الاثنين، 18 يونيو 2012

مقارنة دقيقة بين الرئيس السابق وحميد الأحمر

             المعارض متطبّعاً بطباع الحاكم
قائمة الـ16 وجه شبه بين الرئيس وحميد الأحمر
محمد عبده العبسي
 نشر في صحيفة حديث المدينة اواخر 2009 ويناير 2010م  http://h-almadena.net/index.php?action=showDetails&id=1030

يتطبع المعارض بطباع الحاكم بعد الوصول إلى السلطة عادة وقبلها أحياناً. هذه حقيقة تاريخية مؤكدة. وأحسب أن إبراهيم الوزير إن لم أكن مخطئاً قال عبارة ذكية في صلب الموضوع هي: "الخصم يتطبّع بطباع خصمه دون أن يشعر" وهذه، تحديداً، هي الفكرة التي يقوم عليها هذا المقال المقارن.





الرئيس مفاخراً: أنا من سنحان وجدي جرّ السَّحْب وهو حامي!





حميد مفاخراً: أنا من حاشد وخلفي حاشد والشيخ صادق!

الرئيس واصفاً الحراك الجنوبي: "هم عشرة أشخاص يتظاهروا في الشوارع"!
حميد واصفاً استقالة توكل وعبد الباري طاهر: "هم ثلاثة أو أربعة أشخاص"!

وجهان لعملة واحدة: استقطاب الرئيس بن دغر واستقطاب حميد الروحاني والسياني على أن الرئيس أثبت أنه ماهر في ربط العُقد وأمهر في حلّها




أنا مع عبدالكريم الخيواني دون سماع مبررات الرئيس ومع علي الشاطر رغم سماعي مبررات حميد!

الرئيس يعين أقربائه على رأس الجيش والدولة وحميد يعين أخويه على رأس لجنتين من لجان التشاور وابنه في عمران!

كم منحة دراسية مولت من جمعيتي الصالح والأحمر؟ كم لوحة فنية اقتنتا ومجموعة شعرية طبعتا؟ كم معرضاً للترويج بآثار اليمن حول العالم؟ فقط صرف حوالات وأعراس جماعية!



ولو سُألت: لماذا المقارنة بين الرئيس وحميد الأحمر وفي هذا التوقيت بالذات؟ ما كنت لأجيب بغير هذه الإجابة: لأنه يجب المقارنة بينهما. هكذا بالمختصر. لا أشغل نفسي بحسابات السياسيين وأساطيرهم وما أنا بالذي يلتمس التبريرات لما أكتب. بل أقول بصريح العبارة: فلتذهب كل قراءات وتفسيرات السياسيين حول دوافع هذا الموضوع، ومن يخدم، إلى الجحيم.
أريد المقارنة بين الرئيس وحميد لأنني أريد وكفى. ولا أساوي بينهما، فلكلٌّ مقامه. فالرئيس وإن اختلفنا معه وساءتنا سياسته الفاشلة، التي أوصلت البلد إلى ما وصل إليه، يظل الرئيس الدستوري المنتخب الممثل لليمن في الخارج والداخل. أما حميد فهو الشيخ والتاجر والسياسي الذي خرج من حاضنة السلطة إلى المعارضة ليصبح، في زمن قصير، من أبرز وجوه وقادة التغيير في البلد. وخروجه هذا، بالمناسبة، مما يحمد عليه ويحسب له وليس العكس.
وزيادةً في التأكيد أضعها على بلاطة: لا أريد بنقد حميد الأحمر التقرب زلفى من الرئيس وبنيه أو أبناء أخيه. بل إني في قرارة نفسي أقدر شجاعة حميد وصدقه وأحترم نجاحاته السريعة في السياسة والمال. ومن أكثر ما يُحمد عليه حميد، حقيقةً، أن شخصاً مثله بإمكانه الحصول على ما يريده من نفوذ وسلطة ومناقصات في حال التزام الصمت فقط وهز رأسه للسلطة مثل بقية المشائخ! بل إن المطلوب منه لينال رضا القصر الجمهوري أقل بكثير مما يتعين على غيره فعله من مشائخ "...". فالرجل من البيت.
من هنا ينبغي وضع الأشياء في مواضعها وإنزال الرجال في منازلها وإن اختلفنا مع تصرفات صدرت منهما على وجه التعين لا التعميم. في الرئيس من الصفات المحمودة الكثير. وفي حميد أيضاً. لكن وجود الصفات المحمودة في شخص لا يمنع وجود المذمومة بالضرورة. ونقد هذه لا يحط من تلك. والأولى لا تمحق الثانية. فإن أخذ حميد بالنقد وعمل به، كله أو بعضه، فالخير فيه والعاقبة له. وإن لم يأخذ فذلك شأنه. وإني والله لا أرجو فيما أقول خيرهما ولست أخشى شرهما. فإنما هي شقشقة لسان، كما قال الإمام علي، هدرت ثم قرّت.
يوجد سبب آخر للمقارنة غير أنهما من بيئة واحدة ومن نفس الحاضنة. أحد الباحثين الأمريكيين قال إن مشكلة اليمن تكمن في أُسرتين. هذا صحيح لكن الأدق إنها بضعة أسر. في الحقيقة إن خيرات الثورة والوحدة ومعظم مصادر الثروة والسلطة، والداخل والخارج، مركزة اليوم في أربع أو خمس أسر، ولست أرى اليمنيين إلا شُقاةً تؤول جهودهم آخر المطاف لهم. فإما أن نكون شركاء حقيقيين في الوطن على أساس المواطنة المتساوية وإما فما المفقود بأسوأ من الموجود! وتلك الأيام نداولها.
إن القانون يطبق بحزم وشدة في الرقعة الجغرافية المسالمة من اليمن. وفي الرقعة غير المدنية الـ"مشحوطة" لا قانون ولا سيادة دولة. القانون يطبق على مواطني الدرجة الثانية فحسب. سيطبق، مثلاً، على راتب محمد العبسي لكن أحداً ليس في وارد تطبيقه عند الحديث عن 21 مليار دولار في بنوك ألمانيا. أو الحديث عن 100 معاد (أكثر من نصف مساحة البحرين) يملكها الشيخ حسب تقرير اللجنة البرلمانية لأراضي الحديدة.
يقولون "الوطن ملك للجميع" ولست أدري حقيقة عن أي وطن يتحدثون وأية مواطنة. إن وطناً تستأثر به القلة ليس بوطن. وإن إنساناً لا يملك بيتاً وأرضاً وسيارة ليس مواطناً يمنياً وإنما هو مستأجر في وطن يدار بعقلية شركة أشخاص أو.. عائلات! ومشكلة اليمنيين ليست السياسة وإنما دورة المال والنفوذ المحصورة في مناطق معينة.

1-            العقلية العشائرية:
قال الرئيس في خطاب جماهيري "أنا من سنحان" في سياق الافتخار لا الانتساب. وقال حميد الأحمر، هو الآخر، لقناة الجزيرة "أنا من حاشد" في سياق الافتخار لا الانتساب أيضاً. الأول اختزل يمنيّته في العشيرة "سنحان" والآخر في القبيلة "حاشد" وكأنهما يستمدان مشروعية ما هما عليه لا من كفاءاتهما الشخصية ولا من مثابرتهما في العمل السياسي لسنوات وإنما من العشيرة والقبيلة: روابط الدم. وهنا الخطورة.
لا أحد يدرك خطورة هذين القولين على المواطنة المتساوية والعمل السياسي برمته. إنهما قولان رجعيان يصدران عن موروث الحقبة الإمامية التي يفترض أنها بائدة. فإن كان علينا الإقرار بمشروعية الرئيس فالسبب هو كفاءته وبرنامجه وليس لأنه من سنحان. مشروعية حميد أيضاً تستمد من كفاءته وبرنامجه وليس لكونه من حاشد. وإن كانت الشرعية السياسية تستمد من روابط الدم وليس من صناديق الانتخابات والمواطنة المتساوية فمن باب أولى الإقرار لغيرهما بما يريداننا أن نقر لهما به. فلو قال عبدالملك الحوثي "أنا من نسل النبوءة" ومكة خير من حاشد أو سنحان لقلت إنه قد صَدَق وصُدّق. وبهذا نقع في الحفر القديمة ونؤصل للقيم العنصرية. ولنقل بعدها على الديمقراطية والمواطنة المتساوية السلام.
إن الاستناد إلى العشيرة والقبيلة، في العمل السياسي بالذات، يعني ببساطة تحويل الحكم من استحقاق تنافسي عام ومتاح لجميع اليمنيين إلى شركة خاصة تحدد مصيرها روابط الدم.
لا أحب القسوة في النقد ولا أريد أن يُفهم كلامي على أنه مطالبة بانسلاخ الإنسان عن أصله. كلا. للرئيس أن يعتد بكونه سنحاني ولحميد الأحمر أن يعتد أنه حاشدي ولي أنا شخصياً أن أعتد بكوني عبسي. إنما ينبغي التفريق بين الاعتداد والافتخار كسلوكيين أحدهما فطري والآخر مرضي. الاعتداد فطري غايته اتصال النبتة بالمنبت والفرع بالأصل. بينما الافتخار مرضي غايته رفع الذات، سواء تستحق أو لا تسحق، وحط الآخر وإن لم يُقصد ذلك. وهذا هو المأخذ الأول على قوليهما.
المأخذ الآخر: السياق. إن كل كلام يُؤخذ بسياقه. فهذا الرئيس الأمريكي بوش قال، في أحد خطاباته، إنه من تكساس لكن أحداً لم ينتقده، لأنه قالها في معرض الذم والتهكم وليس الفخر. كان بوش يُكسّر بعض الحروف ولا يتقن مخارجها فطلب من الجمهور ألا يعتبوا عليه لأنه "من تكساس". بخلاف صاحبينا الذين قالاه في سياق الفخر.
المأخذ الثالث: المكان. لو أن الرئيس حقيقة قال ما قال أثناء افتتاح مدرسة في سنحان لاتسمتُ له العذر وقلت إنها الضرورة المكانية. ذلك أن من الذكاء والحكمة مخاطبة كل منطقة بمنطق أهلها. مقالة حميد أيضاً كان من الممكن استساغتها لو أنها قيلت أمام حشد في خمر. لكن لا هذه ولا تلك. فالرئيس فاخر بسنحانيته أمام حشد من جميع أبناء اليمن. وفعل حميد أمام مشاهدي قناة الجزيرة في الداخل والخارج.
المأخذ الرابع أنهما شخصيان عامتان. إن الشخص الذي قال "أنا من سنحان" ليس علي عبدالله صالح الفرد وإنما هو رئيس الجمهورية. وبالتالي فهو الممثل الدستوري لكل اليمنيين في الحكم. حميد هو الآخر يمثل قطاعاً واسعة من النخبة السياسية في البلد التي تُعقد آمال التغيير عليها.
المأخذ الخامس: على الرئيس أن يدرك أن السنحاني سنحاني بالصدفة البيولوجية (الولادة والقدر) وعلى حميد أن يدرك أن الحاشدي حاشدي بالصدفة البيولوجية (الولادة والقدر) أيضاً فعلام الفخر إذن بشيء يكونه الإنسان من دون إرادته ولا يصنعه بنفسه؟ وإن كان للرئيس، خاصةً، أن يفخر بشيء فعليه أن يفخر بأنه كوّن نفسه من الصفر ولم يولد وفي فمه ملعقة ذهب. هذا مدعاة فخر بحق وليس العشيرة.

2-            استبدال المشروعية الديمقراطية بالمشروعية القبلية:
في ذات الخطاب قال الرئيس "أنا جدي جرّ السَّحْب -أي الحديد- وهو حامي". ولسائل أن يسأل ما علاقة هذا بأن 60% من اليمنيين تحت خط الفقر؟
في الحقيقة أراد الرئيس الإشارة إلى واقعة تاريخية لها تأثيرها السحري على رجال القبائل. ذلك أن نزاعاً قديماً نشب بين عدد من القبائل حول القبيلة الأجدر بالدخول أولا لمقابلة الإمام. اتفق المتنازعون يومها أن القبيلة التي يجر أحد أبنائها "السحْب" الحديد المحمى على ظهره تكون لها الصدارة وقد فعل ذلك شخص شجاع من سنحان. حينها قال الإمام "المقْدمة لسنحان" ومنذ ذلك الوقت صارت سنحان مقدّمة على غيرها في البلاط الملكي.
والسؤال الآن: ما الذي يترتب على ذلك ولماذا يتم استدعاه في خطاب رئاسي؟ أليس عجيباً أن نلعن الإمام ليلاً ونهاراً، ونحط من دولتهم ونسفّه تاريخ حكمهم لليمن حتى إذا تعلق الأمر بمقالته هذه صار كلام الإمام مأثورات حكيمة يستشهد بها ويبنى عليها.
لأبناء سنحان جميعاً أن يفخروا بجدهم الشجاع -هذا مبرر في سياق المجتمع القبلي وأعرافه- باستثناء شخص واحد هو علي عبدالله صالح لأنه رئيس جمهورية شرعي ومنتخب لا يليق به أن يستبدل مشروعيته الدستورية بمشروعية شخص جرّ قطعة حديد محمى! ومن أجل ماذا؟ لمقابلة الإمام!
لنكن واضحين ولنسمّي الأشياء بأسمائها الحقيقة. إن ما قام به هذا الرجل عمل شجاع لكنه، في نفس الوقت، إلقاء بالنفس في التهلكة. وهذه هي الجاهلية بعينها. نزاع قبائل صنعاء حول مقابلة الإمام لم يحسم إلا بقتل رجل لنفسه في حين أن نزاعاً قديما نشب، في الجاهلية، بين قبائل مكة حول حمل الحجر الأسود حُلّ بطريقة حضارية: حملت كل قبيلة طرفاً من رداء النبي الكريم فشارك الجميع. بمعنى أن الجاهلية سلوك وليست زمناً. وما فعله قبائل صنعاء والإمام أكثر جاهليةً وغياً مما فعلته قبائل مكة في عصر الجاهلية ذاته.
يجب وضع الأمور في نصابها والتمييز بين العمل الأخرق والبطولة. إن كان هذا الشخص قتل نفسه من أجل مقابلة الإمام فإن يمنيين كثيرين قُتلوا، ولم يقتلوا أنفسهم، من أجل أهداف عظيمة. وهنا الفرق. هنا ما يجب الفخر والاعتزاز به. كم من اليمنيين (ومن سنحان نفسها) قتل ليس لمقابلة الإمام وإنما للإطاحة بطغيانه؟ هؤلاء إن أردتم الفخر من يجب الفخر بهم أما والعهد عهد جمهوري. والنظام يقول إنه حامي الثورة والوحدة فأنى يستقيم ذلك!
لا يراد من استعادة "المقْدمة لسنحان" الفخر بأمجاد الأسلاف إذن. كلا. إن الهدف من استعادة هذه القصة، في خطاب رئاسي، هو إعطاء مشروعية اجتماعية قبلية وتاريخية لتركز جزء كبير من مصادر السلطة والثروة اليوم في العشيرة. وبالتالي فإن الرئيس لا يستدعي القصة لتدعيم مشروعيته في الحكم هو وإنما من أجل تدعيم مشروعية قبيلته ورفعها عن أي نقد قد يأتيها من قبائل منافسة أو مُذللة يؤمن بعضها إلى اليوم أن المقدمة لسنحان فعلاً.
المعادل الموضوعي لقول الرئيس هذا نجده عند حميد الأحمر بقوله في ذات الحوار، على قناة الجزيرة، "من كان وراءه الشيخ صادق وحاشد لا يخشى شيئاً". وتلك زلة لسان. إن المعنى المضمر لكلام حميد هو: إن حرية التعبير والنقد متاحة لمن كان في قوة بيت الأحمر ومنعة حاشد وليس لكونه ناشط سياسي أو مواطن يمني. وفي هذه النقطة يتفق، من دون قصد، الرجلان: الرئيس وقبيلته يستمدان المشروعية من رجل جرّ الحديد المحمّى. وحميد يستمد حرية التعبير من القبيلة ومن الشيخ صادق بخاصة. بوسع الحوثي إذن أن يستمد مشروعيته "من المودة في القربى".. وبهذا تتهدم الديمقراطية.
أعرف أن حرية التعبير في اليمن محدودة ولها، في بعض الأحيان، ثمن (وحميد للإنصاف دفع أثماناً ما على بعض مواقفه) لكنها تبقى قيمة حقيقية موجودة، في اليمن، تتقدم وتتراجع وتقوى وتضعف بحسب الأوضاع وإلا لما قال ما قال. كان حديث حميد على قناة الجزيرة تاريخياً لجرأته وما طرح فيه. ينبغي الإقرار بذلك. لكن ما كان أغناه عن خاتمته تلك. ليس من الحكمة في شيء التقليل من حرية التعبير لأي سبب كان. بل ينبغي على اليمنيين الدفاع عن حرية التعبير لذاتها وعليهم ألا ينسبوا فضلها إلى غيرها كما فعل حميد غير قاصد. وإن كان للديمقراطية أن تشد عضدها بأحد فلا يكونن ذلك القبيلة. أنا أحترم القبائل ولا أنتقص من أعرافهم ذات النخوة والشهامة. لكني أدرك أن القبيلة، وليس القبائل، كيان مقوض للقيم المدنية الحديثة.

3-            تعيين وتمكين الأقارب: تضييق دورة المال والسلطة
من أشد ما يعاب على نظام الرئيس علي عبدالله صالح أن إدارة الدولة والجيش تتم فعليا من قبل طبقة من أقربائه وأصهاره. الجيش من نصيب العائلة والعشيرة. والتجارة ومؤسسات الدولة المدنية من حصة الأنساب والحاشية. لكن الكعكعة بدأت تصغر كما قال الرئيس بعظمة لسانه.
المعارض، هو الآخر، يتطبع ببعض طباع الحاكم: عمداً أو دون قصد. فهذا حميد الأحمر يعتمد في تجارته على أقربائه وأنسابه. هو حر في ماله طبعاً ولا يلام على ذلك فالتجارة شأن خاص. على أن الخاص اختلط، في الآونة الأخيرة، بالعام.
كنت أظنها في البادية مزحة. إن إسناد رئاسة لجنة العاطلين عن العمل في عمران لأحد أبناء الشيخ حميد وإن بدا تواضعاً من الابن الثري وتعاطفاً مع العاطلين وهمومهم إلا أنه عمل من نفس الطينة الرئاسية.
أي فرق بين إسناد رئاسة لجنتين من لجان التشاور الوطني لشقيقين من إخوة الشيخ حميد وبين إسناد رئاسة القوات الجوية والأمن المركزي لاثنين من إخوة الرئيس. وإذا كان هذا من حميد وهو في المعارضة فكيف إذا وصل إلى السلطة؟ إن مخاوف كهذه، وأزيد، تطرح اليوم في الساحة السياسية همساً وجهراً. كنت أظنها حملة ضد الرجل من خصومه في السلطة غير إني أدرك الآن أن لها ما يبررها فهلا أدرك حميد ذلك؟

4-            التقليل من شأن الآخر المخالف: الغلبة
من طباع الحاكم الفرد، والرئيس منهم، التحقير من الخصوم والتقليل من شأنهم والنظر إليهم ككائنات ميكروسكوبية قليلة الشأن والحجم. وقد بلغ تقليل الرئيس من الحراك الجنوبي إلى درجة القول إن كل الفعاليات الاحتجاجية والاضطرابات الأمنية في المحافظات الجنوبية عبارة عن "زوبعة فنحان". بل إن العزة أخذته حتى قال بالحرف الواحد واصفاً مظاهرات الحراك: "هم عشرة أنفار يتظاهروا في الشوارع"!
مكابرة الرئيس هذه وإن كان لها، إعلامياً، ما يبررها فإنها لم تعد مجدية. عدا ذلك يدرك الرئيس جيداً خطورة الأوضاع في الجنوب ويعرف هو أكثر من غيره أن مظاهرات الحراك بالألوف المؤلفة لكنه، لأهداف سياسية، لا يريد التصريح بذلك علناً ويخشى من عواقبه.
بالمقابل يستخدم حميد نفس لغة الرئيس ونفس منطقه وكأنهما يصدران عن لسان واحد. ينظر الرجلان إلى المخالفين على أنهم مجرد أقلية ميكروسكوبية قليلة الشأن والتأثير. بل تكاد تتطابق عبارات الرجلين في مصادفة عجيبة. لقد وصف الرئيس متظاهري الحراك بأنهم مجرد: "عشرة أنفار يتظاهروا في الشوارع"!  بينما وصف حميد الأحمر الذين استقالوا من لجنة التشاور وهم (عبدالباري طاهر/ توكل كرمان/ أحمد سيف حاشد/ د. محمد علي جبران) بأنهم: "ثلاثة أو أربعة أشخاص ليس إلا" بهذا المنطق وبهذه اللغة. دون أن يقولا أو يناقشا المسألة من زاوية: هل هم على حق أم خطأ؟ هل مطالبهم مشروعة أم كيدية؟ كلا إنه منطق الغلبة وتقديرها وفق معياري الكثرة والقلة.

5-            الضيق بالرأي الآخر:
من خيرة صفات الرئيس أنه، كشخص، من أكثر الناس في هذا البلد سعة صدر على أن مشكلته أنه لا يؤخذ بالنقد عادة ولا يكترث به ناهيك عن العمل به. وبرغم ذلك في الرئيس حلم وتبصر.
في الدورة الأخيرة للمؤتمر الشعبي قال عبدالسلام العنسي، في حضور الرئيس وأعضاء الحزب، كلاماً جاداً يخيل للمرء أنه صادر عن زعيم معارض. اعتاد الرئيس في مناسبات كهذه أن يسمع ما يحب أي حاكم في العالم الثالث سماعه: الثناء والإشادة بقيادته الحكيمة للبلد! ولكن كلام العنسي كان العكس: البلد في أزمة حقيقية والاضطرابات في كل مكان. لم ينفعل الرئيس ولم يعنّف الرجل أو يقطع عنه الميكرفون كما يفعل رئيس البرلمان الراعي عادة. لقد صمت الرئيس حتى فرغ العنسي من كلامه ثم قال له في دهاء رجل يحكم من 33 سنة: "هيا شُفت ما حدّ صفق لك"! ونزع الفتيل.
كان الرئيس مدركاً أن أية ردة فعل انفعالي على حديث العنسي في القاعة، وأمام أعضاء اللجنة العامة، كانت لتتحول إلى مانشيتات عريضة ونجومية وتحشد الناس حول ما طرحه العنسي. امتص الرئيس الصدمة ثم رد عليها لاحقاً بتصريح صحفي عرّض فيه، تلميحاً، بالعنسي وباسندوة وإن لم يذكرهما بالاسم.
تذكرت ما كان من الرئيس وعبدالسلام العنسي عندما وقفت الزميلة توكل كرمان تنتقد، في موقف مشابه، أداء لجنة التشاور وأمينها العام الشيخ حميد الأحمر أمام قاعة ممتلئة. وبالتحديد في سبع مآخذ تنظيمية مقنعة ووجيهة.
اغتاظ حميد من نقد توكل بنفس درجة اغتياظ الرئيس من كلام العنسي أو أشد. ولكن لاحظوا فرق الخبرة من ردة فعلي الرجلين: ابتسم الرئيس وقال "ما حدّ صفق لك" بينما ضرب حميد الطاولة بقبضته وقال: "هذه مهزلة"! وغادر القاعة مغاضباً. وقتها كان قادة أحزاب المشترك في الصف الأول يتفرجون بصمت ولم يحرك أي منهم ساكناً وكأنهم مجرد ركاب باص لا علاقة لهم بعاملين يتشاجران في محل بالشارع المقابل!
إن معظم ما طرحته توكل كان منطقياً للغاية ويحمل من الوجاهة ما دفع الشيخ إلى الانفعال. اعتذر حميد فيما بعد، وهذا حسن، ولكن تم إهمال ما طرح على القاعة. ومن ذلك أن اختيار رؤساء اللجان تم دون تصويت وبقرارات فردية من الشيخ. وغير ذلك من المطالب التي فسرت على أنها مطالب بعض قادة الإصلاح عبر أحد أعضائه ولهذا احتد حميد.
مضى حميد فيما ما هو مصمم عليه غير مكترث بالانتقادات المطروحة من الأعضاء ولا آبه بالاستقالة الجماعية. وبالمجمل في وسعنا: لقد أسعفت الخبرة الرئيس أمام عبدالسلام العنسي ولم تسعف حميد أمام توكل التي قال في يوم عنها "إنها أشرف امرأة في اليمن".

6-            الضيق بالصحافة:
يوجد وجه آخر للشبه بين الحاكم والمعارض، الرئيس وحميد، في الطباع وطرفاه الزميلان: عبدالكريم الخيواني وعلي حسن الشاطر. لقد رأيت أصابع الخيواني يوم ضغط عليها بالكلبتين وهدد بقطعها أثناء اختطافه خارج صنعاء. كما إني سمعت نص مكالمة الشيخ حميد مع الشاطر وفزعت من التهديد بالرصاص. تصريح المصدر الرسمي حول ذهاب عبدالكريم الخيواني إلى عرس في خولان كان سخيفاً. بينما تبرير حميد، على قناة الجزيرة، للمكالمة أنها مسألة شرف يبدو لي غير مقنع. وإن كان لا بد من عتب أو تهديد فينبغي توجيهه على كاتب القصيدة نفسه لا على الشاطر أم لأن الأول شيخ.
على أية حال لا أرغب في نكأ الجراح ولكنه النقد بموضوعية وتجرد. وإذا كنت مع الخيواني، على الدوام، دون الحاجة إلى سماع الرئيس فإنني مع الشاطر، في هذه تحديداً، رغم سماعي حميد.
كانت كبوة من حميد بالتأكيد ولكن يشفع له أنها واحدة وباللسان. بالمقابل ليس شيء أكثر فداحة من أن يمضي الرئيس في إعلان إلغاء عقوبة حبس الصحفي ثم يعود إليها نظامه، بعد سنوات، بشراهة أكثر. والفرق كبير بين من يملك سلطة (الإعلام والجيش والبنك المركزي ولجنة الانتخابات) وبين آخر في المعارضة وإن كان ذا سلطة اجتماعية واقتصادية وسياسية.
وتركيزاً على الأول: أعرف أن الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس ضالعة في التنكيل بحرية التعبير والرأي إن لم تكن العقل المدبر له والمحرض عليه. وما ذكره ياسر العواضي، القيادي في الحاكم، في حواره لصحيفة الشارع من أن قرار إيقاف صحف الـ 7 مثلاً من صنيع اللجنة الأمنية، وليس الرئيس، صحيح نسبياً وإن كان بغرض التبرير لا أكثر. ثم ان الأمور بخواتيمها والأحداث بنتائجها: ففي يوم ما سوف يقال إن صحفاً صودرت وأغلقت في عهد علي عبدالله صالح، وليس في عهد اللجنة الأمنية، وإن صحفيين كثراً حبسوا ولوحقوا وتعرضوا للإيذاء الجسدي والمعنوي.
ينبغي أن يدرك الجميع، سلطةً ومعارضةً، أن عمل الصحافة الحقيقية النقد. الصحافة "فلتر" وليست كلينيكس. والصحفي الجاد مثل الطبيب يحدد الأعضاء المريضة لا السليمة لعلاجها.

7-            الاستقطاب السياسي (الكروت):
أحيانا يتبع الحاكم والمعارض نفس طرق العمل السياسي تقريباً. ويبدو، في الفترة الأخيرة، أن الشيخ حميد عازم على تقليد طرق الرئيس في الاستقطاب السياسي بحذافيرها.
وجهان لعملة واحدة. إن استقطاب الرئيس لأحمد بن دغر، القيادي الاشتراكي، للانضمام إلى المؤتمر الشعبي العام هو المعادل السلطوي لاستقطاب حميد الأحمر كلاً من عبدالوهاب الروحاني وعبدالملك السياني إلى لجنة التشاور الوطني.
لا أرغب في تسمية هؤلاء بـ"المؤلفة قلوبهم"، ولست الطبري ولا ابن الأثير حتى أفتش في تاريخ كل واحد منهم وماضيه. أنا معني هنا بطريقة الاستقطاب بغض النظر أكان هناك من هو أكفئ من داخل الحزب بمقعد أجلس عليه من قدم من خارجه لتوه. تلك مسألة أخرى. ما ينبغي قوله، بعد انسحاب الروحاني والسياني من عضوية لجنة المائتين عن المعارضة، هو التالي: الرئيس علي عبدالله صالح رجل ماهر في ربط العُقد وأمهر في فكّها.

8-            رفض تداول الوقع الأول:
من المؤكد أن حالة الانسداد السياسي يرجع، بعضها، إلى الخلاف المبدئي حول موقع الرجل الأعلى في البلد من الفصائل السياسية: هل الرئيس راعي لحوار الأحزاب أم أنه طرف فيه باعتباره رئيس المؤتمر الشعبي؟
العراقيل كثيرة أمام لجان الحوار الوطني على كثرتها (لجنة المائتين والثلاثين والـ16 وهلم جرا). قد يمضي المؤتمر منفرداً في الانتخابات، على كابوسية هذا الخيار، وقد تعقد صفقة. قد يتفق الطرفان على إقرار القائمة النسبية فيكون إنجازاً دستورياً مجيدا، وقد يتم تصفير العداد الرئاسي والتمديد لولاية أخرى. من يدري؟
وإذا كان الرئيس ينتقد لتعلقه بالحكم وممانعته أن يكون موقعه للتداول، فإن الزميلة توكل كرمان على حق: كيف يجري تداول موقع رئيس المشترك والناطق الرسمي باسمه، وهما الأصل، كل 6 أشهر بينما موقع رئيس لجنة التشاور وناطقه، وهما الفرع، غير خاضعان للتداول؟ هذه كتلك.

9-            تعطيل المؤسسات
من يحكم البلد؟ إن تسمية المؤتمر الشعبي العام بالحزب الحاكم على صحتها تبدو، على أرض الواقع، تسمية مجازية ليس إلا. فلا المؤتمر يحكم، فعلياً، ولا حتى الحكومة. تلك حقيقة تجمع عليها النخبة السياسية في البلد وتصدر عن رجال السلطة أكثر من المعارضة.
في حوار قديم لجريدة الحياة اللندنية قال نائب الرئيس الأسبق علي سالم البيض، عام 91م، إن أحد أسباب الصدع المتنامي بينه وبين الرئيس علي عبدالله صالح أنه "يدير الدولة بالتلفون"! وكان مانشيتاً.
أبدى الرئيس، بعد فترة، تبرما شديداً من تصريحات نائبه بطريقة خاصة: لم ينف الرئيس تهمة البيض بل على العكس: أكدها. لقد نقل الرئيس كعادته الكرة إلى ملعب آخر فقال في خطاب جماهيري: "نعم أنا قبيلي، أنا أدير الدولة بالتلفون". وبهذا حوّل انتقادات البيض له إلى وسيلة لحشد تعاطف رجال القبائل، وكأن انتقادات البيض موجهة للقبائل وليس لسلوكه القائم على تعطيل دور المؤسسات.
لا ينبغي على حميد الأحمر أن يشترك مع الرئيس في هذه الخصلة حتى وإن بشكل مخفف. لقد تم تعيين معظم رؤساء لجان التشاور الوطني بشكل شخصي فوقي من قبل الشيخ حميد دون تصويت الهيئة التنفيذية. حتى إن الهيئة، مثلا، أجمعت على اختيار علي عبدربه القاضي رئيساً للجنة صعدة غير إن الشيخ حميد فرض اسم الشيخ فيصل مناع بديلاً عنه. أتفهم دوافع حميد وأدرك حُسن نواياه وأعرف أن اختياره له أسباب وجيهة. غير إن النقد يقع على طريقة الترشيح وليس على اسم المرشح.

10-      استخدام المال في صناعة النفوذ السياسي: "سوّوا وضعه"
يستخدم الحاكم في بلدان العالم الثالث المال العام في صناعة النفوذ السياسي وشراء الولاءات. المال والوظيفة وصرف السيارات والأعطيات والإقطاعات وسيلة فعالة للسيطرة. إرضاء هذا والإغداق على ذاك. إرساء هذه المناقصة على فلان وذلك الطريق على فلان. إنها سياسة الاحتواء. الإدناء والإبعاد. وقد قالها الحجاج بن يوسف الثقفي يوما: عجبت لأمرهما (المال والسيف) وصنيعهما بالرجال!
ولو أردت تلخيص طريقة إدارة البلد وأسلوب الرئيس في صناعة النفوذ السياسي، واحتواء القوى التقليدية، لقلت في ثلاث كلمات (سوّوا وضع فلان). على حميد ألا يتطبع بنفس الطبع وإن كان فعالاً. ولا حاجة لذكر أمثلة. والحليم تكفيه الإشارة.

11-      الجمعيات الخيرية: تمجيد الأسرة
جمعية الصالح في مقابل جمعية الأحمر. كلا الجمعيتان وإن قامتا ببعض العمل الخيري إلا أنهما يخدمان، بشكل أو بآخر، مشروع الأسرة. الخيري لخدمة السياسي، والأسري يطغى على الوطني. فإن قال قائل: إن مجموعة هائل سعيد أنعم سمّت جمعيتها الخيرية باسم العائلة وليس باسم وطني فالرد جاهز: وهل يمارس بيت هائل السياسة بمستوى بيتيْ صالح والأحمر؟ 
يخطر في ذهني الآن نموذج الرئيس الراحل رفيق الحريري: كم عدد المنح الدراسية والبعثات الأكاديمية التي مولتهما جمعيتا الصالح والأحمر؟ كم لوحة فنية اقتنتا وكم مجموعة شعرية طبعتا؟ كم معرضاً للترويج بآثار اليمن وطبيعته نظمتا الجمعيتان خارج اليمن؟ كم منحة تفرغ خصصتا لأصحاب المواهب؟ كم الجوائز التشجيعية المقدمة سنوياً من الجمعيتان؟
لا شيء. كل ما في الأمر صرف حوالات!
العمل الخيري، في اليمن، والمسؤولية الاجتماعية بحاجة إلى تغيير جيني. إن العمل الخيري ليس عرساً جماعياً ولا هو وجبة إفطار صائم أو تذاكر وبدل سفر لمريض كان من الأعز والأشرف علاجه في مستشفيات بالداخل. الخير أشمل وأوسع وجلب المنفعة أهم من درء المفسدة. وإذا كانت أهدافكم وطنية ولوجه الله تعالى وابتغاء مرضاته فبرهنوا لنا ذلك وسنكون وقتها معكم.

12-      الادارة الفردية:
يكاد لا يفتح فصل أو مدرسة في اليمن إلا ويقال "برعاية فخامة رئيس الجمهورية". المشاريع الكبيرة برعاية الرئيس والصغيرة. الندوة والدورة والفعالية الخطابية. لا أقول إن الرئيس هو من يأمر مسؤولية القيام بذلك. العكس هو الحاصل. غير إن صمت الحاكم عن شيء إقرار به. وقديما قالت العرب (السلطان سوق لا يدخل إليه إلا ما يروج فيه).
الحرص على الظهور وإضفاء لمسة شخصية على النشاطات العامة يظهر، بشكل أقل تلهفاً وأكثر حياء، لدى حميد الأحمر في موطن عدة. في افتتاح مؤتمر اللجنة التحضيرية ألقيت كلمتان: كلمة باسندوة باسم اللجنة وهذا بديهي وأخرى لحميد باسم تقرير اللجنة التحضيرية. إلقاء كلمتين من ممثلي نفس اللجنة يبدو، تنظيمياً، في غير محله. خاصة وأن مناقشة التقارير لا يجري عادة في جلسات الافتتاح ولكن الأمر لا يتعلق بالتقرير وإنما بقارئه.

13-      تمكين أصحاب النفوذ:
يبذل الرئيس علي عبدالله صالح، طول سنوات حكمه، الممكن والممتنع في سبيل احتواء وإرضاء القوى التقليدية والمشائخ. ولا أرى حميد الأحمر إلا يقتفي نفس الأثر: إن إطلالة سريعة على أسماء أعضاء لجنة الـ200، وبخاصة من جهة المعارضة، تؤكد ما أذهب إليه. إن طالباً في الإعدادية لو سأل عن أكثر القوى تمثيلاً في القائمة لقال إنها القوى التقليدية نفسها. ولعله لاحظ تكرار أسماء أسر ما في كلا القائمتين وكأن اليمن مختزلة فيها!

14-      التوريث:
أؤيد بالجملة كل ما قيل ويقال عن التوريث من جهة حميد أو حسين الأحمر خاصةً ومن غيرهما عامةً. مشروع التوريث يقوم على أنقاض الثورة والجمهورية وفيه خيانة لتضحيات اليمنيين ودمائهم. إنما أما والنقد موجه لفكرة التوريث بحد بذاتها ينبغي السؤال: ألم يرث أبناء الأحمر حضور أبيهم المرحوم الشيخ عبدالله بن حسين وتأثيره القوي على الحياة السياسية في اليمن؟ لا أساوي بين الأمرين وإن تساويا ولا أقول أن هذه كتلك. ولكنه الدوران داخل نفس الدائرة.

15-      القضية الجنوبية:
موقف الرئيس من القضية الجنوبية واضح. ويعيب أهل اللغة على من يقوم بإيضاح واضح. نهج السلطة معروف. ترسل الموفدين إلى طارق الفضلي لموادعته بينما ترسل العسكر لإغلاق صحيفة الأيام. تترك قاتل أبناء القبيطة العبدلي طليقاً وتطارد أصحاب الرأي. ولا جديد تحت الشمس.
موقف حميد من القضية الجنوبية جيد ويحمل هماً وطنياً غير إن من يدخل المنتديات الجنوبية يجد أن الطعن في موقف الرجل يستند إلى شاهد مادي: منزل الرئيس علي سالم. ومع أن الأمر لا يتعلق بحميد وحده بل بإخوته, ومع أن الرجل على تواصل مع البيض نفسه إلا أن أحداً ليس بوسعه إقناع القائمين على المنتديات والمواقع الجنوبية بحسن نوايا الرجل وصدق موقفه.

16-      المنبت الفلاحي والمشيخي
أستعيد ما قاله البردوني: لقد جاء علي عبدالله صالح من الطبقة الفلاحية المرتبطة بتراب الأرض وعناء الشعب. إن البساطة والتلقائية التي في شخصية الرئيس مردها بالتأكيد منبته البسيط والمتواضع. بخلاف حميد الذي جاء من أسرة مشيخية ذات سلطة ونفوذ من قبل الثورة وبعدها. لا أقول أن حميد الأحمر غير متواضع وودود ولكن الرئيس أكثر بساطة بالتأكيد. وسبب الوقوف على الجانب الشخصي، على ترفيته، أن الخاص يؤثر على العام والشخصي يتداخل، بالضرورة، مع الجماعي. على أن الحكم يبنى، إجمالا،  على ما يكون من الرجلين وليس ما جاءا منه.








كيف تم إقصاء سبأفون من السودان بعد فوزها بالمناقصة كعقاب سياسي غير أخلاقي وكيف اخذت الاماراتية من علوان الشيباني وصارت للشيخ:
دفاعاً عن حميد وانتقاداً له


حميد الأحمر، للإنصاف، دفع أثماناً باهظة على مواقفه السياسية من مشروعه الشخصي والتجاري. لا شيء أسوأ من المغالاة في النقد إلى درجة عدم الإنصاف والنظر إلى الناس إما كملاك طاهر وإما كشيطان رجيم. وما من شيء أكثر سذاجة من رؤية العالم والناس، وتقيمهم، وفق لونين: إما أبيض وإما أسود.

حميد فطن وعقلية تجارية نظيفة. ولعل أبرز نجاحاته الاقتصادية في الخارج افتتاح فرع بنك سبأ في جيبوتي وفوز شركته سبأفون بمناقصة المشغل الثاني للهاتف الجوال في السودان. قدمت سبأفون أفضل عطاء 150 مليون دولار وفازت بالمناقصة باستحقاق وجدارة. وسرعان ما تدفقت التهاني لصحيفة الثورة مباركةً للشيخ حميد نجاحه في توسيع مملكته التجارية.

لم يدم الإنجاز طويلاً. خطأ حميد أنه تأخر، لأسباب غير معروفة، في دفع رسوم التشغيل الـ150 مليون دولار (ربما السيولة). ومن هنا نفذ إليه خصومه ووجهوا إليه ضربة موجعة. لقد جرى أكثر من اتصال بقيادة السودان من صنعاء لفسخ عقد سبأفون وإرساء المناقصة على شركة سبيستل التي ستدفع المبلغ "كاش". عمل سوقي رخيص. وبالفعل تم إرساء المناقصة على سبيستل وأصبحت في حوزة شاهر عبدالحق.. العبسي!

يشكك البعض في مصداقية حميد وجدية مطالبه في إصلاح البلد لدرجة الافتراء على الرجل. يعتقدون أن معارضة حميد للسلطة وسيلة ضغط فعالة للحصول على صفقات تجارية ومكاسب اقتصادية إضافية. وهذا شطح ومبالغة في سوء الظن!

في الحقيقة إن ما خسره حميد الأحمر من أرباح مالية بسبب الاحتيال غير المحترم لإقصائه من سوق الاتصالات في السودان أكبر بكثير من أية صفقة محتملة مع نظام صنعاء. لغة الأرقام تؤكد ذلك. إن خسارة حميد لسوق السودان لا تعوض. وإذا كانت الأرباح الشهرية لسبأفون في اليمن تتراوح بين 4 إلى 6 مليار ريال فكيف بها في السودان؟

أنا في هذه مع حميد ولكنني في التالية ضده.

تقول الرواية التي سمعتها من شخصيات تجارية أنزّهها عن الافتراء إن رجل الأعمال علوان الشيباني مالك شركة العالمية كان قاب قوسين أو أدنى من التوقيع كوكيل للإماراتية في اليمن. الرجل يملك أكبر شركة سياحة وطيران تقريبا. وبعد مراسلات وعروض منه ومن منافسيه تقرر أوان زيارة ممثل الإماراتية لليمن غير إن منافس الشيباني، بحكم نفوذه، دخل من صالة التشريفات واصطحب الرجل من سلم الطائرة إلى وكالة الأحمر للسفريات. وقُضي الأمر.

سمعت أن الشيباني رفع قضية لا أدري مدى صحة ذلك من عدمه. فإن صح أن حميد فعل ذلك في مرحلة شبابه، قبل نضجه السياسي والمعرفي، أقول له "كما تدين تُدان". فإن لم تكن وقعت على هذا النحو فيمكن القول بأنها رواية آحاد. ثم إن شاهر عبدالحق قد يقول نفس الكلام ويشكك من جهته فيما رويته عن صفقة السودان.

على أية حال لا ينبغي أن نغفل عن الفروق الشاسعة بين الأمرين: فالأولى بغطاء وتحريض سياسي بينما الأخرى إن صحت عمل شباب. الأولى مثبتة ونشرت تهانيها في الصحف الرسمية بخلاف الثانية. الأهم أن حميد ليس كشاهر، وأن مشروع شركة اتصالات كبرى في بلد كالسودان ليس، بالتأكيد، كصفقة وكالة طيران في بلد لا يحسن الطيران أصلاً.




ليست هناك تعليقات:

Disqus for TH3 PROFessional