الأربعاء، 24 سبتمبر 2014

نزهة بعد منتصف الليل في صنعاء الخاضعة لسيطرة المليشيات

لطالما شعرت بالارتياح عندما أمشي في الشارع وحيدا في وقت متأخر من الليل إلا اليوم، وفي بعض المرات القليلة في 2011م. وفي كل تجربة مشي لمسافات طويلة كنت استمتع بإمعان النظر في النجوم دون البحث عن تفسير لسلوكي اللانظامي وميولي للمشي والتأمل.
Screen shot 2013-12-07 at 7.39.02 PM
صنعاء القديمة نت
عرض علي صديقي إيصالي بسيارته إلى المنزل فرفضت. قلت له أرغب في المشي والتعرف على وضع المدينة بعد منتصف الليل في ظل سيطرة اللجان الشعبية للحوثيين. ازداد قلقه، فقلت له الحافظ الله وانه لا يخذل من أمله وصدق معه. في الحقيقة كنت أعتزم أن أستقل تاكسيا فور شعوري بالتعب، دون أن يخطر ببالي أنني لن أجد تاكسيا، وأنني سأضطر إلى المشي من شارع حدة إلى البيت. مشيت والمشي علاج. إنه أفضل وصفة علاجية للاكتئاب.
بل أسرع وسيلة لتصفية الذهن وإراحة العقل.
جاء في الأثر النبوي: (إذا ضاقت عليكم أنفسكم فسيروا في الخلاء).

كنت أمرّ بنقاط وتجمعات مسلحي الحوثي وأسلم عليهم. كثير من هؤلاء أشخاص طيبون ومتحمسون لما يقومون به، ويعتقدون في قرارة أنفسهم أنهم في عمل جهادي يخدمون به الوطن (رغم أنه ليس كذلك). أسلم وأمضي في طريقي.
طوال الطريق إلى البيت، لمسافة تتراوح بين 2 كيلو وكيلو ونصف، لم أشعر بالقلق إلا مرتين:
الأولى عند تقاطع جولة حدة الزبيري أما الأخرى فعند تقاطع شارع القصر مع شارع جمال. وأين على بعد أمتار من القصر الجمهوري. فقد كانت أعدادهم كبيرة وكانوا يتجادلون، بأصوات مرتفعة، مع سائق سيارة لوحة سيارته أجرة وأوراقه "خصوصي".سمعت أحدهم يقول نأخذه القسم فسرني أنه أحدهم ما زال يذكر وجود قسم للشرطة.
خفّضت من سرعة خطواتي حتى لا أثير قلقهم.
بدت لي المسافة بين محلات جميل وركن معرض سوني للاجهزة المنزلية أطول من جسر الصداقة. في الاماكن المظلمة كنت أضيء قبل وصولي إليهم بمسافة نور الولاعة او القداحة كنوع من التطمين لهم والاعلان عن وجودي حتى لا يتفاجئوا بي أو يسيئوا الظن بي فور ظهوري أمامهم فجأة من جنح الظلام. لكني شعرت بالقلق إذ خطر بي وساوس مفاده: ماذا لو اعتقد شخص ما يكمن في هذا الظلام ويريد النيل من اللجان الشعبية للحوثيين انني واحد منهم؟ توترت فوراً وتسارعت نبضات قلبي وشعرت بارتفاع نسبةالادرنالين في جسمي بسبب هذه الفكرة لكنني أقنعت نفسي، بمشقة، أنني مررت بتجارب أسوأ، وأخطر، بكثير من قبل فهدأت قليلاً.
الشوارع خالية ومظلمة

النوافذ مطفأة وقليلة هي المنارة
شاب ينبش أكوام القمامة عند المحافظة.

جنديان عسكريان منهمكان بهاتفهما المحمول. شعرت بالارتياح والطمأنية، لدى مروري بهما أمام مقر هيئة مكافحة الفساد والمتحف الحربي. سلمت عليهم بالكثير من الحميمة والمودة وكأنهم أصدقاء افتقدت إليهم. 
حتى تلك المدرعة العسكرية عند بوابة المعهد الفني للقوات المسلحة التي كنت أتضايق كلما مررت بها في السابق افتقدت إليها الليلة.

14_big
منارة مسجد قبة المتوكل في التحرير بقلب صنعاء (انترنت)
جنود قسم جمال جميل ليسوا في موقعهم المعتاد على شارع علي عبد المغني. إنهم بالداخل من خلف البوابة. 
حتى أولئك المشردين الذين ينامون عادة على رصيف قبة جامع المتوكل ليسوا موجودين.
دراجة نارية على الجهة الأخرى
قرطاس يتماوج بالهواء
 أمام بوابة التوجيه المعنوي للجيش كان جنديان وحوثيان يدكون على الرصيف ويتناقشون بإنهماك وجدية. حييتهم ولم يرد علي التحية إلا واحد منهم فقط.

في تلك اللحظة خطرت بي فكرة او احتمال أن السبب في تطويل مدة تشكيل الحكومة إلى شهر منذ توقيع الاتفاقية هو هذا المشهد الذي مررت به: إتاحة فرصة اختلاط يومية ما بين مسلحي ودعاة الجماعة وبين جنود وحرس المنشأت والمقار الحكومية كطريقة من طرق الاستقطاب والتجنيد من خلال الإقناع وعرض الأفكار.
نباح الكلاب أقلقني.
سرّني وجود شباب يلعبون الدمنة
لكن الظلام الدامس عند في الشارع الفرعي للمحافظة الموصل إلى شارع العدل ضايقني.

ذكرت الله وخبرت مشاعر من يذكر الله خاليا ووحيدا.
خطرت بي أفكار كثيرة، وثمة تعليقات كثيرة تتزاحم في رأسي من مشاهدات الليلة إنما لم أعد قادرا أكثر على التركيز. دخلت للتوا للبيت.

الكهرباء طافية.
احد جيراننا ما زال ماطوره يزعج الحارة.
جسمي كله يرشح. لكن الغريب هذه الليلة أنني لم أسمع طوال الطريق "الشوصر" صراصير الليل التي تصفر بانتظام غير آبهة بالعالم وكل ما يجري فيه.

أين أنت يا صراصير يا منشدة المقبرة ورفيقة تجوالي في الشوارع المظلمة في هذه الليلة؟

1016298_500585429995223_832332794_n
عامل في محل لبيع جنابي (الخنجر اليماني) ناشينونال يوجرافيك



ليست هناك تعليقات:

Disqus for TH3 PROFessional