لا أستطيع تصور كيف ليكون ميدان التحرير مغربية،
دون صوت الشيخ الحليلي الشجي؛ قادما من مآذن قبة المتوكل. صار صوته جزءا من شخصية المكان.
قبل سنوات سألته أين يسكن فأشار الشيخ الضرير إلى
غرفتين صغيرتين ملحقة بمبنى الجامع من جهة السور. قالها برضا وامتنان وقسمات وجهه منشرحة.
أجمل ما في هذا المسجد أنه، بحكم موقعه المميز وسط
البلد، نقطة اختلاط وتجمع لكل اليمنيين من مختلف المحافظات والمدن. يبدو ذلك واضحا
من تأمل صف واحد من المصلين: فأزياؤهم وحدها تكثيف أنيق لعادات وتقاليد قبل وأفخاذ
ومناطق ومدن عديدة. ألوان البشرات والوجوه أيضا. وتعدد المذاهب من خلال تجاور مصلى ضام وآخر مسربل.
الليلة اشتقت إلى الصلاة ثم الاستلقاء، على الصرح
المبلل بقطرات المطر. كم هو ممتع الوضوء وكم استمتع بوضع رأسي تحت ماء الحنفية.
تفقدت المكان. لدي ذكريات حميمة هنا، وأحس أن بقية من بصمات يدي ورجلي لما تزل
محفوظة على جميع بلاطات الصرح. دخلت لكن ذلك الشعور المريح لما أشعر به كما السابق.
بدا التنوع الجغرافي والثقافي في صفوف المصلين مضمحلاً.
الوجوه أكثر تجهما. وشاهدت أمام ضريح المتوكل فتية صغار، رغم براءة
وجمال وجوههم، بدا الانفعال والإجهاد باديا على وجوههم. إنه الاستنفار الطائفي
والمذهبي الذي أيقظته مواجهات الحوثي والإصلاح والسلفيين. كانت ملامح الفتية أقرب إلى انقباض وقسوة ملامح
محاربين على وشك الدخول في أرض المعركة. ولكن أي معركة؟
ألم نشبع معارك بعد؟
فكرت؛ كيف لتكون اليمن لو كان هؤلاء وقف مختبر أو
معامل كيمياء أو مصنع سيارات؟
يا إلهي ما أسرع ما تتبدل وتتغير الأماكن والنفوس!
حتى ذلك القيم العجوز الذي جرت العادة أن يرتفع
صوته،في دبر كل صلاة، بالصلاة على النبي الكريم وطلب قراءة الفاتحة لم أسمعه. هل
مات؟
أو ربما يكون مريضا؟
أو ربما لم يعد ير بدا من ذلك!
لا أدري لم وأنا أغادر، أحسست أن شيئا ما قد تغير.
وأني قد فقدت شيئا حميما.
يبدو أن جامع قبة المتوكل هو الآخر، أصيب بداء
الأقلمة وأمراض الفرز والهويات؛ التي أنعشتها أكثر سلطة ونظام التقسيم والفشل
الانتقالي!
خسارة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق