الخميس، 8 مايو 2014

ليف تولستوي: رسالة حول التسامح الديني

من المفروض أن يكون سيّان لدى الحكومات والطبقات الحاكمة ما الذي تؤمن به الشعوب التي تحكمها: سواء كانت تتبع المذهب الإصلاحي أم الكاثوليكي أم الأرثوذكسي أم الإسلامي. لكنّ الأمر ليس كذلك. والواقع أنّ الكنيسة لا تمتلك أدوات العنف. والعنف، إذا كان يُستخدم، فإنه لا يُستخدم من قِبل الكنيسة ذاتها، وإنما من قِبل السلطة التي تتحّد معها الكنيسة.

في كل العصور تتناسب العقائد الدينية مع الأنظمة الاجتماعية، أي إنّ النظام الاجتماعي يتشكّل تبعًا للعقائد الدينية. والحكومات والطبقات الحاكمة تعرف هذا، ولذلك تدعم المذهب الديني الملائم لمصلحتها. الحكومات والطبقات تعلم أنّ الدين الحقّ يرفض السلطة القائمة على العنف، ويرفض التفاوت الطبقي، ومراكمة الثروة، والإعدامات، والحروب -أي كل ما بفضله تشغل الحكومات والطبقات الحاكمة مكانتها المفيدة لها، ولهذا تعتبر أنّ دعم العقيدة التي تبرِّر وضعها أمرٌ ضروري.


والمسيحية، التي أفسدتها الكنائس، تفعل ذلك، مقدِّمةً تلك المنفعة، وعبر تحريف الدين المسيحي الحقّ، تحجب عن الناس النفاذ إليها.

ما كان للحكومات والطبقات الحاكمة أن توجد لولا هذا التحريف للمسيحية الذي يُسمى العقيدة الكنسية. والكنيسة، مع أكاذيبها، ما كان لها أن توجد لولا عنف الحكومات والطبقات الحاكمة، المباشر أو غير المباشر. يتجلّى هذا العنف لدى بعض الحكومات في الاضطهادات، ولدى أخرى في الحماية الاستثنائية للطبقات الغنية الحائزة على الثروة؛ فامتلاك الثروة مشروط بالعنف فقط، ولهذا تعاضد الكنيسة والحكومة والطبقات الحاكمة بعضها بعضًا. وبالتالي، فإنّ معارضي التسامح الديني محقّون تمامًا حين يدافعون عن حقّ الكنيسة في العنف والاضطهاد، الحقّ الذي يعتمد وجودها عليه. ولكان مؤيدو التسامح الديني محقّين فقط عندما لا يتوجهون إلى الكنيسة، وإنما إلى الحكومات، وطالبوا بما يسمّى خطأً فصل الكنيسة عن الدولة، والذي هو من حيث الجوهر، ليس سوى إيقاف الدعم الحكومي الاستثنائي -عبر العنف المباشر أو غير المباشر- لعقيدة معينة ما فقط.
أما الطلب إلى الكنيسة بالكفّ عن العنف أيًّا كان شكله؛ فهذا يشبه الطلب إلى عدوٍّ محاصرٍ من كل الجهات أن يسلّم سلاحه، وأن يستسلم لمهاجميه.

يمكن فقط للمسيحية الحقّ والحرّة، وغير المرتبطة بأية مؤسسات دنيوية، أن تكون متسامحة، وبالتالي لا تخشى شيئًا أو أحدًا، والتي غايتها الوحيدة معرفة الحقيقة الإلهية أكثر فأكثر، وتحقيقها في الحياة أكثر فأكثر.

من رسالة حول التسامح الديني كتبها الأديب الروسي في 28 كانون الأول 1910

ليست هناك تعليقات:

Disqus for TH3 PROFessional