الأربعاء، 4 فبراير 2015

مقالي بالسفير العربي: جحيم 2014م قد يبدو نعيماً مقارنةً بـ2015م

الحديدة أزمة انعدام الغاز (ت/عبدالرحمن موفق)
الأمر أكبر من كونه "تفجير أنبوب النفط"
عاشت اليمن أزمة اقتصادية هي الأسوأ العام الماضي، غير إن "جحيم" 2014م قد يبدو "نعيماً" مقارنةً بما هو متوقع خلال النصف الأول من 2015م على أقل تقدير.
ذلك أن الحكومة السابقة عجزت عن توفير المشتقات النفطية والبنزين في وقت كانت فيه أسعار النفط عالمياً تتراوح بين 100 و120 دولار عن كل برميل، وبلغت عائداتها من تصدير النفط 4 مليار و800 مليون دولار. الآن أمام الحكومة الجديدة مصاعب مضاعفة داخلياً وخارجياً. 

فقد انهارت أسعار النفط عالمياً وانخفض سعر البرميل إلى 67 دولار (أي أقل مما هو مقدّر في موازنة الدولة 75 دولار)، كما انخفضت عائدات تصدير النفط إلى أكثر من النصف، نتيجة تفجير أنابيب النفط،
بحيث لم تتخط العائدات الكلية خلال 10 أشهر من عام 2014م مليار و300 مليون دولار فقط، حسب آخر تقرير للبنك المركزي.
وفق ذلك، إلى جانب عوامل سياسية أخرى كتعليق بعض المساعدات السعودية مع سيطرة الحوثيين، باتت قدرة الحكومة الجديدة على دفع مرتبات موظفي الدولة، وليس تأمين الاحتياجات الأساسية، موضع شك. خاصة مع استمرار معادلة "ارتفاع النفقات وانخفاض الإيرادات" على نحو كارثي نتيجة تجنيد الآلاف من الحوثيين، القوى الصاعدة، وتضاعف عمليات تفجير أنابيب النفط وعجز، وتقاعس، الدولة عن حماية أهم مورد اقتصادي.

من وراء تفجير أنابيب النفط؟
تفجير أنبوب النفط ليس بجديد في الشأن اليمني، إذ يعدّ حدثاً اعتيادياً يتكرر بشكل شبه أسبوعي. الجديد خلال الشهرين الماضيين، أن الاستهداف طال أنبوباً فرعياً تابعاً لشركة مختلطة (أمريكية ويمنية) وليس الأنبوب الرئيسي التابع لشركة صافر الحكومية الذي يعتبر الهدف الأول لعمليات التخريب خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
يُنقل النفط الخام في اليمن، ويصدّر، عبر أنبوبين رئيسيين: أنبوب صافر في مأرب وسط البلاد، وينقل إنتاج خمسة قطاعات نفطية، تديرها خمس شركات، تم تصنيفها وربطها في أنبوب واحد، نظراً لتقارب موانئ التصدير فيما بينها، ومواصفات النفط الخام الذي تنتجه وتسمّى هذه المجموعة "مأرب خفيف". الآخر هو أنبوب المسيلة في حضرموت جنوبي اليمن، وينقل إنتاج خمس قطاعات نفطية (أو شركات) تم تصنيفها وربطها في أنبوب واحد، نظراً لمواصفات نفطها وتقارب موانئ التصدير، وتدعى "مزيج المسيلة". إنتاج المجموعة الأولى (صافر)، الأعلى جودة "برنت"، يتم تخصيصه بالكامل لتغطية الاستهلاك المحلي، في حين يتم تصدير إنتاج المجموعة الثانية (المسيلة) بالكامل إلى الخارج ويباع في الأسواق العالمية من ميناء الشحر بحضرموت جنوبي اليمن.
دراسة وتفحّص عمليات التفجير التي استهدفت أنابيب النفط، طوال المرحلة الانتقالية، بمعدل 40 هجوماً خلال عام 2012م، و36 هجوماً خلال عام 2013م، و31 هجوماً خلال ثمانية أشهر من 2014م إنما تؤكد حقيقة واحدة: إنه تخريب انتقائي موجّه.
بمعنى ليس تخريباً بغرض التخريب وإلحاق الضرر العشوائي بالحكومة وحسب. وليس سلوكاً إجرامياً عشوائياً من مجاميع متمردة، غير منضبطة، لا يمكن التنبؤ بسلوكها أو توقّع أين ومتى يضرب، بحيث أنها تستهدف أي أنبوب للنفط في أي منطقة يضعُف، أو يغيب، فيها وجود الدولة. إنه تخريب موجّه ومنظم وخاضع للسيطرة.
وإلا كيف يمكن تفسير أن 90% من عمليات التخريب استهدفت الأنبوب الرئيسي التابع لشركة صافر الحكومية ولم تستهدف الأنابيب الفرعية للشركات الأجنبية، أو المختلطة كشركة جنة هنت، إلا فيما ندر، ولا أنبوب المسيلة التابع لشركة حكومية أيضاً؟
هذه الأسئلة البديهية قلّما طرحت عند نقاش الشأن اليمني، وإن طرحت فلا تصل إلى إجابة. إذ كيف نفسّر لماذا يستهدف أنبوب صافر تحديداً وليس جاره أنبوب الغاز المسال -الذي يصدّر عبر تحالف شركات ترأسه شركة توتال الفرنسية (ylng)- رغم أنه يتم إنتاج نفط الأول وغاز الثاني، من نفس الحقول (قطاع 18)، ومن قبل نفس الشركة المشغّلة (صافر)، وكليهما يقطع تقريباً نفس المسافة إلى منصات التصدير: 417 كم من مأرب إلى ميناء رأس عيسى بالحديدة للنفط الخام، و420 كم من مأرب إلى ميناء بلحاف في شبوة الغاز المسال lng؟

تسويق الانفصال عبر تفجير أنابيب نفط "الشمال" فقط
في ظل تسريبات متواترة عن سيناريوهات معدة أو مقترحة لانفصال الجنوب، يبرز سؤال أكثر أهميةً والتباساً قلما طرح للنقاش، هو: كيف يمكن تفسير حقيقة أن عدد مرات تعرّض أنبوب صافر (في الشمال) للتخريب قاربت 100 مرة، مقابل صفر لأنبوب المسيلة في الجنوب؟ أو بصيغة أخرى: من المستفيد؟
هنالك تفسيران في تقديري الشخصي، الأول: أن استهداف أنبوب صافر دون أنبوب المسِيْلة يخدم، ويُسوّق، فكرة أن الجنوب، رغم ما يشهده من احتجاجات شعبية منذ سنوات، لم تتعرض خطوط نقل النفط والطاقة فيه للتخريب ولا لمرة واحدة، بينما الشمال رغم أن العملية السياسية الانتقالية تُدار منه، وفيه العاصمة والرئيس والحكومة والسفراء، إلا أنه عاجز عن تأمين وحماية خطوط نقل الطاقة والنفط، وهو ما يهمّ في الأول والأخير الشركات العابرة للقارات والدول المؤثرة دولياً حدّ تغير وقلب أنظمة الحكم (ربما تفيد العودة هنا لكتاب "الشقيقات السبع" أو اضطراب قرب آبار النفط لمحمد الرميحي).
من حيث المبدأ إن كان الغرض من تفجير أنبوب النفط إفشال الحكومة الانتقالية وإفقارها، عبر تقليل عائداتها، كما تبرّر النخب السياسية عادةً، فإن تفجير أنبوب المسِيْلة، وليس صافر، أكثر تحقيقاً لهذا الهدف لكون نفط الأول يدرّ الأموال النقدية للحكومة في وقت أسرع، وتُدفع عائداته مقدّماً قبل شهر من تصدير كمياته، بينما تتأخر عائدات نفط صافر شهرين إضافيين، بعد تصديره، لكونه يُكرّر، محلياً، في مصافي عدن ثم يوزع على السوق المحلية.
صحيح أن انتشار السلاح لدى المواطنين أقل في حضرموت منه في مأرب، وأن ثقافة الدولة لدى المواطن، وحضور الدولة كمؤسسة، في الأولى أقوى منها في الثانية، إلا أن ما لا ينبغي إغفاله حقيقتان مُربكتان: الأولى أن معظم معسكرات وسلاح الدولة الثقيل تم نقله إلى الجنوب ضمن إستراتيجية القوات المسلحة والأمن، بما يعني تأمين خطوط نقل النفط بفاعلية أكبر في الجنوب منها في الشمال. (في هذه الحالة أصابع الاتهام تتوجّه تلقائياً إلى الرئيس الحالي ووزير الدفاع وليس إلى الرئيس السابق).
الحقيقة الأخرى أن تواجد تنظيم القاعدة و"أنصار الشريعة" في حضرموت لا يقلّ، بل يكاد يفوق في السنتين الأخيرتين، تواجده في مأرب؛ كما أن بيئة السخط الشعبي، التي تتغذى من مشاعر المظلومية ومطالب الانفصال، قادرة على تحفيز هذا السلوك في حضرموت أكثر منها في مأرب، وبالتالي فإن تفجير أنبوب المسيلة لا يقلّ سهولة، من حيث الإمكانية، عن تفجير أنبوب صافر، وهو، من حيث المحفّزات، أكثر احتمالية.

تحقيق أهداف سياسية أكثر منها اقتصادية
التفسير الآخر لا يقل وجاهة عن سابقه، إلا من حيث كونه أكثر تبادراً للذهن السياسي وأكثر طرحاً في النقاش العام، ومفاده اتهام الرئيس السابق ورجاله. إن عدم استهداف أنبوب المسيلة يعود إلى أن إنتاجه النفطي مخصّص للسوق العالمية، أي أنه مرتبط بمصالح شركات كبرى عابرة للقارات لا يريد أي طرف محلي، بمن فيهم الرئيس السابق، التورط في الإضرار بأعمالها. بينما نفط أنبوب صافر مخصّص للسوق (والمواطن) اليمني، وبالتالي فإن ضربه يحقّق هدفاً سياسياً أكثر منه اقتصادي، وأضراره محلية وليست دولية، يمكن احتواءها، حيث يؤدي إلى عجز الحكومة عن توفير المشتقات النفطية والوقود، ويضطر الناس بفعل الأزمة إلى قضاء ساعاتٍ وأيام متواصلة أمام محطات التزود بالوقود، مما يتسبب في ارتفاع منسوب الغضب الشعبي وتزايد السخط من أداء الحكومة والرئيس، الأمر الذي تجلّى بوضوح وعفوية في شوارع صنعاء أثناء الاحتجاجات الشعبية في يونيو الفائت.
كلا الاحتمالان يفسّران الأحداث من خلال "نظريات المؤامرة"، وليس من معلومات ميدانية متعذرة. وفي الحالتين ليس بوسعنا التيقن رغم النمط الانتقائي في سلوك المخربين، الذي يفسّر ميل الحكومة والنخب السياسية إلى اتهام الرئيس السابق ورموز حكمه بتوجيه وإدارة عمليات التخريب المنظم لأنابيب النفط، رغم عدم تمكنها من تقديم أدلة قاطعة.
صحة، أو هشاشة، اتهام الرئيس السابق بالتورط في عمليات التخريب، لا يُعفي السلطة الانتقالية من الفشل ولا يبرر عجزها، بل تقاعسها، عن ضبط الجناة المعروفين أصلاً بالاسم والوصف لدى أجهزة الأمن والمخابرات. هم في الغالب وجهاء وشخصيات بارزة ومعروفة ومشايخ محليون وليسوا، كما قد يظن المراقب الخارجي، رجال كهوف وأناساً مطاردين وفارين من وجه العدالة، إنهم يتنقلون ويتحركون بكل حرية تحت أنظار الحكومة وأجهزتها الأمنية!
لقد أساءت السلطة الانتقالية التعامل مع الملف الاقتصادي، وأدارت البلد بطريقة سيئة وفاسدة، وتساهلت مع عمليات تخريب أنابيب النفط التي خسرت بسببها خزينة الدولة 4.7 مليار دولار خلال ثلاثة أعوام، فماذا كانت النتيجة؟ ارتفعت النفقات وانخفضت الإيرادات وتراكم عجز الموازنة حتى وصل لـ5 مليارات دولار، فاضطرت الحكومة إلى اتخاذ القرار الأصعب: تطبيق "جُرعة" سعرية، أي رفع وتحرير أسعار المشتقات النفطية والبنزين. القرار الذي كان بمثابة "حصان طروادة" لجماعة الحوثي استطاع بذريعة رفضه، استثمار الغضب الشعبي واجتياح العاصمة وإسقاط الدولة.


ليست هناك تعليقات:

Disqus for TH3 PROFessional