الخميس، 18 يوليو 2013

اليمن ليست مصر، وثورة الشباب ليست ثورة يوليو أو يناير (دراسة)

اليمن ليست مصر. هذه هي الحقيقة المتبصّرة، المتحررة من العاطفة والمتحرية للموضوعية إلى حد كبير. كما إن الثورة الشبابية اليمنية التي تم احتوائها، وإخماد روحها الثورية، بالمبادرة الخليجية ليست بأي حال من الأحوال، ثورة 25 يناير ولا كثورة، أو انتفاضة (أو لنقل حتى انقلاب) 30 يونيو. وإن كان من حقيقة ينبغي إبرازها، بالبنط العريض، أكثر من غيرها فهي أن إخوان مصر ليسوا نسخة من إخوان (إصلاح) اليمن ولا العكس، وإن أي مقارنة تبسيطية يتم استدعاؤها بتأثير الحدث المصري، هي ضرب من تزوير الواقع.
لقد واجه الإخوان المسلمون كتنظيم عالمي على الدوام، الجحيم في مصر والنعيم في اليمن. قُمِعوا في مصر وكانوا على العكس أداة القمع في اليمن. تم إقصائهم في مصر بينما كانوا شركاء أساسيين في حكم اليمن حتى أن بوسعي القول، بنبرة أكثر استرخاء، إن تنظيم الإخوان المسلمين ولد في مصر لكنه نبت ومد فروعه من اليمن، وإن مخزونه العقائدي والقيادي كان مركزاً أكثر في فرعه المصري، بينما كان مخزونه السياسي والعسكري مركزاً أكثر في فرعه اليمني.

هذه القراءة تقدم تحليلاً تاريخياً معمّقاً، ووجهة نظر شخصية بالطبع، من خلال صورة مكبرة للمشهدين اليمني والمصري وتعرض، بشيء من التسريع، الخط البياني لحركة الإخوان المسلمين في كلا البلدين صعوداً وهبوطاً منذ ستينات القرن الماضي حتى انتفاضة 30 يونيو وتداعياتها.

الإخوان المسلمون: جحيماً في مصر نعيماً في اليمن
بينما حبل المشنقة يلفّ حول عنق سيّد قطب، الكاتب الفذُّ الذي تؤلمني نهايته وأُجرّم إعدامه، كان الإخوان المسلمون في اليمن طرفاً في الحكم عبر انقلاب أغسطس 1967م الذي أعاد القوى التقليدية، المناهضة للوجود المصري ولأفكار عبد الناصر القومية والتحررية،  إلى السلطة، من شيوخ القبائل وإقطاعيين ورجال دين محدثاً انحرافاً تحولياً في مسار ثورة 26سبتمبر 1962م.

وبينما كان معظم إنتاج السينما المصرية (أفلام عادل إمام مثلاً) يصور الإخوان كجماعة متشددة تعتنق العنف وتعتزل المجتمع الجاهلي في نظرها، كان الشيخ عبد المجيد الزنداني يؤلّف كتاب التوحيد المقرر ضمن المنهج التعليمي لجميع طلاب التعليم الأساسي في اليمن ويسهم في صياغة عقول النشء والأطفال عقائدياً، كمرحلة أولى، ثم يتخرج من جامعة الإيمان، التابعة له، سنوياً آلاف الكوادر الإسلامية كمادة خام لحركة الإخوان أو السلفيين. 
بعبارة أوجز: كان إخوان مصر حبيسو السراديب، أو الزنانين، المظلمة بينما كان إخوان اليمن يمارسون حياتهم ورسالتهم الدعوية بأريحية واطمئنان تحت أشعة الشمس والأنوار الساطعة والمريحة لمؤسسات الدولة.

كان الرئيس جمال عبد الناصر يتهكم في خطاباته من مرشد الإخوان المسلمين، والسادات يحذر منهم ويحرّض عليهم، بلغة متشنجة، في خطابات تنقلها كل إذاعات وصحف وقنوات الدولة إلى كل قرية وبيت في مصر، بينما كان الإخوان في اليمن من أهل الرأي والحل والعقد وممن يقررون ما الذي يقال للشعب وما لا يقال مستغلين انعدام وحداثة البنية المؤسسية في البلد.

عندما كان قادة إخوان مصر مطاردون في البلاد العربية أو قابعون في سجون أمن الدولة كان محمد اليدومي، رئيس كبرى الأحزاب الإسلامية، يزرع خلايا التنظيم بنعومة في جهاز الأمن السياسي بحكم منصبه كنائب لرئيس الجهاز سيء السمعة في العاصمة.

يمكن سرد العشرات من الأمثلة:
بينما كان الرئيس حسني مبارك ووزير الداخلية حبيب العدلي منهمكان في حملة اعتقالات واسعة لكوادر الإخوان عقب آخر انتخابات برلمانية كان الرئيس علي عبد الله صالح يبشّر بتأسيس هيئة الفضيلة ويفتح أبواب القصر الجمهوري، وخزائنه، لاستقبال الشيخ الزنداني والحزمي والذارحي وقيادات التنظيم المحلي.

وفي حين حافظ الجيش المصري على بناءه المؤسسي وولاءه الوطني، رغم محاولات مبارك تدجينه، جرت أخونة الجيش اليمني بالتدريج على يد اللواء علي محسن الأحمر الذي عاش وتقوى على إشاعة أنه أخ الرئيس السابق غير الشقيق لـ32 عاماً، ثم عاش وتقوى من جديد على أنه خصمه اللدود وحامي الثورة عليه منذ 21/4/2011م فما فوق! (نجح في الحالتين!).

وبينما كان الأزهر في مصر مؤسسة جامعة لا تنتمي إلى مذهب أو طائفة، بالمعنى العام، كانت المعاهد العلمية، التي حظيت بمباركة وإغداق المملكة السعودية، تصدّر كوادر الإخوان والسلفيين إلى المجتمع بانتظام وسلاسة طوال عقدي السبعينات والثمانينيات قبل إقدام الرئيس السابق علي عبد الله صالح على إغلاقها في منتصف فترة حكمه الطويل.

كان الأزهر المؤسسة الدينية العريقة القائمة منذ قرون على إنتاج إسلام وسطي، عادة، يحث على السلام وقبول الآخر، وتذوب فيه التمايزات المذهبية، وتدار فيها تنوعات المدارس الفقهية والمذهبية بذكاء وتبصر، ويتعايش مشايخها مع الفن والموسيقى، وتتجانس على الصعيد السياسي مع الحاكم أكان ملكياً أم جمهورياً، حليفاً لروسيا كعبد الناصر، أم حليفاً لأمريكا وإسرائيل كالسادات، ومنه تخرج ذات يوم طه حسين وعلي عبد الرزاق.

ولسائل أن يسأل: ما المعادل اليمني للأزهر؟
جامعة الإيمان المدرجة في لائحة وزارة الخزانة الأمريكية كجامعة يشتبه بعلاقتها بالإرهاب الدولي والمعتنقة للمذهب الوهابية والسلفية على نحو خاص؟ أم نقيضها مركز بدر الزيدي الشيعي الذي يكرس أيضاً التمايزات، والتوترات، المذهبية في الاتجاه المعاكس. حتى أن مالكها المرتضى المحطوري قال في مقابلة تلفزيونية، في يونيو الفائت، متبجحاً بنسبه الهاشمي: "أنا أشكر اليمنيين بالنيابة عن رسول الله لاعتناقهم الإسلام"!

وإذن ليس في اليمن أزهر ولا كنيسة إسكندرية ولا مؤسسات تعبر وتصون حقوق الأقليات المختلفة. حتى خاخام اليهود لا يكاد يذكر أو يظهر في الإعلام اليمني إلا في حال قتل أحد أبناء طائفته أو حضر جلسات محاكمة قاتل لا ينتهي به الأمر عادة إلى حبل المشنقة، كما لم تسجل أبداً أية مشاركة علنية للحاخام في أي حدث يمني عام، ولم يدع ولم يحضر في أي من الاحتفالات الوطنية، وما أكثرها، لا بصفة شخصية ولا بصفة شرفية على ما في الأمر من رمزية مضللة ودعاية جيدة لنظام سيء السمعة.

وبعد، أود لو أقول، تعليقاً على كل ذلك، إن المجتمع اليمني بطبعه وطبيعته ممجّد للقوي وإن أبدى تعاطفه الخجول مع الضعيف والمنتهك. وهذا ليس حكماً بقدر ما هو انطباع لم يأت من فراغ. وهو أيضاً مجتمع مشجّع لثقافة حمل السلاح واستخدامه ومقاومة الدولة حتى أنه لا يفوت فرصة للتقليل من هيبتها. وبخلاف المجتمع المصري، أيضاً، هو مجتمع مكرس للانتماءات القبلية والعشائرية على حساب الانتماء للهوية الوطنية الجامعة لكل اليمنيين. ثم إنه، فوق ذلك، متساهل مع تلك النظرة التميزية العنصرية التي تنتقصّ من آدمية أصحاب مهن معينة كالجزار، والحلاق، والمزمر، (وكذا المهمّشين السود) حتى إنه ينظر إلى العرف الاجتماعي المتخلف والظالم- المتوارث من حقبة حكم الإمامة الزيدية، الذي يحظر زواج أياً من هؤلاء خارج أبناء مهنته أو جلدته- بوصفه قضاء وقدراً ونزولاً عند مشيئة الطبيعة وانتخابها.

هل أضيف إلى ذلك كله أن اليمن لم تعرف تاريخياً دولة مركزية قوية تبسط نفوذها على كامل أراضيها كما في مصر، وتحافظ على التنوع النسيجي داخل المجتمع مما أسهم في تدهور وانحدار أوضاع الأقليات؟

إن وضع الأقليات في اليمن آخذ في التدهور رغم تعاقب أنظمة الحكم وشيوع التكنولوجيا وتطور المدن، ونشوء منظمات المجتمع المدني، وترسخ التعددية السياسية والإعلامية كما لو أن الأقليات محكوم عليها أن تتوارث جيلاً بعد جيل قمعاً تاريخياً مُصمتاً وظلماً اجتماعياً يجعلانها دون المواطنة الكاملة. فالأقلية اليهودية التي لم يتبق منها سوى 300 مواطن هُجّرت قبل سنوات قليلة من صعدة، البلدة التي تسكنها منذ أكثر من ألف عام، مع تعاظم نفوذ جماعة الحوثيين شمالي اليمن واحتدام مواجهاتها العسكرية ضد الدولة. والفئة الإسماعيلية التي استبشرت بالربيع اليمني -والتي ازدهرت اليمن أثناء حكمها كفترة حكم الملكة أروى الصليحية- حُرمت فيما بعد، رغم وعود رئاسية سابقة نُكث بها، من التمثيل في مؤتمر الحوار الوطني المناط به تقرير مستقبل كل اليمنيين وشكل دولتهم. أما المهمّشون السود من ذوي البشرة السوداء، ويطلق عليهم انتقاصاً الأخدام، فإنهم التعبير الأكثر وضوحاً عن انتهاك حقوق الأقليات. فتعدادهم يزيد عن مليون نسمة وينتشرون في عدة محافظات ويعمل معظمهم كعمال نظافة، وكأنها الوظيفة الوحيدة المقدرة لهم، ولا يتزاوجون إلا فيما بينهم، كحظر تناسلي، ويعيشون في بيوت الصفيح والخشب ضمن تجمعات سكانية مقفلة قليلة الاحتكاك بالمجتمع المحلي، حتى إن أحد أكثر الأمور إثارة للاستغراب، أنهم لا يدفنون موتاهم في المقابر العامة كما هو شائع شعبياً.

يمكن القول، إجمالا، إن تنظيم الإخوان المسلمين واجه على مدى نصف قرن الجحيم في مصر، والنعيم في اليمن. ويكفي أن مرشد الإخوان المسلمين الحالي محمد بديع كان السجن في انتظاره في مصر، أو التضييق والمراقبة على الأقل، بينما كانت في انتظاره في اليمن كلية للطب البيطري التي أسسها هو بنفسه مضيفاً إلى سيرته الذاتية إنجازاً شخصياً في بلد يشعرك كما لو أنه لم ينجب طبيباً بيطرياً واحداً جديراً بتأسيس كلية!
اليمن ليست مصر. هذا ما ينبغي أن يدركه الحالمون بنقل تجربة 30 يونيو إلى اليمن والخائفون منها، وإن كانت اليمن تتأثر بمصر بالضرورة وتكرر، على الدوام، تجاربها بنسخ أقلّ كفاءةً وأكثر انحرافاً وتشوهاً كثورة سبتمبر التي كانت امتداداً لثورة يوليو حتى أن أهدافها الستة نقلت حرفياً من أهداف ثورة يوليو واتخذت علماً وطنياً هو نفس العلم المصري ناقصاً النجمة. وذلك وارد هذه المرة أيضاً.


الهروب من إخفاقات الداخل إلى نزاعات الخارج!
أود لو أقول إن اليمنيين من كوكب آخر. ذلك أنهم يناقشون أزمات العالم والكهرباء طافية في بيوتهم، بالساعات والأيام، وليس في مصر ولا أفغانستان ولا سوريا ولا أي من الدول المضطربة سياسياً!

ويدعون العالم إلى احترام إرادة الشعوب وإرادتنا كشعب مصادرة ودولتنا بلا سيادية ولا استقلال ولا قانون. كيف نجرؤ على إدانة تدخّل دول الخليج في تقرير مستقبل مصر واليمن محكومة أصلاً بالمبادرة الخليجية؟ 

وكيف نتباكى على سيادة مصر أو سوريا بينما بوارج العالم كله مقيمة في مياهنا الإقليمية، والطائرات الأمريكية من دون طيار تحلق في سماءنا كما لو أنها من الطيور اليمنية الأصلية!

والشباب اليمني المستاء من تعيين حازم الببلاوي رئيساً لوزراء مصر لكونه كبير السن كأنما نزلت عليه صاعقة حتى غفل، أو تغافل، عن أن رئيس وزراء ثورة الشباب محمد باسندوة كان أحد مفاوضي الاحتلال البريطاني في 1967م، وأن عبدالكريم الإرياني، المعمّر الآخر، رئيس مؤتمر الحوار الوطني كان وزيراً وسياسياً بارزاً قبل وفاة جمال عبدالناصر (وما يزالان صالحان للاستخدام حتى اليوم مع أن أنسب مكان لهما هو المتحف)! يسري ذلك أيضاً على جميع أمناء الأحزاب ومعظم النخب السياسية حسب مقال للصحفي اليمني سامي غالب.

ولا فرق بين مؤيد ومعارض. فاليمنيون الذين يلعنون، أو يثنون على، حكم العسكر في مصر هم ذاتهم الذين نصبوا رئيساً للجمهورية من العسكر! والذين يشتمون الفريق عبدالفتاح السيسي بحماسة هم أكثر من امتدح اللواء المنشق علي محسن مع أن الأول، رغم تحفظي على المقارنات التبسيطية، لم يخض ثلاث حروب أهلية كالأخير الذي لا يحسن نطق أربع جملة بعربية صحيحة! ثم هل من النزاهة الموضوعية بأي حال من الأحوال تجاهل الفروق الجوهرية بين المؤسسة العسكرية المصرية، التي وطدها عبد الناصر وأسسها عرابي، بولائها الوطني بـ"المؤسسة" العسكرية اليمنية ذات الولاءات القبلية والعشائرية والعائلية؟

هيهات
واليمنيون الساخطون من التدخل السعودي في الشأن المصري، أو المباركون له، كأنما لا يشعرون بالإهانة ولا يجرح كبرياؤهم وهم يرون بلادهم حديقة (إن لم تكن حظيرة) خلفية للسعودية! على الأقل قدمت الرياض دعمها المتمثل بخمسة مليار دولار للدولة المصرية ومؤسساتها الرسمية بينما تقدم دعمها في اليمن، وهو أقل بخمسة أضعاف، ليس للدولة ولا لأي من مؤسساتها الرسمية وإنما لمشائخ الدين والقبيلة وكل القوى الخارجة عن الدولة والمقوضة لسلطتها عبر اعتمادات اللجنة الخاصة.

لماذا؟
لأنه لا توجد في اليمن دولة ولا مؤسسات راسخة تخشاها الرياض ولا رأي عام ضاغط، ولا مزاج شعبي متقلب يصعب توقع ردة فعله. وإذن فالأولى باليمنيين الساخطين من السعودية في مصر، أن يتخذوا موقفاً شجاعاً ولو لمرة تجاه السعودية وهي تنكلّ بالمغتربين، وتتعسف بحق العمالة اليمنية مرحلة عشرات الآلاف منهم بإذلال ومهانة!

ولا فرق بين من ينعتون 30 يونيو بـ"الانقلاب" أو يصفونه أنه "ثورة" (وأنا أحدهم). فالمعجبون بالهوية الجامعة للشعب المصري وحبهم الأسطوري لبلدهم هم في اليمن ممزقون كل ممزق: طائفيون وعصبويون، سادة وقبائل، حاشد وبكيل، ومطلع ومنزل، حوثي وحراكات وإقليم تعز وزيود وشوافع، بل وجماعة تصوم خارج دار الإفتاء وقبل سائر الشعب بيوم. نحن، ويؤلمني قول ذلك، لسنا شعباً بل جزراً ممزقة إلى هويات صغيرة!

والمنقسمون، تأييداً أو رفضاً، لحشود 30 يونيو المبهرة هم في اليمن لا يؤمنون بمشاركة المرأة في المظاهرات، وهم ضد الاختلاط، ولا يؤمنون بالحرية، لا الاعتقادية ولا على مستوى السلوك الفردي. حتى النخب السياسية التي أعلنت تأييدها لـ30 يونيو كالحزب الاشتراكي، أو رفضها لـ30 يونيو كحزب الإصلاح "الاخواني"، كلاهما في اليمن على نقيض جبهة الإنقاذ من جهة الاشتراكي، أو العدالة والبناء كمرادف للإصلاح. فالقصر الجمهوري ما يزال في عهدة الفلول وفق لغة الشارع المصري. والقابع فيه أحد رجال الرئيس السابق والحزب الحاكم السابق "المؤتمر الشعبي" المعادل اليمني للحزب الوطني في مصر وكأن ثورة لم تقم في اليمن بعد في الوقت الذي أنجز المصريون ثورة ثانية.

لهذه الأسباب: ثورة سبتمبر أرسخ من ثورة المبادرة الخليجية
إليكم جملة من الحقائق الصادمة التي تقوض أي إسقاط أو مقارنة سطحية تبسيطية بين مصر واليمن:
لنعد إلى الوراء قليلاً.
أثناء الانتخابات الرئاسية المصرية قبل عام كان كثير من اليمنيين ينتقدون أحمد شفيق، المرشح الرئاسي المنافس لمرسي، بوصفه "فلول".

وفق معيار أن كل من عمل مع رئيس جمهورية، أطاحت به ثورات الربيع العربي، فلول بوسعنا القول مطمئنين أن كل النخب السياسية اليمنية فلول بامتياز مع وجود استثناءات طفيفة. فالرئيس الحالي عبدربه منصور هادي كان نائباً للرئيس السابق لـ17 عاماً، فيما كان رئيس الوزراء مستشاراً للرئيس السابق، وما زال رئيس جهاز القمع السياسي في منصبه منذ 34 عاما ولم يتزحزح سنتمتراً واحداً عن منصبه، ورئيس البرلمان ونائبه أيضاً من رجال النظام السابق، حتى حميد الأحمر الملياردير الاخواني والمعارض الشهير لصالح، منذ 2006م على الأقل، كان في منتصف التسعينات حارساً شخصياً للرئيس السابق كما اعترف هو ذاته في مقابلة على قناته سهيل. ورئيس أكبر أحزاب المعارضة الإصلاح (الاخوان) كان حتى مطلع التسعينات نائباً لمدير جهاز الأمن السياسي في العاصمة.. وإن كان من قاسم مشترك بين النظامين السابق والحالي، والثوار والفلول، رغم تحفظي على هذه التعبيرات المضللة، فهو أن كل صناع القرار الفعلين في اليمن هم بالضرورة من رجال السعودية ومخزونها الاستراتيجي حسب تعبير الليموند الفرنسية.

لنلقي نظرة سريعة على الجهة الأخرى:
لقد ثار المصريون على رئيس جديد كان سجيناً عند اندلاع ثورة يناير وصل إلى الحكم بانتخابات تنافسية نزيهة وليس انتخابات أحادية ليس فيها إلا مرشحاً واحداً نافس نفسه كما هي حال الانتخابات الرئاسية اليمنية!

وبينما كان مبارك مرمياً ونجليه في سجن طرة كان علي عبدالله صالح يحاضر أنصاره في ميدان السبعين كأنه مانديلا!

أليس هذا كافيا لنكف عن المقارنة التسطيحية بين البلدين وثورتيهما؟ لا أريد التقليل من بلدي وشعبي ولكني لا أقبل تزوير الوعي الجمعي والقفز على الواقع! على اليمنيين أن يواجهوا واقعهم أولا وأن يدركوا جيدا أن اليمن ليست مصر، وأن ثورة الجامعة ليست كثورة يناير ولا كانتفاضة 30 يناير!
ومن المفيد هنا، والمدعم لوجهة نظري، إيراد مقاربة إضافية أشدّ وضوحاً وأقلّ إثارةً لحفيظة اليمنيين:
لم تعترف المملكة السعودية بالجمهورية المعلنة في 1962م إلا بعد 7 سنوات من الصراع الشديد بين صنعاء والرياض أو بالأحرى بين الرياض والقاهرة فقد كانت ثورة سبتمبر "ثورتنا" كما كان الرئيس جمال عبد الناصر يقول. أما "ثورة الشباب" 2011، فإنها لم تعلن عن جمهورية ثانية أصلاً كما لم تواجه السعودية أي حرج للاعتراف بها، أو تحذير شعبها منها، فقد حزم اليمنيون حقائبهم وذهبوا كبائسين أنهكم الصراع إلى مملكة آل سعود ووقعوا المبادرة الخليجية بين يدي الملك عبد الله بوصفه راعياً لليمنيين ومقررا لأرزاقهم، وحكماً لخلافاتهم.. ما يعني ببساطة أن ثورة 26 سبتمبر، التي كان قادتها يهددون المملكة بالزحف للرياض، مسندوين من عبد الناصر، كانت متقدمة على "ثورة المبادرة الخليجية" التي ذهب طرفاها لنيل رضا الرياض ومباركتها.
بعبارة أخرى كانت ثورة سبتمبر 1962 تعبيراً شعبياً عن الرفض للوصاية السعودية والأذية النفسية الهائلة التي ألحقتها بالشعب اليمني معاهدة الطائف والهزيمة العسكرية ثم، بعد ذلك، اقتطاع ثلثي مساحة اليمن ممثلة بجيزان ونجران وعسير.
ثورة فبراير 2011، بخلاف سبتمبر، هي بامتياز ثورة رجال السعودية المضادة على الربيع اليمني الذي بدأ شبابياً وشعبياً وانتهى إلى أحضان رجال السعودية الممولين بالمال والسلاح والنفوذ التاريخي.
باختصار اليمن ليست مصر. ولا مجال للمقارنة بين بلد الصوت الأعلى فيه للإعلام والفن والفكر، ببلد لا يفتح آذانه إلا لرجال الدين وأمراء الطوائف كاليمن. حتى على مستوى البنية التحتية. كانت مصر قد قطعت مؤسسياً ما لم تقطعه دولة عربية في عهد محمد علي باشا فأين كنا وقتها وفي أي جهل وتخلف إمامي؟
وعندما كان المصريون يشيّدون مثلاً كوبري أبو العباس سنة 1906 كان اليمنيون يتنلقون وقتها بالحمير والدواب!
ينبغي أن نواجه أنفسنا ونقف على حقيقة الواقع اليمني:
كم عدد الكتب المترجمة في اليمن؟
كم مبيعات تذاكر السينما؟
كم نسبة الأمية؟
كم مشترك في اليوتيوب؟
لقد سجل تصريح البلتاجي حول الأعمال المسلحة في سيناء أكثر من نصف مليون مشاهدة في موقع يوتيوب خلال أسبوع واحد بينما المكالمة الهاتفية الأخطر بين اللواء علي محسن والشيخ حسن أبكر المتعلقة بالإفراج عن أحد المتهمين بقتل متظاهري جمعة الكرامة، التي قتل فيها 52 متظاهراً، لم تسجل سوى بضع آلاف من المشاهدات خلال 7 أشهر!
كم عدد المشتركين في أكبر مجموعة يمنية بـ"فيسبوك"؟ عشرة ألف، عشرين. هل يقارن هذا العدد بـ5 مليون مشترك في مجموعة خالد سعيد المصرية؟
باختصار اليمن ليست مصر وإذا ما كنتم تطمحون إلى إنجاز فعل تغيير كالذي يتخلق في مصر، أو تخشون منه، فواجهوا أولاً مشاكلهم الداخلية قبل التورط في أي حلم ينتهي إلى كابوس، أو كابوس لا يؤدي إلى حلم!


أمّ اليمنيين تتصرف كزوجة أبيهم!
أقول كل هذا وأنا أستحضر منشورات الزميلة توكل كرمان التي تحولت 360 درجة خلال أسبوع واحد وكنت لأقول إنه حقها في التناقض مع نفسها، لو لم تثر منشوراتها المتشنجة موجة استياء وغضب عارمين لدى الشعب المصري أخذت طابع المواجهة بين الشعبين المصري واليمني اللذين تربطهما أمتن صلات تاريخية ومشاعر حب وود عميقين وقاتلا جنباً إلى جنب، ذات يوم، وروى بدمائهم النقية تراب اليمن، وكان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر يقول بكل صدق واعتزاز وكما لم يقل أحد: "الثورة اليمنية ثورتنا".
إنني أخشى أن تتسبب آراء توكل، بصرف النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا معها، في موجة كراهية وعداء لكل ما هو يمني شعباً وبلداً.
إن قراءة سريعة لردود الفعل في مواقع التواصل الاجتماعي تؤكد أسوأ المخاوف ويبدو أن توكل غير مكترثة كعادتها ما دامت تسجل بطولات شخصية، والخوف كل الخوف أن ينعكس الجنون، الذي لا يكبحه عقل ولا يردعه حِلم، على آلاف اليمنيين المقيمين في مصر أو قاصديها من اليمنيين المرضى وهم بمعدل طائرة ممتلئة أسبوعياً.
أرجوك يا توكل توقفي.
أنت تحملين جائزة تجعلك تنتمين إلى الإنسانية كلها فلا تحبسي نفسك في جماعة مترينXمتر!
لا تفعلي ذلك من أجلنا نحن، ولا توسوس لك النفس الأمارة بالسوء أن أي تراجع منك، أو استراحة، أو تخفيض سقف، هي استسلام منك للانقلابيين، كما صرتي تسمينهم، مع إعلان موقف مجلس حقوق الإنسان وبعض الجهات الدولية! أرجوك. فكري باليمنيين الذين يمرون يومياً من مطار القاهرة.
كان المصريون في السابق يستقبلون طائرة اليمنية بالتهكم الودود فيتحدثون عن "طيارة العيانين" وشعب عبدالله صالح، كما يقولون، وشعب القات. أظنك سمعت عن العدائية التي بدأت تتفاشى حتى انعكست على طريقة استقبال اليمنيين "المتخلفيين" (هكذا قيل لعدة مسافرين بلا سبب) في مطار القاهرة. وكل هذا تزايد بعد منشوراتك المقدسة (لدي أقارب سافروا منذ أيام وبوسعك استقصاء مشاعر المصريين لا من مواقع التواصل الاجتماعي فحسب وإنما من الطلاب اليمنيين المقيمين بمصر).
ثم هل عليّ أن أذكرك بما قالته العرب قديماً:
كتاركة بيضها في العراء وملبسة بيض أخرى جناحاً.
يا أختي توكل أقسم بالله إنك تستطعين بالجائزة التي حزتها، وشرفنا جميعاً بها، أن تصنعين معجزات حقيقية في اليمن، معجزات صناعية واقتصادية  تصل إلى كل ريف وكل قرية لا أن تُقفِّصي طموحك وتختزليه في مقرٍّ من دورين لمجلس شباب ثورة، هو واحد من عدة كيانات سبق لك أن أنشأتها، وكنت ألاحظ الإعلان المدفوع للمجلس حاضراً على يسار شاشة فيسبوك (بصورتك) أثناء ما كنت معترضة على الحوار الوطني، ثم إن الإعلان اختفى، أو لنقل إن تناقصت نشراته ولم تعد فيه صورتك وإنما شعار المجلس، مع "قبولك" تكليف رئيس الجمهورية وعودتك للحوار!
لتوكل أقول أرجوك فكري في معاناة اليمنيين وتصرفي بسلوك من تدعي أنها أمّ اليمنيين لا زوجة أبيهم!
وللمصريين أقول: نحن نحب مصر بذات القدر الذي نحب اليمن، ونحترم خياراتكم أيا كانت. بل إن من الجحود وذهاب البصر والبصيرة ألا ننظر كيمنيين بإعجاب وانبهار بتلك الحشود المليونية التي لم يسبق أن خرجت من قبل 30 يونيو. بوركتم. تحيا مصر أم الدنيا.
(هل أقول تحيا اليمن) للأسف لم نتعود عليها كالمصريين!

ليست هناك تعليقات:

Disqus for TH3 PROFessional