بالأمس أيوب واليوم عبد الباسط. وبينهما وقبلهما
عشرات الفنانين والكتاب والأدباء.
لو كان في اليمن تقدير للمنتجات الفنية والأدبية،
ولو كان في اليمن دولة، تهتم بالفنانين والأدباء وترعاهم، بمقدار اهتمامها
ورعايتها للمشايخ، لما تلقيت رسائل من أصدقاء وأقرباء حول الحالة الصحية الحرجة
للفنان عبدالباسط وتجاهل الدولة له، وكأنما قدر الفنانين والمبدعين في هذا البلد:
استغلالهم في ذروة عطائهم، والتخلي عنهم وتجاهلهم عند حاجتهم لمد يد العون
والمساعدة، لا ترفاً ورفاهية وإنما من أجل البقاء على قيد الحياة. لا يوجد في اليمن ثقافة حقوق وملكية.
فالقنوات والإذاعات وشركات الإنتاج الحكومية
والخاصة تبث أغانيهم دون مقابل، أو مردود مادي وكأنها أسدت للفنان اليمني معروفاً
وصنيع جميل تستحق عليه الشكر! هكذا لصوصية على الهواء مباشرة. وشركات الإنتاج تشتري المنتج الفني كما لو أنها تشتري لفة خضروات.
ولا تستئذن القنوات في الغالب الأعم من الفنانين
ولا تتواصل معهم مباشرة. بل إن قناة يمن شباب تبث بعض الأغاني للفنان أيوب طارش
مبتورة ومقصقة مثل رائعة إبراهيم الحضراني "عانقي يا جبال ريمة".
تبث القناة الأغنية من دون آخر مقطع فيها. قلت ذلك
للفنان أيوب في رمضان الفائت أثناء مأدبة إفطار لا تنسى عند العم عبدالقوي
الشيباني. وسبب قص الأغنية على الأرجح بيت "كل ما خلا جبر المحبين فاني"
ربما لتوهم القائمين على القناة أن يتعارض مع البيت التوحيدي الشهير "كل ما
خلا من الله باطل". سألت الفنان الكبير ما إن كانوا أستأذنوا منه أم لا،
فتبسم بانشراح ولم يصدر عنه أي تعليق كأي ممتلئ لا يكترث بالتفاصيل الصغيرة. سكت
برهة. ثم علق: " لا يوجد أي تعارض أبداً. وهذا هو الحب الصوفي وفيه نفحات
إيمانية سامية وعظيمة".
وعندما كانت الفضائية اليمنية وإذاعات الدولة تبث
أغنية وحدوين، للفنان الراحل محمد سعد عبدالله ليل نهار، محولة إياها من عمل
إبداعي إلى دعاية سياسية لنظام متآكل وفاقد للمشروعية كان سعد يعاني أوضاعاً مالية
صعبة بخلاف وضع الفنانين في أيي بلد آخر.
وحتى عندما تقوم الدولة بواجبها المتمثل بعلاج أحد
الفنانين أو المبدعين مثل فنان اليمن وربابتها أيوب طارش، تتحول المسألة إلى دعاية
سياسية ومانشيت عريض في الصحف الرسمية بالمكرمة الرئاسية. وأثناء صراع مراكز القوى
قبل، وأثناء وبعد "الثورة" تحول مساعدة الفنانين الكبار، إلى طريقة
فعالة في تلميع صورهم، من خلال حرصهم على التقاط صور تذكارية غير بريئة، كما فعل
أحمد علي وحميد الأحمر غافلين عن حقيقة عبّر عنها أبو الطيب المتبني قديماً في
قوله:
"يا ذا الذي يهب الجزيل وعنده
إني عليه بأخذه أتصدّق"
بمعنى: أنا من يتصدّق عليك، لا أنت، عندما أقبل
عطاءك المالي.
وهذا ما ينطبق على فناننا الكبير أيوب ومن تصوّروا
معه في محنة مرضه! تريدون عمل معروف إذن افعلوها بشهامة وترفع ودون توظيف شخصي إن كنتم صادقين.
لا نملك إلا الدعاء والتعاطف والحلم بدولة غير هذه
الخردة.
سلامات للفنان الكبير عبدالباسط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق