تركوا المخربين والمجرمين واعتقلوا صحافياً
أمريكياً اسمه آدم براون.
تركوا مفجّري أنبوب النفط وخاطفي وقتلة الأجانب،
وتنمّروا على صحفي.
تركوا من يعذبون اليمنيين بضرب أبراج وخطوط
الكهرباء واستهدفوا ناقل معلومة. وبينما 75% من المطلوبين سعودياً بقضايا الإرهاب
موجودن في اليمن لم نسمع يوماً عن ترحيل إرهابي واحد.
أينبغي علينا منحهم بطاقة صحفي حتى تدرك الأجهزة الأمنية مدى خطورتهم وترحّلهم مثل آدم!
أينبغي علينا منحهم بطاقة صحفي حتى تدرك الأجهزة الأمنية مدى خطورتهم وترحّلهم مثل آدم!
من الذي يمثل تهديداً للأمن القومي للبلد؟ المجرمون
أم الصحفي؟
ألا يشكل ضرب أنبوب النفط والكهرباء الخطر الأول
على الأمن القومي لليمن؟
ليس تنظيم القاعدة وحده من يسيء لليمن وسمعته. وليس
كلفوت ولا مختطفو الأجانب وحدهم. الرئيس هادي والسلطة والحكومة الانتقالية هم
أيضاً يسيئون لليمن، أيما إساءة من خلال فشلهم أو تقصيرهم أو فسادهم أو سوء
استخدامهم للسلطة.
يقضي اليمنيون ست إلى سبع ساعات في الظلام بسبب
صعلوم أو قاطع طريق يعتدي على الكهرباء، وكل ما تقوم به الدولة وأجهزتها العظيمة
رسالة sms لوكالة
سبأ الإخبارية تعلمهم بضرب المحطة الغازية وخروجها عن الخدمة لاعتداء في منطقة
كذا. أحياناً بدون.
ما هو الأمن القومي لليمن؟
إنه أنبوب صافر وليس ذلك المبنى في شعوب.
الأمن القومي تعزيز خفر السواحل وليس ترحيل صحفي.
الأمن القومي وقف وضبط عمليات تهريب السلاح
والمخدرات لليمن.
الأمن القومي وقف وتجفيف منابع العمالة السعودية
والقطرية والإيرانية!
وظيفة الأمن القومي والسياسي حماية سيادة البلد من
كل ما يهدد أمنه واقتصاده.
خسرت اليمن 4 مليار دولار و700 مليون بسبب الهجمات
على الأنبوب والكهرباء وكأن الأمر لا يعنيهم ولا يحظى بربع اهتمامهم بمراقبة وترصد
الصحفيين.
وظيفة الأمن القومي والسياسي وسائر الأجهزة الأمنية
ليس أن يكون أداة طيّعة لتحقيق نزوات الرئيس و"شلته" على الرغم من ثقتي
أن الجهاز، وهذا لا يعفيه طبعاً مجرد "منفذ" لتوجيهات عليا ربما صدرت من
الرئيس شخصياً أو من مكتبه بناء على مشورة من صحفيّ البلاط وما أكثرهم. أو بسبب
مقالة، أو فقرة، استفزت رئيسنا الحساس، بشكل مرضي، تجاه الإعلام والصحافة لدرجة
أنه قد يغضب ويستثار من مقالة، أو لمجرد وصف واقعي كـ "الدولة الرخوة"
مثلا، بينما لا يغضبه أو يدفعه لاتخاذ قرارات حاسمة، أن يقضي اليمنيون ست ساعات
يومياً في الظلام ولا تحرك الدولة ساكناً.
من الواضح أن تقارير آدم في الفترة الأخيرة باتت
مصدر إزعاج للسلطة الانتقالية وحراسها رغم أن آدم صحفي مهني، وغير صدامي، ولا يقول
عادة ما يزعج النظام، وعلى علاقات واسعة بمسئولين كبار وبالنخبة السياسية، وهو في
تقاريره ينقل المعلومة بحذر وتجرد وصرامة مهنية تفرضها وسائل إعلام عالمية مثل
الواشنطن بوست وذا ناشينونال على جميع كتابها ومراسليها وليس عليه وحده.
ما الذي يحدث في البلد؟
عشرات الجرائم والعمليات المنظمة لتنظيم القاعدة
الذي قال الرئيس هادي نفسه إن 70 % من عناصره من الأجانب ومن جنسيات العالم:
فرنسي، برازيلي، نيجري، خليجي.. إلخ ولم نسمع يوماً عن إيقاف، أو ترحيل، واحد.
56 عملية، أو محاولة، اختطاف لأجانب ولم يعتقل أو يحاكم علناً مجرم
واحد باستثناء ما تدّعيه من بطولات، يصعب التحقق من صدقها، رسائل sms وكالة
سبأ.
اغتيال أكثر من 100 ضابط وقائد عسكري، ولم يتم
محاكمة مجرم واحد علناً. (حتى مجرم حضرموت الذي اعتقل إثر محاولة اغتيال قاضي لا
أحد يدري ما وضعه الآن وإلى ما أفضت التحقيقات ومتى ستتم محاكمته؟)
مئات الاعتدءات شبه اليومية على خطوط وأبراج
الكهرباء، وأنبوب النفط المحلي، وتكتفي الداخلية والدفاع بدور إعلامي وكأنها وكالة
"سبأ": تعلن اسم المخرب وتنتظر وقع التفجير التالي كي تحدث قائمة
الأسماء وليس لاعتقاله أو ملاحقته. بل على
العكس دفعوا لهم الأموال والرشى الرئاسية.
مسح السفير القطري بكرامة قادة أمنيين كبار الأرض
عند إيقافهم في المطار إثر تحرير المختطفة السويسرية. وبدلاً من أن تقدم قطر
اعتذاراً لليمن عن دفعها أموال لجماعات مرتبطة بالقاعدة وتحرير مختطفة من دون
التنسيق مع الأجهزة استقبل رئيس الوزراء في اليوم التالي السفير القطري واعتذر
الأول للأخير!
أهان ضاحي خلفان اليمن شعباً ودولةً على مرأى
ومسمع، ولم تتقدم الخارجية اليمنية باحتجاج لدى دولة الإمارات، أو تستدعي سفيرها
في صنعاء ولو من قبيل الإدعاء الكاذب والتظاهر أمام اليمنيين. لماذا؟ لأن اليمن
يحكم ويدار من نخبة هيّنة، مستلبة، تتمسح بالخارج وتتسوله لحل مشاكلها الداخلية
التي تتزايد أكثر يوماً بعد يوم.
الأمن القومي يرحّل الصحفي الأمريكي آدم براون من
اليمن. كنت لأحسبها كذبة أبريل، أو ضرباً من المزاح، أو "خبابير"
الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لو لم أقرأ للتوا تغريدة غاضبة للزميلة أطياف
الوزير.
سألتها عن الحادثة وما إن كان معتقلاً فعلاً فقالت
إنه تم ترحيل آدم اليوم فجراً. على الفور اتصلت بفارع المسلمي، صديقه الأقرب ولكن
هاتفه مغلق. ففتحت صفحة فارع وسهل الجنيد وآخرين على فيسبوك وأدركت أن بعضهم لمّا
يسمع بالنبأ بعد.
شيء لا يصدّق.
حتى الجنون بحاجة إلى عقل وبصر.
حتى أسوأ الأنظمة الديكتاتورية تقوم بتمثيلية، أو
تخترع قصة، أو تلفق تهمة قبل القيام بحماقة مماثلة.
هكذا
استدراج وترحيل.
لا يوجد إيضاح للأسباب.
ليس من حق آدم ابلاغ محامي.
لا توجد أية إجراءات قانونية ينبغي إتباعها.
آلو. ممكن تحضر يا آدم حتى نصحح وضع إقامتك؟
يذهب آدم بحسن نية من يحب اليمن ويحسن الظن بأهله.
ليفاجأ بالتحقيق معه واعتقاله بالأمن القومي
وترحيله بعد نصف يوم.
كنا لننبهر بالأجهزة الأمنية لو أنها استدرجت قتلة
أمان والخطيب بنفس الطريقة؟
ان الدولة المدنية التي كانت السلطة الانتقالية وكل
مساحيق تجميلها، يبشّرون بها في مؤتمر الحوار الوطني، وصادف أن كان آدم أحد الذين
آمنوا بإمكان تحقيقها عن محبة ونقل وكتب تقارير من داخل المؤتمر لصحف ومواقع إعلام
عالمية، ليست نفس الدولة التي اعتقلت آدم بحيلة ورحّلته خلسةً عن بلدٍ أحبه أكثر
من وطنه الأم وتعلق به وأندمج بعاداته وتقاليده أكثر من اليمنين أنفسهم أو طبقة
"المستشرقين" الذين يتأففون من بعض عادات المجتمع، ويجتهدون في إثبات
تمايزهم من خلال تحقير أو ازدراء يمنيتهم!
آخر مرة رأيت آدم فيها كانت قبل أسبوعين في
المناظرة التي أقامتها مؤسسة رنين حول دعم المشتقات النفطية. انتهت المناظرة
وبينما نحن، أنا وفارع، في أحاديث جانبية مع بعض المشاركين والحضور فما كان من آدم
إلا الذهاب إلى السيارة. "تأخر عن موعد القات" قال فارع ضاحكاً. وعندما
وصلنا إلى السيارة كان آدم مبحشماً وعلى وجهه ابتسامة أسعد رجل في العالم.
لطالما تخوفت، كلما قابلت آدم، أن يكون الضحية
التالية لعصابات اختطاف الأجانب. لم يدر في خلدي للحظة أن خاطفه سيكون السلطة
الانتقالية وأجهزتها الأمنية.
عندما يسألني عن القات أصدقاء يمنيون، ممن لا
يتعاطونه، أو عرب كنت أدافع عن تناولي للقات بلؤم ومزاح، وأقول لهم إن لدي صديقاً
أمريكياً "يخزن" بشراهة وتلذذ عجيبين، ويجيد الرقصات اليمنية، ويرتدي
الأزياء الشعبية، ولديه نظرية في التعامل مع اليمنيين مفادها أنه لا يثق باليمنيين
الذين لا يتناولون القات"، وكأنهم شيء مستورد أو مستشرقين أو أناس ليسوا من
صميم المجتمع ولا يعبرون عن الشخصية اليمنية.
الآن لو صادف أن استشهدت بآدم، سأضيف: لقد رحّله
الأوغاد من بلده.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق