
محمد عبده العبسي
إنه
الاستقطاب الكريه يغرز أظافره في ظهر الشعب الضحية. منذ الستينات ونحن نمرِّن
سواعدنا على حمل الجنائز. وفي كل مرة يراود اليمنيين الحلم تنجح قوى الشر
بالتخفي في غير ثيابها. ففي ثوب فضفاض يدعى "الجمهورية أو الموت" تخفى في
الستينات المماليك، ثم في ثوب "الوحدة أو الموت" تخفى وحدويو النفط ونهب
الأرض. وفي ثوب "الدولة المدنية" التي نظّر لها الشباب والمثقفون بطيبة
وصدق، يتخفى اليوم شركاء دولة صالح العائلية طوال 33 عاماً.
"التاريخ
في اليمن يتقدم بالريوس"! نفس الصراع القديم حول الأشخاص الخردة ومراكز القوى
لا حول البرامج وقيم العصر وكأن قدر اليمنيين أن يصطفوا إما مع بيت الوزير وإما مع
بيت حميد الدين! مع أحمد أو حميد. مع صالح أو علي محسن. الإصلاح أو الحوثي. الوحدة
أو الانفصال. إيران أو اللجنة الخاصة. إما الوضع "الحاصل الناصل" أو
الصوملة!


إن أردتم مَثَلاً خامساً فلاحظوا أن الذين أدانوا، أو برروا، زيارة د/محمد
المتوكل للرئيس السابق واعتبروها خيانة لشهداء الثورة لم يتفوهوا بكلمة واحدة عند
زيارة علي القيسي المعين محافظاً لمحافظة حجة بقرار جمهوري بعد الثورة! حسناً. مؤكد
أن من نقموا على المتوكل وعلي سيف صمتوا عن القيسي لاستقطابات مذهبية كون الأخير عُين
محافظ حجة لإيقاف المد الحوثي. هذا واضح. لكن ما ليس واضحاً ازدواجية الرأي العام
والفيسبوك: أين ذهب الساخطون الناقمون الغاضبون بسبب عرقلة قرارات هادي في القوات الجوية
واللواء الثالث؟ أليست كلها قرارات جمهورية بغض النظر عن الأشخاص؟ حتى جمال بن عمر
لم يعلق. ويبدو أن مجلس الأمن يلوح بالعقوبات ضد معرقلي قرارات هادي إن كانت في
صنعاء فقط لا حجة. هذه "الخصخصة" النقدية تجعلني أطرش دماً.

شخصياً حزنت على الدكتور محمد المتوكل وهو ينقل، في لهجة المُصدق، عن
الرئيس السابق أنه يساند الدولة المدنية فلعنت الموتور الذي جعله ينقلب على نفسه
وماضيه! من يصدق أن شخصاً اتصل به صالح في عزّ قوته، قبل 14 سنة، للعودة إلى
المؤتمر فرفض بكبرياء محارب ذهب لزيارته في عيد جلوسه وإن كانت زيارة الحاكم بعد نزع
سلطته فعل نبيل وشهم لو لم يكن صالح ولو لم يكن يوم 17 يوليو خاصة! من يصدق أن المتوكل
الذي صدق صالح اليوم هو ذاته السياسي الصريح الذي كتب في ذروة انشغال نظرائه قادة
المشترك بحواراتهم مع صالح مقالاً لاذعاً بصحيفة الوسط استوحاه من قصة شعبية لرجل
يتلذذ بالخداع والكذب، قاصداً الرئيس، وكان عنوانه صالحاً إلى اليوم (صدقتَ يا
خُضعي)!
لا أضر
بنا من تصدير استقطابات السياسة إلى حقوق الإنسان (وكأنها لم تصدّر!) فالطرفان اللذان
أدان أحدهما وكذب الآخر، تعذيب 4 شبان في صعدة على يد مليشيا الحوثيين لم يتفوها
بكلمة واحدة عند تعذيب جنود أمن مركزي في نفس الأسبوع 4 لاجئين إثيوبيين نصبوا خيام
اعتصامهم منذ شهر أمام مصلحة الجوازات دون أن تُلتقط لهم صورة أو يعيرهم الإعلام
اليمني اهتمام. شيء مخجل. حدثان توأمان يفصل بينهما من حيث الزمن بضع أيام لكن قروناً
طويلة تفصل بينهما من حيث الوعي والإنصاف الإنساني. اجتذب الحدث الأول اهتمام الرأي
العام لأنه يقع في جاذبية الاستقطاب السياسي بين الحوثي والإصلاح، إيران والسعودية
بينما لم يجتذب الحدث الثاني اهتمام أحد لأنه بدا كأشعث أغبر ذي طمرين مدفوع
بالأبواب. كل المنظمات الحقوقية التي هاجمت الحوثي أو دافعت عنه وضعت القُطن في
أذنها عدا واحدة، فيما تجاهل الشباب المعتصم بالساحات مشرّدين نصبوا الخيام مثلهم تحت
الحر والمطر تأثراً بهم وإيماناً بقوة سلاح الاحتجاج السلمي!

انظروا
حولكم: ما الذي تغير؟ الحصانة التي شملت قتلة 33 عاماً عاجزة عن إطلاق سراح عبد
الإله حيدر ومعتقلو الثورة من حبس صمم للقتلة واللصوص! والمهمشون السود همْ هم:
"أخدام" قبل ثورتي سبتمبر والشباب وبعدهما، خارج الساحات وداخلها! والحلاق
والجزار والقشّام وجميع المنتقصين، اجتماعياً وتاريخياً، بتسميتهم "مزانية"
همْ كما هم منذ قرون!

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق