الخميس، 25 سبتمبر 2014

عن جريمة الضالع: كيف تستمدّ الجماعات المسلحة مبررات وجودها من نقيضاتها؟

كانت القاعدة تقتل وتغتال. الآن هي تعدم. القتل هدفه القتل وحسب. الإعدام هدفه أبعد: إنهاء حياة إنسان وفي الوقت نفسه جعله عبرة ونموذجاً وإرعاب آخرين.
طوال السنوات الماضية كان الفرع اليمني من تنظيم القاعدة يغتال أهدافه، ثم يتوارى في الظلام دون تفسير سلوكه، أو الإفصاح عن اسبابه، أو التباهي بصنيعهم الشنيع. لكن ذلك كان شيئاً من الماضي. أما الآن، وتحديداً منذ العام الفائت، فإن القاعدة باتت تتباهى بجرائمها، وتحرص على تصويرها ونشرها في الإعلام التواصلي كأنها منظمة إغاثية قدمت مساعدات إنسانية لنازحين وجرحى حرب.
لماذا؟ ما الذي تغير؟ 
صحيح إنها "ذهنية العصر" كما يقول أمين معلوف.
لكن هناك متغير محلي. وقتها كانت القاعدة، وما زالت، تفتقد للغطاء الأخلاقي.
حاولت لفترة تسويق فكرة أن أعمالها إنما هي انتقاماً لغارات الطائرات من دون طيار.
لكنها، رغم ذلك، ظلت تفتقر للذريعة المذهبية والخصم الايديولوجي المناسب. فقد كانت تحارب نظاماً سياسياً متهماً بالعمالة لأمريكا في أحسن الأحوال. الآن لديها غريمها المفضل الذي يوفر لها المبرر الذي كانت تفتقده، وتتغذى هي منه، وهو منها وتتذرع به وتحصل على تمويل دول شقيقة بسببه: "الحوثي".
الآن يقول فرع القاعدة "نحن نحارب الروافض"
وهذه اللافتة تجتذب كما تعلمون الكثير من الممولين
والكثير من العقائدين المتحمسين لأن يكونوا أحزمة ناسفة.
والعلاقة بين الجماعات المسلحة أيا كانت الفروق بينها عسكية.
تتغذى من بعض وتبررمشروعها بالدفاع عن النفس ضد الآخر الشيطاني.
الحوثي يقول إنه يحمي الجيش واليمنيين من القاعدة والدواعش. والقاعدة ذبحت بمنتهى الشناعة الجنود في حضرموت بذريعة إنهم حوثيون.   وبين هذا وذاك يسقط ضحايا أبرياء لا هم دواعش ولا حوثيون. بل يمنيون أولا وأخيرا.

تأملوا هذه المقاربة ايضاً: عند اغتيال مدير أمن مأرب قبل سنوات، بعبوة ناسفة، قالت إن العملية انتقام لمقتل أبو علي الحارثي كمبرر وذريعة أخلاقية.
والسؤال العفوي: لماذا كان تنيم القاعدة في ذلك الوقت، حريصا على تقديم الذريعة الأخلاقية (الانتقام للحارثي)، بينما هو اليوم لا يهتم ابداً لهذه "الشكليات" ولا بالذي سيقال عنه.
إنها الآن تقتل، ولا تهتم بما سيقال.
يمكن ملاحظة التحول القاعدي من القتل إلى الإعدام بدء من الجرائم الثلاث التالية:
1- مذبحة مستشفى العرضي (تزامنت مع حرب دماج وتحريض قناة وصال السعودية).
2- مذبحة الجنود بحضرموت وقبلها بصعدة (تزامنت وتلت اسقاط الحوثي عمران)
3- اخيرا مذبحة الشامي ومرافقوه اليوم (تزامنت مع سقوط صنعاء)
لا مثيل ولا معادل لهذه الجرائم حدث قبل 2011م.
فلماذا حدث بعده ولم يحدث قبله؟
بالعودة إلى دراسة لمركز كارنيجي وكتاب "اليمن على شفا هاوية" (2010م دار النهار) نجد أن تنظيم القاعدة نفذ خلال 17 سنة 6 عمليات اغتيال استهدفت ضباطاً وعسكر، في مقابل مئات العمليات بدء من مارس 2012م وحتى الآن بعد حرب ابين الاولى. وظل الجيش وضباط الامن السياسي هدفا للقاعدة حتى بدء حرب دماج. تذكرون ذلك البيان الذي أعلنت وقوفها إلى جانب سلفيي دماج الذين رفضوا بيانها واصدروا بياناً مسئولاً. من تلك اللحظة بدأ العد التنازلي للمواجهة الطائفية.
ولهذا السبب شخصياً، بدأت أنتقاد الحوثيين كجماعة بحدة منذ حرب دماج. كان أعضاء الجماعة واثقون من النصر مقدار ثقتي إن تلك الحرب قد تفتح على اليمن أبواب جهنم وأن غرور القوة أعمى الحوثيون عن مخاطر الحفاظ على السلم الاجتماعي.
(لاحظوا أيضا بل خصوصا، أن جميع حروب صعدة كانت سياسية بالمقام الأول، مذهبية ودينية بالمقام العاشر. اما حرب دماج وعمران وما تلاها فكلها كانت تحت لافتات دينية بالمقام الأول ورفعت شعارات من قبيل: أسد السنة، قاهر الروافض، محاربة الدواعش والتكفيرين.. إلخ هذا الغثاء
وتوالت الأحداث: ذبحت عشرات الجنود في حضرموت ذبحاً وصورت تلك اللقطات القذرة والإجرامية مكتفية بكلمتين:
هؤلاء حوثيون!
(بالمناسبة الجنود ينتمون إلى لواء العوجاء التابع لعلي محسن ومعظمهم تم تجنيدهم في الساحة والفرقة، وعندما بكى الحوثيون عليهم بحرقة، فكرت إن نفس الجنود كانوا ليعدّون داعشيين لو كانوا مثلاً في عمران وليس حضرموت!)
واليوم تم أعدم مدير الامن السياسي في الضالع ومرافقوه بدم بارد، من قبل مجاميع مرتبطة بالقاعدة أو هي نفسها. ولم يكتفوا بذلك. فالقتل ليس الهدف وحده وإنما أيضاً إيصال رسائل لأكثر من طرف. وبغية استفزاز ورعب كل من يرى الصورة: حيث قيد اربع اسرى ودفنوا في حفرة وظهورهم باتجاه البنادق وتم اغتيالهم.
ما الذي يدفع القتلة للتباهي بالجريمة الشنعاء وتصورها؟
وأي رسائل يراد إيصالها من هذه الجريمة؟
إليكم ثلاثة احتمالات:
يكفي أن يكون لقب الضحية "الشامي" لتسويقها كجريم ضد حوثي في جهاز الدولة.
ويكفي أن يكون الضحية شمالياً لتسويق الجريمة، باعتبارها ضرباً من النضال ضد جنود الإحتلال.
ويكفي أن تنفذ عملية الاعدام في 26 سبتمبر في ذكرى الثورة اليمنية كي يتم تحميل الجريمة بمداليل ومضامين سياسية مختلفة.
واذن فكل ذلك ليس مصادفة. إن كل فعل له ردة فعل ليس فيزيائياً فحسب. إنه قانون وجودي بصرف النظر عن مشروعية ذلك وأخلاقيته، وما إن كان هذا مع الحق وذاك مع الشيطان.
هذا تعليقي على حادثة اليوم وربما هو تعليقي الاخير.
لن أقحم نفسي في كل ما له خلفية طائفية ومذهبية. لا أقدر.
اشعر أني أكره نفسي وأجبرها على القيام بما تكره. انا إنسان أؤمن
بحق كل انسان في اعتناق ما يشاء ولدي استعداد على التعايش مع شخص
يعبد بقرة حتى! ناهيكم عن مسلم يعتنق الدين نفسه.
أؤمن أيضاً أن من قتل إنساناً فكأنما قتل الناس جميعاً.

وأن أكون مخطئاً في إحياء نفس خير من أصيب في قتل نفس.

ليست هناك تعليقات:

Disqus for TH3 PROFessional