ليكن حوار الفرصة الأخيرة؟
من إحدى مدارس غزة |
ماذا لو أن الكاميرات نقلت من دار الرئاسة
اليمنية صورة أخرى توحي لليمنيين أن هنالك تغييراً ولو على المستوى البصري، كأن يكون
جالساً في المقاعد الأمامية لافتتاح مؤتمر الحوار الوطني بعض جرحى الثورة الشبابية،
أو أسر بعض شهدائها، وأعرف شخصياً الكثير ممن كانوا ليوافقوا على الحضور لا بصفتهم
أعضاءً في المؤتمر وإنما كضيوف شرف وأصحاب تضحيات موضع إجلال كل اليمنيين.
ولو أن لدى الرئاسة واللجنة التحضيرية للحوار
فريقاً محترفاً في التنسيق والعلاقات العامة لكانت الصور المتداولة في القنوات الفضائية
صباح اليوم أجمل: كأن يكون جالساً في الصف الأمامي، بدلاً عن سلطان البركاني أو صادق
الأحمر، "سليم الحرازي" الطفل الذي فقد عينيه برصاصة قناص في مثل هذا اليوم
قبل سنتين (18 مارس 2011) من أجل ماذا؟ من أجل لحظة تكريم ثمينة كهذه.
في مثل هذا اليوم قبل سنتين كان سليم الحرازي
وخمسون شهيداً في الصفوف الأولى لما صار يُعرف في أدبيات الثورة بـ"جمعة الكرامة"،
حيث كان الرصاص منهمراً عليهم من البنايات المجاورة.
أين هم اليوم بعد سنتين من ذلك اليوم الفارق
في مسار الثورة اليمنية؟
سليم الحرازي في حضن والدته |
لا سليم ولا أي من رفاقه أو أسرهم لا في
الصفوف الأولى ولا الأخيرة لمؤتمر الحوار الوطني الذي اختير يوم انعقاده، بذكاء، في
18 مارس احتراماً لتضحيات شهداء وجرحى جمعة الكرامة الذين لم ينلهم منه سوى بضع كلمات
قيلت على سبيل المجاملة وإسقاط الواجب على لسان أمين عام مؤتمر الحوار.
في حفل تنصيب الرئيس أوباما في 2008م جلست
خلفه امرأة عجوز اوقفت بمركز الشرطة في مونتغمري بتهمة انتهاك قوانين التمييز العنصري
في ولاية ألاباما متى؟ (تصوروا) في ديسمبر 1955م.. كانت روزا باركس جالسة في حافلة
عمومية فصعد رجل أبيض وأمر أربعة ركاب سود بإخلاء مقاعدهم وففعلوا ورفضت باركس وقالت:
"لن أغادر مقعدي لقد سئمت كل هذا" فاعتقلت ولم يطلق سراحها ويلغى قانون
(متساوون لكن منفصلون) إلا بعد أن قاطع السود شبكة الحافلات العمومية في مدينة مونتغمري
سنة كاملة وصدر حكم المحكمة العليا الأميركية "أن قوانين التمييز العنصري في الحافلات
العامة مخالفة للدستور الفدرالي" وهذه هي عظمة أمريكا: لقد كرمت باركس في حفل
تنصيب أول رئيس أسود عن تضحية وسنة حبس قبل خمسين عاماً.
في مؤتمر الحوار الوطني لم تكن أسرة عبدالرقيب
الحربي ولا علي عبدالمغني ولا القردعي من الحضور وإنما كان الشيخان عبدالعزيز الشايف
ومحمد الغادر الذين كانا ممثلان عن الإمام في المصالحة الوطنية في 1970 أي قبل 43 سنة
وما يزالان صالحان لليوم (لست ضد تمثيل المشايخ فهم قوة اجتماعية حاضرة وإنما اتحدث
عن جزئية الزمن وتوقفه لدى اليمنيين)!
إلى جانب روزا باركس حضر حفل تنصيب أوباما
تسعة سود من ابطال الحركة الاحتجاجية إنهم طلاب مدرسة "ليتل روك" الثانوية
بولاية أركنساس الذين رفضوا مغادرة مقاعدهم، في 4 سبتمبر 1957، رغم حصار المدرسة من
قوات الأمن والعنصريين البيض وعلى رأسهم حاكم الولاية. لقد حضر هؤلاء العشرة حفل تنصيب
أوباما تكريماً لهم وتقديراً تضحياتهم. لكن حضورهم لا يعني بأي حال من الأحوال أنهم
سيشاطرون أوباما صلاحيات الرئيس، أو أنهم سيحصلون على امتيازات من الدولة تميزهم عن
سائر الأمريكيين. وهذا ما كان ينبغي أن يحدث في افتتاح مؤتمر الحوار مع شهداء الثورة
الشبابية والحراك الجنوبي وضحايا الحروب اليمنية وما أكثرها: تكريم رمزي.
أعرف ما سيقال: وهل اليمن مثل أمريكا؟ إليكم
مثالاً عربياً قريب من واقعنا: في حفل استقبال أمير قطر وزوجته في غزة قبل أقل من عام
خصصت حركة حماس المقاعد الأمامية لجرحى وأسر شهداء حرب غزة وليس لقادة الحركة وصعدوا
إلى المنصة وجرى تكريمهم وشعرت من طريقة تقديم وتعريف أسماعيل هنية بهم أنه يتحدث عن
أسرته وعن أناس يعرفهم عز المعرفة ويخدمهم (تخيلوا أن باسندوة وصخر الوجيه وطابور طويل
من قيادات المشترك الساخطين من دعوى أحمد سيف حاشد لا يعرفون أن أول اسم في الدعوى
القضائية هو باسم الأكحلي أول جريح في الثورة الشبابية!).
كان من الممكن أن يكون التمثيل في مؤتمر
الحوار أفضل وأوسع، أن لا يتم اختيار عدة أشخاص من عائلة، أن يقر المؤتمرون آليات الحوار
وضوابطه ويصوتون عليها، أن يلمس الناس، وخاصة في الجنوب، تغييراً حقيقياً على مستوى
الدخل والمشاريع السكانية والإنمائية. أن يوحد الجيش وأمور أخرى كثيرة.. ولكن ما العمل؟
لقد نفد الأمر وليس ليس أمام اليمنيين من حل سوى الحوار. وفي هذه اللحظة لا أدعو أحداً
للاستقالة من الحوار لأي سبب كان، ولا أن يكونوا "سُبلاً" لحميد الأحمر مثل
المشترك، اليمن أكبر من حميد ومن توكل كرمان ومنا جميعاً، والذين يتحدثون عن تمثيل
الشباب هم ذاتهم من سطوا على حصص الشباب واستحوذوا عليها بشبابهم الحزبي، والذين يتحدثون
عن الدماء عليهم أن يعوا أن الشهداء ليسوا قوة تعطيلية للحياة وإنما سبباً وعاملاً
تحفيزياً للنهضة والتقدم. وإذا كان تغيب باسندوة عن المؤتمر بذريعة رفضه الجلوس مع
القتلة فهل أحتاج إلى تذكيره إلى ابتسامته العريضة مع أركان حرب الأمن المركزي قبل
عام؟ كفوا عن المزايدة. لقد سئمنا حمل حقيبة الذكريات السيئة فوق ظهورنا. سئمنا أن
نمارس حياتنا باعتبارها مجلس عزاء. انظروا إلى الإعلام والفيس بوك: إنه مأتم يومي ولطم
وندب. تعبنا. يكفي
شخصياً، وأنا أتحدث عن نفسي ولا أطلب من
أحد أن يتبنى قناعتي، أنا مع نسيان الماضي والأحقاد وبث روح التسامح والإخاء والحوار
بسقف مفتوح وبحرية مطلقة. أنا مع أن ترفع صور شهداء جمعة الكرامة جنباً إلى جنب مع
صورة عبدالعزيز عبدالغني مع ضحايا مجزرة السبعين مع المخفيين قسرياً، مع صورة صاحب
وصاب الذي قتل أثناء تبادل إطلاق النار بين مرافقي حميد الأحمر ونعمان دويد. أنا مع
جلوس علي محسن والحوثي جنباً إلى جنب والزنداني ونبيلة الزبير. أنا مع حضور وتمثيل
الجميع بلا استثناء إن لم يكن بشخوصهم فليكن بطرح وتبني قضاياهم. اليمن للجميع ونريد
أن نخلص. أن نتفرغ للتنمية والبناء. نتحدث عن إيران الشيطان في حين أنك تجوب طهران
(وهي 900 كلم) ولا تشاهد فيها شرطي مسلح أو نقطة تفتيش واحدة وفي إحدى ضواحي أصفهان
مصنع حديد ينتج وحده ضعف ما تنتجه اليمن من الكهرباء مرتين: 1600 ميجاوات. لنتوقف عن
استخدام بلادنا كأداة صراع تارة بيد أمريكا أو السعودية أو إيران ولنعمل من أجلها.
أعرف أن أسماء ممثلي اليمنيين في مؤتمر
الحوار لا تبشر إلا أنني أحثهم أن يكونوا وطنيين ولو مرة واحدة في حياتهم وأن يخدموا
هذا البلد وشعبه بإخلاص وبتجرد وإلا فعليهم لعنة الله إلى أبد الآبدين.
ينشر غدا بالأولى
هناك تعليق واحد:
سامحك الله يا محمد ، دخلت الرابط وقرأت الموضوع ووقفت كثيرا على الصورتين وزغللت في العين دمعتين
إرسال تعليق