الثلاثاء، 3 فبراير 2015

إحراق الخصوم: حديث استثارته جريمة حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة

1
 ليس الرب وحده من يقوم بالحرق. البشر بالنيابة عنه، أو رغبةً في التقرب إليه زلفى، يقومون بحرق بعضهم بعضاً على مر العصور.
2
ما الذي يجمع كل هؤلاء على صعيد واحد: الزعيم النازي "أدولف هتلر"، وفرعون موسى "رمسيس الثاني"، والتبع اليمني "ذو نواس"، والملك البابلي"النمرود"، ومؤسس دولة الموحدين "محمد بن تومرت"، والصدّيق، والبابا "ايروبان الثاني"، والكثير من أباطرة روما؟ الجواب في كلمتين: إحراق الخصوم.
3
الرأي العام العربي مصدوم من جريمة إحراق الطيار الأردني. هذه ردة الفعل البديهية من أي إنسان سويّ وضمير حيّ، إنما هل نحن صادقون كمسلمين الأصل في حياتنا العنف والتحريض ضد الآخر وإلغائه وإرهابه برأي
ومعتقد الغلبة؟ هل نحن صادقون بينما الإنسان في العالم الإسلامي لا قيمة لحياته ولا موته، والضحايا مجرد أرقام في نشرات الأخبار، والمجتمعات منقسمة إلى سنة وشيعة، وروافض ونواصب، وكفرة ومسلمين، حتى أنه لا يكاد يمرّ يوم إلا وهناك عشرات الأرواح تزهق في اليمن أو العراق أو سوريا؟  القتل واحد وإن اختلفت الطرق

وردة الفعل.
فما الفرق بين الطيار الأردني وضحايا مستشفى العرضي؟
ما الفرق بينها وذبح الجنود في حضرموت على يد تنظيم القاعدة؟
ما الفرق بينها وبين محامٍ حوثي قُتل اليوم في إب، أو ثلاثة جنود قتلوا في الجنوب يوم أمس، أو فتيات مدرسة رداع؟      ما الفرق بينها وبين جثث الجنود الذين قتلهم الحوثي بالرصاص وظلت ملقاة في شارع الثلاثين ليومين؟ 

بالنسبة لي الفرق فقط في درجات الشناعة وكله قتل. وسلوك مناف للفطرة الإنسانية السوية وضد قداسة حياة الإنسان. أما بالنسبة للأيديولوجي والعقائدي فإن المدان ليس القتل بحد ذاته، وإنما طريقة القتل وكأن الطريقة تغير في نتيجة أن روحاً بشرية أزهقت. بالنسبة للأيديولوجي والعقائدي فإن المدان ليس القتل بحد ذاته، وإنما يتغير موقفه تبع هوية القاتل والمقتول (معنا أم ضدنا)، سيبرر وربما يتشفى ويبارك، في حال كان القتيل من الآخر (الشيطان) وسيدين وينوح ويستصرخ في حال كان القتيل من الجماعة.

لهذا السبب لا أصدّق وأرتاب من مواقف أتباع الجماعات المسلحة والتنظيمات الإسلامية الجهادية سنية أم شيعية، محلية أم عربية، بلا استثناء إلا فيما ندر.


بالنسبة لي كشخص يؤمن باللاعنف فإن كل القتل قتل والفرق في الدرجة لا النوع أو السلوك. أما بالنسبة للأيديولوجي والعقائدي فإن المدان ليس القتل بحد ذاته، وإنما يتغير موقفه حسب القضية التي تبرر له حمل السلاح. فمنهم من يقتل الجنود بحجة أنهم عملاء لأمريكا أو حوثة كالقاعدة، ومنهم من يقتلهم بحجة أنهم دواعش وإخوان كالحوثة، ومنهم من يقتلهم بحجة أنهم محتلون كبعض متطرفي الحراك الجنوبي،، وهكذا تتعدد الذرائع والفعل واحد.  صحيح أنه لا يستوي من يقتل غدراً أو ذبحاً بمن يقتل أثناء نزاعاً مسلح ووجهاً لوجه. لكنه فرق في الطريقة لا النوع، ولا يغير أبداً في النتيجة وهي: إزهاق نفس بشرية خلقتْ في كَبَد.

القتل واحد وإن اختلفت الطريقة وردة الفعل من مجتمع لآخر. بلد مستقر نسبياً كالأردن توحدت مشاعره واستثير ضميره الجماعي لمجرد قتل إنسان واحد (كنتيجة)، بينما في بلد كاليمن أو سوريا أو العراق يقتل العشرات يومياً دون أن يفزع، أو يكترث، أحد.
لماذا؟
لأننا فقدنا حساسيتنا كبشر.
لأننا تعايشنا مع القتل كشأن اعتيادي.
لأن بيننا "حثالة" من كل الجماعات يبرّرون القتل.
لأن حياة الإنسان وحريته ليست مقدسة في تربيتنا وثقافتنا وحياتنا اليومية، وقد تزهق أرواح المئات من البشر بدم بارد من أجل فرد، أو شيخ، أو زعيم جماعة دينية، أو"سيد"، أو مجرد فكرة وشعار!

4

هل نحن متفاجئون حقاً من سلوك تنظيم داعش الإرهابي وقد سبق له أن ارتكب عشرات الجرائم، من إعدام وجزّ رقاب الكثيرين بالسكين، إلى إلقاء متهمين بالشذوذ الجنسي والمثلية من بنايات شاهقة، إلى التمثيل بالجثث؟ إلخ..

ردة فعل الرأي العام العربي على جريمة حرق الطيار الأردني، وهي إيجابية على أية حال، تذكّر بردة فعل الرأي العام الفرنسي والأوروبي إجمالاً إثر الحادثة الإرهابية بقتل محرري الصحفية الفرنسية، وكيف شنعت وسائل الإعلام العالمية على مدى أيام باليمن كبلد منتج ومصدّر لإرهاب القاعدة وليس العكس: بلد متضرر من الإرهاب وفي نفس اليوم قتل العشرات من الطلبة أمام كلية الشرطة بتفجير سيارة مفخخة وكأنهم ليسوا ضحايا إرهاب أو دون مستوى!

مائة ألف قتيل في سوريا
مئات الآلاف من القتلى في العراق
وآلاف القتلى في اليمن خلال بضع شهور
هل يحتاج العرب والمسلمون إلى بثّ مقاطع فيديو مشابهة لفيديو تنظيم داعش بحرق الطيار الأردني حتى يشعروا بالصدمة، ويدركوا فداحة حروب الطوائف والجماعات الدينية التي ستؤسس لدورات عنف قد تستمر عقوداً وقروناً؟

هل نحن جادون في تجفيف منابع العنف في الإسلام السياسي؟
هل نحن جادون في إعادة النظر في جميع حركات الإسلام الإسلامية؟
لا أظن. هي استجابة عاطفية سرعان ما يزول تأثيرها مع تواتر الجرائم واندلاع حرائق جديدة في أكثر من دولة عربية، أو ربما تزول بفعل أولئك الذين يعللون كل جريمة وظاهرة بنظرية المؤامرة والأيد الخفية للغرب والاستخبارات الغربية حتى لا نقف وقفة جادة مع أنفسنا وتاريخينا وتراثنا.

5

أنقل هذه الفقرات الهامة من كتاب الهويات القاتلة لأمين معلوف:

لا أحد يحتكر التطرف، وبالعكس، لا أحد يحتكر النزعة الإنسانية!
إن كل جماعة بشرية، إذ تشعر ولو قليلاً بالمهانة أو بوجودها مهدداً، تنزع لإنتاج القتلة الذين سوف يقترفون أبشع الجرائم وهم مقتنعون أنهم محقون ويستحقون البركة الإلهية وإعجاب إخوانهم.

وإذا ما شعر "هؤلاء" أن الآخرين يمثلون خطراً على إثنيتهم ودياناتهم وقوماياتهم، فكل ما بمقدورهم القيام به لتبديد هذا الخطر سوف يتراءى لهم مشروعاً، حتى ولو اقترفوا المجازر فهم على يقين أنها تدبير ضروري لحماية أهلهم.

لا يشعر القتلة في أغلب الأحيان بتأنيب الضمير على أفعالهم، ويعجبون لمن ينعتهم بالمجرمين! إن الشعور الذي يتولد لدى المرء بالتحرك من أجل بقاء الجماعة، مشفوعاً بصلواتها، وبأنه في حالة دفاع مشروع عن النفس، يمثل السمة المشتركة، لكل الذين ارتكبوا أبشع الجرائم في مختلف أرجاء الكرة الأرضية.

إن العالم يعج بالجماعات الجريحة التي تتعرض حتى اليوم إلى الاضطهاد أو تحتفظ بذكرى عذاباتها القديمة، وتحلم بالثأر والانتقام، ولا يسعنا إلا أن نتعاطف معها، ونتفهم رغبتها في التحدث بلغتها، وبممارسة شعائرها الدينية دون خوف، غير إننا ننساق من التعاطف إلى التساهل، فنغفر للذين ذاقوا غطرسة الاستعمار والعنصرية، تطرف غطرستهم القومية وعداءهم للأجانب.

لقد علمنا القرن العشرون أن ليس هنالك بالضرورة عقيدة تحررية بذاتها، فجميع العقائد قد تنحرف عن أهدافها ويشوبها الفساد، وتقوم بسفك الدماء، من الشيوعية والليبرالية والقومية وكل ديانة من الديانات الكبرى وحتى العلمانية. فلا أحد يحتكر التطرف، وبالعكس، لا أحد يحتكر النزعة الإنسانية.

لو كان أسلافي مسلمين في أرض قد اجتاحتها الجيوش الصليبية لا اعتقد أنهم كانوا سيستمرون في العيش طوال أربعة عشر قرناً في مدنهم وقراهم محافيظين على دياناتهم.
فماذا كان مصير مسلمي اسبانيا؟
وماذا حل بمسلمي صقلية؟
لقد أبيدوا عن بكرة أبيهم وأرغموا على سلوك طريق المنفى أو جرى تنصيرهم بالقوة.

لكن كون الإسلام ديناً متسامحاً في القرن الثامن لا يشكل عزاء حقيقياً إذا كان الرهبان يذبحون اليوم، والمفكرون يتعرضون للاغتيال، والسياح يموتون ويخطفون.

إن المؤمن في اعتقادي هو فقط من يؤمن ببعض القيم التي أختصرها بقيمة واحدة هي: كرامة الإنسان.


ليست هناك تعليقات:

Disqus for TH3 PROFessional