بعد 32 عاماً من توليه الحكم يوصف علي عبدالله صالح أنه ربان سفينة اليمن
الحديث!!
محمد
عبده العبسي
نشر في 2010م في 17 يوليو ذكرى تولي صالح
يقول
المثل البريطاني الميكافيلي: "إذا أردت أن تجتاز ضفة النهر فإن عليك أن تعقد
صفقة أو هدنة مع تماسيح النهر".. وهذا بالضبط ما يفعله الرئيس علي عبدالله صالح منذ توليه الحكم في 17/يوليو/ 1978 إلى اليوم: صفقة تلو
صفقة، وهدنة إثر هدنة، لا مع تماسيح النهر وإنما مع تماسيح أخرى، أشد فتكاً من
الأولى وأخطر!.
لديّ،
بدايةً، تحفظ على كلمة "تماسيح". ذلك أن النظر إلى الشعوب
باعتبارها تماسيح خطرة لا يقل بشاعةً عن وصف الشعب اليمني بـ "الثعابين"
ووصف طريقة حكم البلد، بالتالي، على أنها "رقص على رؤوس الثعابين"! فلا
الحاكم "سوبر مان" ولا المحكومون مجرد تماسيح أو ثعابين!! ينبغي، اذن،
أن تكون العلاقة بين الحاكم والمحكوم علاقة تفاعلية تقوم على الاحترام والمساواة
والمصالح المشتركة دافعها الأول والأخير حب الوطن. لكن أي وطن؟
كان
العائق الأول أمام مشروع إبراهيم الحمدي التحديثي، سيقول الكثيرون، هو القبيلة.
كلا، هذا القول الشائع غير دقيق البتة. فقد كان العائق أمام بناء الدولة اليمنية
الحديثة، في عهد الرئيس الحمدي، ليس القبيلة وإنما، توخياً للدقة، بعض الأسر
المشيخية التي استولت بشكل أو بآخر على موارد البلد وخيراته. كان على الحمدي وفق
تلك المعطيات الصعبة أن يعقد صفقةً، أو هدنة على الأقل، مع تماسيح النهر حتى يتسنى
له اجتياز النهر بسلام. غير أنه، بشجاعة الفرسان، فضّل المضي قدماً في مشروعه
التحديثي فماذا كانت النتيجة: لقد التهمته التماسيح ومزقته إرباً!.
أخفق
الرئيس الحمدي، إذن، في اجتياز ضفة النهر. وما أخفق فيه قائد حركة التصحيح في
السبعينيات نجح فيه، ببراعةٍ ودهاء ميكافيلين، الرئيس علي عبدالله صالح الذي باشر
عهده بعقد صفقات واسعة مع أكثر القوى نفوذاً وأكثرها قدرةً على إعاقة تقدمه في
مياه النهر المملوء بالتماسيح!
كان
إعلان الحرب على الجنوب في 79 خطوة
استباقية ذكية من الرئيس صالح حققت له هدفاً مزدوجاً هو: إرضاء القوى التقليدية،
في الداخل، بالثأر للرئيس أحمد الغشمي من قتلته، وفي الوقت نفسه إرضاء القوى
الخارجية، ممثلةً بالمملكة العربية السعودية، بخوض الحرب ضد الجنوب اليساري
الشيوعي الكافر!!
وتوالت
الصفقات تباعاً!
عبدالله بن حسين الاحمر |
قرر
الرئيس الحمدي المواجهة، إيماناً منه بمشروعه التحديثي، فغرق في وسط النهر. أما
الرئيس علي عبدالله صالح فقد أحسن، بذكائه الميكافيلي، القرار: عقد الصفقة واجتاز
النهر! غير أن النهر الذي اجتازه، بالنظر إلى إنجازاته المتواضعة حتى الآن، لم يكن
نهراً حقيقةً وإنما مجرد بركة أو نبع ماء صغير في أحسن الأحوال. ذلك أن القول إن
الرئيس صالح "ربان سفينة اليمن الحديث"، وفق الأدبيات الرسمية، يقتضي
تضحيات حقيقية ويتطلب عقد صفقات لا مع التماسيح وإنما مع المجاديف التقدمية وسواعد
العمال وأحلام اليمنيين في يمن موحد تسوده العدالة والمواطنة المتساوية بين
"مطلع ومنزل" وشمال وجنوب يحلمان، منذ قيام الثورة، بالحياة الكريمة!.
ربان التيتانيك |
ينبغي
لك كي تكون رباناً لسفينة كبيرة أن تكون واسع الخبرة وكثير التجارب كربان سفينة
التيتانيك، غير أن الغرق أبسط من ذلك بكثير. فلا يتطلب خبرةً ولا ذكاء. قرار واحد
خاطئ قد يؤدي بالسفينة ومن فيها. قرار متعجرف واحد كاف لغرق السفينة التي يقودها
ربان ماهر.
أقول هذا وبين يدي الآن دراسة أمريكية حديثة تؤكد أن 80% من حوادث تحطم الطائرات أو غرق السفن، لم يرتكبها طيارون مبتدئون وقليلو الخبرة، وإنما وقع فيها أكثر طياري العالم مهارة وأكثر رباني السفن خبرة ودهاءً. ولعمري أن في ذلك لعبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
أقول هذا وبين يدي الآن دراسة أمريكية حديثة تؤكد أن 80% من حوادث تحطم الطائرات أو غرق السفن، لم يرتكبها طيارون مبتدئون وقليلو الخبرة، وإنما وقع فيها أكثر طياري العالم مهارة وأكثر رباني السفن خبرة ودهاءً. ولعمري أن في ذلك لعبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق