يبدو أن لدى اليمنيين صنماً جديداً يحمل اسم "الفيدرالية".
في قراءته عن "اللامركزية" تنبه كريستوفر بوشتيك، الباحث في معهد كارينجي للسلام، إلى إن مزيدا من اللامركزية الحكومية، ناهيك عن الفيدرالية غير المدروسة، "ستشجع النزعة المناطقية على حساب الحكومة المركزية" وأن هذه السياسية ستؤدي إلى "اختيار الحكومة زعيماً محلياً نافذاً يمنح حكماً ذاتياً محدوداً في مقابل الحصول على بعض مستويا الحكم ومتطلبات الخدمة الاجتماعية" (كم يبدو هذا التوصيف دقيقا في الشمال والجنوب على حد سواء).
وفي كتاب قيم بعنوان "اليمن على شفا الهاوية- دار النهار بيروت 2010" يشير بوشتيك إلى أن واحدة من المفارقات الخطيرة في اليمن تكمن في أن "توسيع وجود وسيطرة الحكومة تعني نزع سيطرتها وإغضاب المزيد من الأهالي المحليين الأمر الذي أحبط تاريخيا جهود الحوكمة في اليمن".
الزميل والصحفي القدير سامي غالب كتب وصفة علاجية في ذات الموضوع: لاهوت الفيدرالية الجديد والشموليون الجدد وهذا نص مقاله ورابطه من صفحته في "فيسبوك" لعمقه ونزاهته ونفاذ بصيرته.
http://www.facebook.com/photo.php?fbid=10151687053420312&set=a.10150335213600312.392475.734520311&type=1&relevant_count=1
الشموليون البيولوجيون!
سامي غالب
الشمولي هو تبشيري بالضرورة.
يبشر بفردوس أرضي, وطني أو قومي أو أممي. في سبيل فردوسه يتعامى على الحقائق والتفاصيل
ولا يطيق أي نقاش حولها ويعتبر أي تفكيك لشعاراته تشكيكا والتفافا على الحق أو تبريرا
للأمر الواقع. والنخبة اليمنية الممسكة برقاب اليمنيين اليوم, سلطة وحركات وحراكا وأحزابا
وجماعات, هي في معظمها مخرج حركات شمولية, يسارية وقومية ودينية. تختزل المجتمع في
جماعة والقضايا في شعارات, والتغيير عندها لا يكون إلا في انتقالات حاسمة وفورية ف"تغيير
فوري شامل أضمن وأوفر من تغيير جزئي متدرج"!
مني شموليو اليمن في نصف القرن
الماضي, إسوة بأمثالهم في العالم العربي, بهزائم متعاقبة ومحن عظمى واختبارات واقع
صادمة, وتخلى أغلبهم عن أحلامهم الكبرى وفراديسهم الوطنية والقومية والاشتراكية, لكنهم
احتفظوا بسيكولوجية الشمولي الذي يقاوم التيه الناجم عن انهيار الجماعة والفكرة بالملهمة
بالتعويض, والتعويض الراهن لدى فئة من شموليي الماضي هو الانتقال من الفكرة الشمولية
الملهمة التي فقدت فعاليتها وكفت عن أداء وظائفها على مستوى الفرد والمجتمع, إلى الجماعة
البيولوجية (العضوية) الحامية!
باختصار, بهتت فكرة الشمولي
أو أفلت, وبقيت سيكولوجيته في صورة شعارات وفراديس جديدة يتم التبشير بها ليل نهار.
ومن ذلك شعار "الفدرالية هي الحل" الذي يرث الآن شعارات "حتمية الوحدة
العربية" و"حتمية الحل الاشتراكي" و"الاسلام هو الحل"! والراهن
أن اليمن منكوب اليوم ب "شموليين من غير فكرة شمولية", وظهرت معالم هذا النكبة
جلية اليوم الثلاثاء في كلمات بعض المتحدثين في الجلسة العامة لمؤتمر الحوار الوطني,
والتي تابعتها عبر التلفزيون.
يلهجون بفضائل الفدرالية
(الفردوس اليمني الجديد لشموليي الستينات والسبعينات والثمانينات), ولا يخوضون في التفاصيل.
علينا, إذا, أن نتهيأ لكارثة
يمنية جديدة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق