الأربعاء، 15 أغسطس 2012

أمريكا تساعد اليمن بيدٍ وتدمرها بكلتا اليدين!

مساعد الرئيس الأمريكي "جون بيرنان" بوصفة آلة عد نقود!

ليس علي عبدالله صالح وحده من يؤدي دور الشيطان في اليمن. إدارة البيت الأبيض وسفيرها في صنعاء يؤديان الدور نفسه. وإذا كانت اللوس انجلوس وصفت الرئيس السابق بأنه ينظر للعلاقات اليمنية الأمريكية بوصفها "دفتر شيكات الحرب ضد الإرهاب"، فبوسعي القول إن مساعد الرئيس الأمريكي لمكافحة الإرهاب جون برينان لم يزد عن أنه استعرض، قبل 3 أيام، دفتر الشيكات المقدمة لليمن شيكاً تلو شيك أمام الكاميرات بطريقة مهينة تطفح بالرياء والمنّ كرجل ثري يشكو كُثر إنفاقه على عجزة ومعدمي الأحياء الفقيرة.

الآن وجدت تفسيراً لمشهد مهين يصور بدقة شديدة فحوى العلاقات اليمنية الأمريكية، نقلته إحدى وثائق ويكليكس، عندما اعترض الرئيس صالح طريق برينان وأمسك باب السيارة بشكل فج ملحاً عليه بتعهدات مالية ما. رجلان وجد كلاهما في الآخر صفة مشتركة: الجشع!
عبدالرحمن انور العولقي
اليمني عدو نفسه وبلده. عشرون عضواً أمريكياً بمجلس العلاقات الخارجية وجهوا انتقادات شديدة لسياسة الحرب على الإرهاب وهجمات الطائرات بدون طيار في اليمن التي لم ينتقدها اليمنيون أنفسهم إلا لماماً. إثر ذلك دار قبل أيام نقاش ساخن بين أعضاء المجلس ومساعد الرئيس أوباما حول اليمن لكن اليمنيين كعادتهم آخر من يعلم أو يهتم وكأنه جدل يخص شعب تكساس! لم ينكر بيرنان الغارات الأمريكية داخل اليمن كعادة المسئولين اليمنيين ومراسلي الصحف ووكالات الأنباء المحليون وإنما لجأ إلى ذخيرة رجل بارع في قلب الحقائق وتبسيط الأمور "إنها جزء من الحل لا المشكلة" نافياً "إدعاء" أعضاء المجلس أنها ولدت مشاعر معادية للأمريكيين. وقال ما حسبته لوهلة مزحةً ثقيلة "إن ما يطرحه البعض أن سياساتنا إزاء اليمن يغلب عليها الأمن وجهود مكافحة الإرهاب طرح غير صحيح" ويبدو أن الرجل جاد!
يمكن القبض على ما لم يقله صراحة فيما قاله بيرنان تورية. فكلمته المعنونة بـ"نهج أمريكي شامل بشأن اليمن" تقول شيئاً واحداً لمنتقديه الأمريكيين: (اليمنيون أنفسهم لا ينتقدوننا مثلكم وهي بلادهم!). وربما منعته الدبلوماسية والرغبة في عدم إحراج الحكومة اليمنية من القول إنهم طيّعون تماماً للإدارة الأمريكية ولا يظهرون ممانعة ولا تبرماً ولا يفكرون في تحسين الشروط. بالمجمل كان بيرنان يقصد شيئاً آخر غير الذي تقوله كلماته أمام المجلس. فحين قال "إن شركائنا في اليمن أكثر حرصاً على العمل معنا" كان يقصد: "هم بحاجة إلينا أكثر من حاجتنا لهم" مع أن البديهي العكس. وقرار وزارة الخارجية الأمريكية في 3 يوليو برفع الحظر عن اليمن وفتح الباب لتصدير الأسلحة عبر البنتاجون ومقاوليه -إلى بلد كان مصنفاً أمريكياً بوصفه سوقاً سوداء للأسلحة- لا يمكن قراءته بمعزل عن قرار إيقاف الرئيس هادي 12 شحنة أسلحة روسية وأوروبية حسب خبر انفردت بنشره صحيفة الأولى يوم أمس. حان وقت بناء شراكات جديدة بعد رحيل صالح عن السلطة.
سأحصي بعض جُمل المنّ في كلام بيرنان: "هذا أكبر دعم مدني قدمته الولايات المتحدة لليمن". وقال في فقرة مَنٍّ أخرى: "الولايات المتحدة أكبر داعمٍ لليمن في المساعدات الإنسانية". وأضاف لا بلغة مساعد رئيس الدولة العظمى في العالم وإنما بلغة آلة عدّ نقود تصدر ضجيجاً هائلاً حين تعمل: "هذا العام فقط بلغ الدعم الأمريكي لليمن أكثر من 337 مليون دولار". والله لو أن لليمن قادة ونخبة سياسية عزيزة نفس لبصقت في وجه هذا المبلغ التافه غير آسفة. إنه لا شيء. لُعاعة. خسارة اليمن في قطاع الكهرباء جاوزت مليار دولار (دون خسائر المواطنين) كان بدايتها صاروخ أمريكي أطلقته طائرة "البريداتور" على نائب محافظ محافظة مأرب! ثم يأتي السيد بيرنان اليوم للمنّ علينا بفتاته!
عدا الإضرار بالبيئة مارست شركة هنت الأمريكية، حسب دراسة الخبيرين الدوليين د/ديفد ود ود/ اولى جانسون، سياسية تسريع الإنتاج في قطاع 18 بما لا يتفق مع الصناعة النفطية من خلال حفر 120 بئراً معظمها أفقية متسببة في فقدان 198 مليون برميل نفط قدرت بـ3 مليار دولار: أي بقيمة المساعدات الأمريكية لـ10 سنوات. وخلال إدارة هنت لأكبر قطاع نفطي في اليمن صافر (بمساحة قطر) أحرقت 11 تريليون قدم مكعب من الغاز المصاحب بالهواء (تعادل الكمية المباعة لتوتال الفرنسية لـ20 سنة قادمة) ويمنّ السيد بيرنان بالفتات!
ليس بمقدور أي مبلغ على وجه الكرة الأرضية أن يعوض خسارة من فقد قريباً له أو عزيزاً عليه في مذبحة المعجلة وغيرها الكثير من المذابح التي قتلت أطفالاً ونساء وأبرياء. ولا أحسب أن هناك آلة على وجه الأرض تستطيع حساب الخسائر النفسية لا المادية لـ140 ألف نازح معظمهم نزح من أبين بفعل الغارات الخاطئة التي ساهمت في زيادة مؤيدي "أنصار الشريعة". ولما أزل أذكر القهر الذي رأيته في عيني الدكتور ناصر العولقي قبل شهور على حفيده عبدالرحمن، وحديثه للتايمز وقتها "يعتبر أوباما الكثيرون رجل السلام العالمي الحاصل على جائزة نوبل أما أنا وأسرتي فهو في نظري مجرد قاتل ومنافق". 
د/ ناصر العولقي وحفيده الحدث
تنظر الإدارة الأمريكية إلى اليمن باعتبارها قنبلة موقوتة تقلق عبور 3 مليون برميل نفط يومياً من مضيق باب المندب ولا تحاول مساعدته إنسانياً واقتصادياً وإن أدعت زوراً. إن علاقة البيت الأبيض باليمن واضحة للجميع: تتسم على الدوام بالانتهازية المصحوبة بالإذلال والممعنة في إسقاط استقلالية القرار اليمني وانتهاك سيادته الوطنية. أين أمريكا الملهمة في علاقتها بنا؟ أين المعرفة والأدب والموسيقى ودان براون وولت ويتمان ونعوم تشومسكي؟ هذه ليست علاقة سوية! من غير المعقول أن تقتصر علاقة دولتين على هوس الاستخبارات والأمن ومخاوف القاعدة ودفتر شيكات السيد بيرنان؟ وإليكم الدليل: ثلث كلمة بيرنان انشغلت بسرد أفعال الإحسان على اليمنيين وتذكيرهم بفاقتهم! وددت لو كنت هناك لأقول له إن نصف مساعدات أمريكا تذهب للجانب العسكري والأمني والمستفيد منها بالمقام الأول صقور البيت الأبيض عبر شركاتهم العابرة للقارات كهاليبرتون التابعة لديك تشيني أو بلاكوتر مع وكلائهم المحليون في اليمن. بعبارة أخرى: ستخرج المساعدات من جيب وتعود إلى جيب الأمريكي آخر عند شراء اليمن معدات عسكرية من الشركات الأمريكية كـ"طائرات بدون طيار، مدافع رشاشة, بنادق قنص، بناء قاعدتين في الجنوب كما خصص 29 مليون دولار لشراء معدات وأجهزة اتصالات وأجهزة متطورة للرؤية الليلية". باختصار: إنهم يدعموننا بيد ويستردون نقودهم أضعافاً باليد الأخرى!
"نصف المساعدات إنسانية" يقول بيرنان وهذا غير دقيق. فأكثر من ربعها يذهب للعلاقات العامة ونفقات تشغيلية وإدارية وليس خفياً أن بعضها تملح بالفساد. ومن ذلك 110 مليون دولار قدمت ضمن خطة التجاوب الإنسانية للأمم المتحدة، و68 مليون لتحسين خدمات الصحة والتعليم. و74 مليون عبر الوكالة الأمريكية للتنمية لدعم الأمن الغذائي. وبحسب بيرنان فإن ما تقدمها الوكالة الأمريكية مكّنت اليونسيف من رفع مساعداتها للأطفال الذين يتضورون جوعاً في اليمن". كدت أطرش دماً عند قراءة هذه الجملة المحشوة مبالغة وإدعاء! فمخصصات الوكالة تشمل جهات عدة ك"استجابة" وما تنفقه من مشاريع وندوات وإيجار قاعات وبوفيه ووو.. نفس الشيء مع امديست التي نفذت بالكاد مشاريع ترفيهية ليس إلا كبطولة شطرنج فتيات أحزروا فين؟ في الجوبة وبطولة كرة السلة في مأرب التي تشتهر على ما يبدو بتصدير لاعبي السلة للعالم! وفي عدن وصنعاء نفذت دورة وورشتا تأهيل لمدربي السلة تباعاً وورشة تدريب الطائرة فتيات في العاصمة. أما مشروعها الأهم "برنامج قيادة الدراجات ليمن أكثر اخضراراً" وكأننا محاطون بالمروج والمساحات الخضراء! أترون رياء المساعدات الأمريكية؟ تتحدث المنظمات الأمريكية المحترمة مليون طفل جائع فيما الوكالة الأمريكية تعبث بالمنح إرضاء لشغف الأمريكي بلعبة السلة (شل فلوسك وهجعنا)!

محتجون في الاسكندرية اثناء زيارة كلينتون
رُمي موكب وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بالطماطم والأحذية في مدينة الإسكندرية مع أن أحداً لا يستطيع الزعم أن مصرياً واحداً قتلته طائرة من دون طيار أمريكية كالحال في اليمن. ورغم تقديم البيت الأبيض أكثر من مليار دولار سنوياً لمصر لا يستطيع أحد الزعم بالسماح لطائرة البريداتور باختراق الأجواء المصرية كما تفعل باستمرار في اليمن. وبينما أخفقت الإدارة الأمريكية إلى حد ما في احتواء الثورة المصرية نجحت بيسرٍ في اليمن مع السعودية فصارت الثورة أزمة، والانتخابات الرئاسية تحصيل حاصل، ووقعت المبادرة الخليجية. وكان ثمن كل ذلك هيِّناً. ثمن المعارضة اليمنية نصف حكومة، وثمن الرئيس السابق الحصانة وعدم تجميد الأرصدة، والرئيس الجديد تدريب 400 شخص من مسقط رأسه كحراسة خاصة. تبدو اليمن كرجل مُعْدم متورط بالديون ومن قلة حيلته أخذ يؤذي نفسه بنفسه ويشج رأسه بحديده حتى غطى الدم وجهه لكنه رغم ذلك لم ينجح في إثارة شفقة وعطف الآخرين عليه. 
وددت وأنا أسمع جون بيرنان، والنخب اليمنية في صامتها، لو أطير إلى أمريكا كي أقبّل يديّ الناشطة الأمريكية اليهودية ميديا بنيامين. لا لأنها أقامت ندوات حول حرب واشنطن السرية في اليمن وضحايا المعجلة فحسب، ولا لأنها أسست وزوجها حركتي جلوبال وبينك كود المعنيتان بالسلام والعدالة الاجتماعية. بل لأنها امرأة عظيمة تنتصر للعدالة والقيم الإنسانية. لا أنسى شجاعتها وهي تقاطع خطاباً لبيرنان بمعهد ويلسون قبل أقل عام. كانت تصرخ بصوت مذبوح: "أنا أتحدث نيابةً عن أولئك الضحايا الأبرياء إنهم يستحقون منك الاعتذار يا سيد برنان. لماذا تكذب على الشعب الأمريكي؟ أنا أتحدث نيابةً عن عبدالرحمن العولقي الذي قتل في اليمن وكان يبلغ من العمر 16 عاماً من مواليد دينفر بسبب أن والده أنور العولقي. أنا أتحدث عن طفل باكستاني برئ. أنا أتحدث نيابة عن الدستور ونيابة عن سيادة القانون. أنا أحب سيادة القانون وأحب بلادي. أنت تعرض حياتنا للخطر من خلال  قتلك لأناس أبرياء حول العالم.
عار عليك.
الناشطة الأمريكية ميديا بنيامين
عار عليك.
بل عار عليكم أيها اليمنيون ناشطة أمريكية يهودية تطالب مساعد الرئيس الأمريكي بالاعتذار العلني للضحايا الأبرياء من اليمنيين بينما أنتم جميعاً بدءا بالرئيس السابق والحالي ووزير الداخلية السابق رشاد العليمي وليس انتهاء بمعظم مراسلي الصحف ووكالات الأنباء المحليون تقومون بالتستر على الجريمة الأمريكية وتنسبون فعلها لليمن! قد حان وقت القيامة.

ليست هناك تعليقات:

Disqus for TH3 PROFessional