبعد مجيء رئيس آخر وحكومة يرأسها رجل معارض" إلا بنتيجة مُرة عبر عنها الراحل عبدالله البردوني عام 1973 بالبيت الشعري الشهير يشخص فيه حال ثورة سابقة 1962: "صنعاء يا أخت القبور/ ثوري فإنك لم تثوري"!

يبدو أن هذه من تلك!

 إن القنوط الذي حوّله شباب الثورة إلى جرأة وجسارة نادرين، في مواجهة آلة قتل النظام، بصدور عارية، هو ذات القنوط الذي تحول بسبب سوء المعاملة بالتدريج،  إلى يأس تمكن من تحطيم وإرسال شبان كثر إلى الضفة الأخرى من العالم.


الأكيد في حالة الشاب الضالعي، وكل من سبقوه، أن خطابات جمال بن عمر الإنشائية ووعود أحزاب المشترك وشركائهم بمستقبل أفضل وأساطير مؤتمر الحوار الوطني، وخطب الرئيس هادي الرومانسية.. كلها لم تفلح في إقناع هذا الشاب بإمكانية نيله درجة وظيفية يستحقها وينتظرها منذ 6 أعوام، وأن شيئاً لم يتغير، وأن الثورة مجرد كلمة، مثل الدستور والقانون وكلمات أخرى لا علاقة لها بالواقع المعاش الذي ينحدر من سيء إلى أسوأ كل يوم.

ليست هناك تعليقات:

Disqus for TH3 PROFessional