الخميس، 24 أبريل 2014

الزميل آزال مجاهد يكتب عن جريمة قتل الشاب أدهم الشوخي من قبل قوات الأمن في كريتر

مرة أخرى.. ليست دوله!
في "الجولة" المسماة مجازاً دولة يحدث ما لم يكن بالحسبان دوماً.
ليس من الضرورة بمكان أن تستقل سيارة "شاص" محملة بالملثمين الرافعين لشعار القاعدة حتى تصبح هدفاً مثالياً لرجال الجولة المرتدين زي الدولة التي من المفترض أن تحميك، وتؤمن لك حياة بالكاد تمنحك مسكناً يأويك!
حينما كان الشاب أدهم الشوخي "إبن مدينة كريتر العتيقة" مساء يوم أمس يقوم بجولته الأخيرة في حيه القريب جداً من موقع موته لم يكن يحمل سلاحاً أبيضاً حتى.. لكنه مات على يد من حرمه الحياة ليفرض الأمن في مدينة لا يسكنها الأحياء؛ في مدينة بات يملؤها الموت، ويبكيها الأموات.

في "كريتر" كل شيء ينحدر نحو السيء، إن لم يكن الأسوأ منذ 2011. هي حالة أشبه ما تكون بإنحسار الحلم العدني البسيط الذي لطالما جسدته هذه المدينة الصغيرة التي تستلقي غالباً على مُدن المحافظة التي تعيش أتعس سنواتها منذ أن عرفت نفسها بـ "عدن".. وفي توقيت قريب من التوقيت الذي سقط فيه أدهم مضرجاً بالدماء في أحد أكثر الأحياء الصاخبة حياةً وموت.
خرجت دورية من قسم شرطة كريتر بغية رصد، وإحضار أحد المطلوبين المفترض بيعهم للحشيش -المخدرات- في مجمع للأحياء السكنية يُشتهر بإسم حي "السكنية" يبعد عن مسكن الشاب الضحية بضعة أمتار فقط، كان أدهم قريب جداً من الموت طوال الأيام الثلاثة الماضية التي سبقت ليلة الأربعاء الدامي. كان يتحدث عن الموت إلى وقت قريب سبق موته بذات الرصاصة التي لطالما كان يردد بأنها "دية" أحد أصدقائه على سبيل المزح.. لا أكثر.
وصلت الدورية إلى مجمع الأحياء الذي يسكنه غالباً مجموعة من الأسر متوسطة الدخل، ويشتهر بأنه الحي الراقي نوعاً ما داخل المدينة التي لم تعد تتسع لمزيد من المساكن إلا على قمم جبالها المحيطة بها من كل جانب. كان أدهم أحد المارة على الأرجح ولم يكن من نوعية الشباب الذين من الممكن لهم أن يفوتوا تجمهراً غير إعتيادي من باب حسن النية، والمبادرة لفعل الخير، والوقوف إلى جانب من قد يكون صديقاً.. ملهوفاً.. غريباً أوقعته الظروف في موقف لا يحسد عليه مع مجاميع قد لا تكون دائماً ودوده في وقت متأخر من الليل، وهو الوقت الذي ينتشر فيه الشباب (المحببين) أكثر من إنتشار الكلاب الضالة في أزقة، وحواري مدينة كريتر؛ والحال كذلك في باقي مديريات محافظة عدن عموماً.
بدأ الإشتباك ولم ينتهي إلا بنهاية عمر ذلك الشاب الذي حال دونما إستمرارية نبض قلبه أمران أحلاهما مر كمرارة العلقم. طلقة من بندقية "كلاشنكوف" أصابته بمقتل، وجنود لم يستوعبوا ما حدث فأصابهم الذعر على غرار غيرهم من جنود وزارة "الترب" التي تمتلئ بمن لا يجيدون التصرف مع بندقية يفاخرون بحملها دونما إجادة إستخدامها، جنود أزمة 2011 ويطلق عليهم في عدن تيمناً بالأطفال السُذج "طيور الجنة" بالنظر إلى كمية الأخطاء، والكوارث التي صنعوها منذ تم تجنيدهم إنطلاقاً من أركان الحواري، والشوارع، والمناطق المحيطة إبان إستضافة بلادنا لخليجي 20 لسد العجز الأمني، وللمساهمة في السيطرة على الجماهير الرياضية بذات الطريقة التي حاولوا أن يسيطروا بها على الموقف أثناء تكليفهم بإحضار أحد موردي الحشيش ليلتها.. لم يقبضوا على المطلوب أمنياً، وعوضاً عن ذلك أسقطوا إبن الشوخي -رحمه الله- قتيلاً مضرجاً بالدماء قبل أن يعودوا أدراجهم إلى ثكنتهم!
تم دهس أدهم بعد إصابته برصاصة قاتلة أسقطته أرضاً بذات السيارة المخصصة لنقل الجنود بعد فشل السائق السيطرة على المركبة أثناء "الفرار" من موقع الجريمة!
حالياً يقبع الشاب الذي أطلق العيار الناري في السجن، وهو بالمناسبة يعرف أدهم تمام المعرفة كونه يسكن في حي "الخساف" الذي لا يبعد سوى أمتار معدودة عن موقع الجريمة، وكذا حارة القتيل الشوخي أدهم. الشابين من أبناء ذات المنطقة.. أحدهم قتل الآخر بطريقة أو بأخرى، عمداً، أو دونما قصد.. لا يهم. الأمر الذي يهم كل أبناء عدن اليوم هو إلى متى سيستمر مسلسل الإنفلات الأمني الذي وكما هو معروف تتبناه التنظيمات الإرهابية من جانب، وتلك القريبة من مراكز النفوذ والسلطة من جانب آخر، بإزهاق أرواح من يتشبتون بما تبقى لهم من حياة في المدينة "الميتة إكلينيكياً" منذ أربع سنوات؟! وكيف للدولة أن تفرض هيبتها بعيداً عن أخطاء إن لم تقتلك من السماء عن طريق طائرات الموت المسيرة إلكترونياً، فهي تفعل ذلك على الأرض عن طريق من يقاسمونك حياتك، ويشاركونك موتك كما جرت العادة في عدن "الودودة" وهم يحملون نعشك فوق أكتافهم.. وكأنما اليمن تجسد صورة القطة التي أمست جائعة، فأصبحت تأكل كل من خرج من رحمها!

قاتل أدهم الشوخي يعرف الأخير، وكذا أفراد عائلته، وتربطه علاقة معرفة بأحدهم على أقل تقدير. لكنه لن يشارك العائلة دفن ولدهم القتيل الذي بالكاد يقترب من سنته الخامسة بعد عقده الثاني كما كان سيفعل لو أن الأمر جرى كقضاء وقدر بعيداً عن وضعنا "القذر" الذي نعيشه حالياً في عدن من كل النواحي التي كان القاتل يوم أمس الأول يمثل أحدها بصورة محزنه. 

هناك تعليق واحد:

Disqus for TH3 PROFessional