السبت، 25 فبراير 2012

تدعى ثورة.. وتعامل كأزمة!!



محمد عبده العبسي
Absi456@gmail.com

بنفسية من يشكي ويبكي ويتذمر وليس بنفسية من يريد الوصول إلى السلطة ويناضل من أجل التغيير السلمي كان أداء المعارضة اليمنية طوال السنوات الماضية إلى أن جاءت الثورة كحدث تحولي فارق في تاريخ اليمن. حتى أشد انتقادات المعارضة اليمنية للرئيس علي عبدالله صالح ونظامه، في السابق، كانت تترك ذلك النوع من الجروح التي تلتئم مع الوقت سريعاً وتعود المياه إلى مجاريها. الثورة غيرت كل شيء لكن شيئاً واحداً ربما لم تغيره حتى الآن هي المعارضة بأدائها المعوّق وخطابها المسكون بنظرية المؤامرة والتواطؤ.

في السابق اتهمت المعارضة صالح ونظامه بالتواطؤ مع الحوثيين في حرب صعدة، وبالتواطؤ مع القاعدة في الحرب على الإرهاب، وبالتواطؤ مع الانفصاليين في الجنوب. ومع الثورة اتهمته بالتواطؤ مع مفجري أنبوب النفط وأبراج محطة الكهرباء، بل وبالتواطؤ مع الحرس الرئاسي لقتل كبار رجال الدولة الذين سمّاهم بيان المجلس العسكري في حادثة جامع النهدين!! والسؤال العكسي من المستمع إلى المتكلم هو: إذا كان صالح متواطؤ في كل ذلك فأين كنتم كمعارضة وما الذي فعلتموه لإفشال مخططاته أو فضحها على الأقل قبل وقوعها؟ مهمة المعارضة ليست أن تقول إن صالح ارتكب كارثة وقد وقعت وإنما أن تحول دونها. مهمتكم ليست تفسير الواقع بل تغييره. ولا افهم لماذا تتهرب المعارضة دائماً من شيء اسمه "ما الخطوة التالية"؟ ماذا بعد التهمة؟
لا يكفي أن تقول أن صالح زور الانتخابات ما لم توثق وترصد كم وكيف زور في كل دائرة. لا يكفي أن تقول أن الحرس الجمهوري يحتجز في الصباحة قاطرات البنزين والديزل ما لم تلتقط صوراً وتنشر أرقام لوحات القاطرات حتى تنتصر لسائق الباص والمواطن المتضرر (لتقنعهم بقدراتك أيضا). لا يكفي أن تقول انك رصدت مكالمة هاتفية بين صالح ونجله ثم تقوم بالتستر على دليل هام كهذا. هنا أطالب اللواء علي محسن احتراما للحقيقة ولدماء الشهداء أن ينشر التسجيل الصوتي على شبكة الانترنت فورا كدليل مادي لمفوضية حقوق الإنسان ومحكمة لاهاي، لأن عدم نشرها معناه أنه يستخدم هذه الوثيقة كورقة تفاوض وكرت ابتزاز ليس إلا.
اليوم وبعد 10 أشهر من الثورة، الصامدة رغم كل المعاناة داخلها وخارجها، ينبغي إعادة تقييم أداء معارضي صالح إجمالاً والمشترك خصوصاً باعتبارها المعارضة المؤسسية للنظام التي أتيح لها ما لم يتح لأحد من معارضيه والسؤال: هل كان المشترك، وما تفرع منه وانبثق عنه من كيانات مختلطة، عبئاً عليها أم إثراء لها؟ لماذا تُدعى ثورة وتعامل كأزمة؟ هل خطاب المعارضة جمعي وذكي إلى درجة أنه أشعر اليمنيين، سواء أنصارها أو خصومها وحتى الفئة المشغولة بقوت يومها، أنها جديرة بالحكم وستصل إليه؟ متى كانت المعارضة مؤسسية أصلاً؟ وهل كان أداءها بحجم الثورة أم أنه على مقاس اتفاق فبراير؟ 
الأمثلة كثيرة: قبل سنوات قال صالح، في خطاب متلفز، إن "النفط سينضب" فماذا فعلت المعارضة؟ لا شيء، هل عقدت اجتماعاً طارئاً لبحث معلومة تتعلق بأهم مورد يشكل 70% من الموازنة العامة ويمس الأمن القومي لكل يمني؟ كلا. هل تصرفت بشكل مؤسسي وقامت بتشكيل لجنة تقص من برلمانيين واقتصاديين لصياغة وجهة نظر علمية؟ كلا. هل وجهت رسالة رسمية للبنك الدولي للاستيضاح حتى؟ كلا. كأن النفط شأن عائلي يخص صالح وأسرته فقط وعليها ألا تحشر أنفها. كان بوسع المعارضة إحراج الرئيس عبر كتلتها في البرلمان باستدعائه هو، وليس وزير النفط، إلى البرلمان خاصة وأن رئيس مجلس النواب وقتها الشيخ عبدالله الأحمر رئيس أكبر حزب معارض. لقد أتيح لها أن تحول المعلومة إلى قضية رأي عام، وأن توصل الناس، قبل الثورة بسنوات، إلى قناعة أن صالح شخص غير جاد قط ولا ينبغي أن يصدقه أو يثق به أحد. ولكن ليست هذه المرة الوحيدة التي تضيع فرصة ذهبية للتغيير.
هرب سجناء محسوبون على تنظيم القاعدة ومن المطلوبين أمريكياً، مرتين، من سجني الأمن السياسي بصنعاء والمكلا. إنه حدث تسونامي في الدوائر الغربية فماذا فعلت المعارضة؟ لا شيء. كانت خارج نطاق التغطية. يومها، وعلى بعد قارتي أفريقيا وأوروبا، عقد البيت الأبيض بعد ساعات فقط مؤتمراً صحفياً للتعليق على "الهروب الكبير" بينما لم تكلف أحزاب المعارضة نفسها عناء عقد مؤتمر صحفي صغير تدعو إليه خبراء أمن ومحللين وشهود عيان فيستعرضون صوراً وخرائط جوية للمواقع يوفرها، مجاناً، جوجل آرث فتحولها إلى قضية رأي وتخاطب مؤسسات القرار الأمريكية بمسئولية واتزان!
تم اختطاف فرنسيان في الأشهر الأولى من الثورة بعد بيان الخارجية الفرنسية شديد اللهجة؟ ما هو أنسب وأوجب رد فعل إنساني وسياسي؟ أن تعقد مؤتمراً صحفياً في نفس اليوم وتدين حادثة الاختطاف، كسلوك شجع عليه النظام، وتنتهز الفرصة لمخاطبة مؤسسات صناعة القرار الفرنسي. بماذا يمكن تفسير "دعممة" المعارضة إذن؟ وهل هذا سلوك وتصرف من يريد إسقاط نظام وبناء نظام آخر؟
قصفت أبراج محطة الكهرباء الغازية وخطوط النقل أكثر من 50 مرة منذ بدء الثورة، هل عقدت أحزاب المعارضة، أو المجلس الوطني، مؤتمراً صحفياً واحداً في نفس اليوم لامس المواطن البسيط وأشعره أنه أمام قيادة جادة وعلى قدر المسئولية؟ هل قدمت أدلة قاطعة على افتعال النظام لأزمة الكهرباء؟ هل جاءت بالخبراء والخرائط الجوية والتفسيرات العلمية؟ هل التقطت صوراً فوتوغرافية لمواقع الاعتداء والمحيط السكاني له؟ من لا يفعل شيء لا يستحق شيء. فجر أنبوب نفط صافر، الذي يغطي استهلاك 25 مليون يمني، 6 مرات بأقل من شهر وكأن شيئاً لم يحدث. تم تفجير أنبوب الغاز ولم يظهروا أي اهتمام وكأن الغاز نزاع عائلي بين ylng وتحالف مناهضة صفقة الغاز.
علينا أن نفرق دائماً بين ردة فعلين مختلفتين: إن من يعقد مؤتمرا صحفياً فور وقوع الحدث كالمستشفى الميداني بساحة التغيير فهذا هو من يعمل بشكل مؤسسي منظم ويتحلى بقدر عال من المسئولية بينما من يصدر بيانات طرية، لأحداث بائتة، أو يوزع اتهاماته هنا وهناك حيثما صادف في الصحف و في المقايل فهذا بالضبط ما يقوم به المشترك. ولهذا السبب قلت إن انتقادات المشترك للنظام، طوال السنوات الماضية، كانت تصدر عن نفسية من يشكي ويبكي ويتندر على قضاء الله وقدره لا من يؤمن هو قبل غيره بفعل التغيير.
صالح لا يحترم عقول اليمنيين ويكذب عليهم إذن لا تكونوا مثله. صالح يتهم بلا أدلة كاتهامه زوراً لمرافق الراحل فيصل بن شملان بالتورط في عمل إرهابي فلا تكونوا مثله، صالح يعتبر أي نقد له مساساً بالثورة والوحدة والجمهورية فلا تكونوا مثله، وإذا كان صالح أسوأ من في النظام فلن يسقطه أسوأ من في الثورة!


ليست هناك تعليقات:

Disqus for TH3 PROFessional