Sami Ghaleb
ما يحتاجه الحزب الاشتراكي اليمني عند هذه النقطة
الحاسمة في مسار العملية السياسية هو وقفة مراجعة يديم النظر خلالها في خياراته
الوطنية والسياسية وموقعه في النظام السياسي الانتقالي ومآله في حال واصل الخط
العام في الدولة والمحتمع اتجاهه الانحداري نحو التفتيت طبق المعالم المركزية
لوثيقة مخرجات الحوار.
***
في أحلك ظروفه بعد حرب 1994 التي كادت أن تقتلع
الحزب الاشتراكي من جذوره الشعبية والاجتماعية استجابت البقية الباقية من الهيئات
الحزبية للتحدي الوجودي سنتذاك، وأسست لتجربة حزبية فريدة أمكن معها للحزب ان
يتميز ببمارسة ديمقراطية تتجاوز في مظاهرها ومضامينها كل التجارب الحزبية اليمنية.
وبعد سنوات قليلة كان الاشتراكي الحزب الذي يشكل بارقة الأمل في امكان أن يتبلور
مثالا حزبيا عصريا في اليمن ينفتح على المجتمع ويدفع بالحياة الحزبية خطوات إلى
المستقبل.
في النصف الثاني من التسعينات كان اليمنيون يعيشون
تجربة حزبية فريدة في الممارسة الديمقراطية حيث تبادلت الأغلبية والأقلية المواقع
في القرار الحزبي بناء على اصطراع الأفكار والخيارات السياسية وليس على أساس من
شللية ومحسوبية ووصولية. كذلك فإن الحزب الذي صوتت اغلبية لجنته المركزية في 1997
ضد المشاركة في الانتخابات والتزمت الأقلية فيه بالقرار وعملت من أجل إنفاذه في
بيئة شديدة القسوة والتعقيد، هو ذاته الذي اختار المشاركة في الانتخابات الرئاسية
لعام 1999 وبأغلبية مريحة.
***
من المحزن ان حفنة مسنين يهيمنون على الهيئات
العليا للاشتراكي، ويتحكمون بمفاصله في المركز والمحافظات لكأنه لا يضم عشرات
الآلاف من الشباب والنساء، ولا تنعقد عليه آمال قطاعات واسعة من اليمنيين في مختلف
المحافظات.
***
كتبت قبل انعقاد المؤتمر الخامس في 2005 منتقدا
مشروع النظام الداخلي للاشتراكي محذرا مما لاح لي على انه "بولسة" _ من
بوليس_ حزبية تقوم على فرض "الأحكام العرفية" في البنى الحزبية لغرض منع
النقد وحماية الخطائين الذين تصورهم ثقافة الانصياع الحزبية على أنهم
"المصطفون" الواجب تبجيلهم وتنزيههم حتى وإن تعروا علنا في صالات
السياسة ومنصات المؤتمرات العامة.
***
من أسف أن تحتضر التجربة الديمقراطية في الاشتراكي
في لحظة شديدة الحساسية في اليمن، وفي مقام يتعلق بمصير مجتمع بأسره.
التخبط والحيرة و"اللاموقف" تتحكم بسلوك
الاشتراكي بينما تنغمس قياداته في حالة من "التبخيس الذاتي" جعلتها تفوت
الفرصة تلو الأخرى لاستجماع قوى اليسار واستنهاض المجتمع حول مشروع وطني ينتصر
للمظلومين ويكبح مخطط تفتيت اليمنيين على مقتضى معايير مذهبية ومناطقية. إن أولى
كوارث "التبخيس الذاتي" هي اساءة تقدير قوة الذات، فتتضاءل حد الانسحاق،
وإساءة تقدير قوة الآخر، شريكا أو حليفا أو خصما، حد التهويل والتسليم بإرادته.
ما تفعله قيادة الاشتراكي راهنا، هو التسليم المخزي
بمخطط تفتيت اليمن إلى 6 أقاليم رغم اعتراضها العلني عليه.
هل يصح ان يسلم حزب سياسي عريق ومركزي في الحياة
السياسية اليمنية بمخطط لتفتيت بلد بدعوى أنه لا يملك أن يعطل مسيرة الحوار ومسار
العملية السياسية؟
ماذا يبقى من الحزب، كينونة وتاريخ ومثل وتطلعات،
إن هو سلم بالهوان وتموضع في العملية السياسية باعتباره الغريب الذي يقبل بضيافة
أهل الكرم في السلطة؟
***
الاشتراكي ليس حزب الاشتراكيين الاعضاء فقط، وما
ينبغي له! من هذا الزاوية يحق لكل يمني أن ينتقد سلوك الاشتراكي (وسلوك أي حزب
آخر)، وأن يقسو ويحتد في نقده خصوصا وهو يرقب مخططا خيانيا من اعلى المستويات،
مسنودا من الخارج الاقليمي والدولي، بتجسد على الأرض بالتوازي مع تردي الحياة
الحزبية في أوحال الارتزاق والانتهازية و"الخلاص الفردي" لقيادات وكوادر
وشباب الأحزاب اليمنية.
***
الحزب الذي يفقد حساسية الزمن ولا تنضبط حركيته في
الواقع لأي من مثله وتطلعاته ووثائقه التأسيسية، الحزب الذي يداري الاخطاء ويتستر
على الخطايا وتتحصن قياداته في قوالب أحزاب الستينات وتتدرع بالإجماع
"الوهمي"، هو حزب يتقوض من الداخل معفيا خصومه من ابرام
"مؤامرة" للانقضاض عليه من الخارج، كما يزعم "المصطفون" من
أعضائه!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق