من بين كل مناطق العالم، تبرز منطقة الشرق الأوسط
وشمال إفريقيا باعتبارها المنطقة الأكثر اعتماداً على دعم الطاقة. ففي البلدان
الغنية بالطاقة، تقدم الحكومات هذا الدعم لمواطنيها كوسيلة لتوزيع ثروة الموارد
الطبيعية في البلاد. وفي بلدان المنطقة المستوردة للطاقة، تلجأ الحكومات إلى الدعم
لتخفيف أثر الارتفاعات في أسعار السلع الأولية، خاصة مع الضعف الذي تتسم به شبكات
الأمان الاجتماعي بمعظم الحالات.
والسؤال هنا كالآتي: مع التسليم
بالأهداف النبيلة التي تنطلق منها هذه السياسة التي تستهدف الحماية الاجتماعية، فهل
هي أكفأ وسيلة لتوجيه المساعدات إلى شرائح السكان الأكثر احتياجاً؟ الإجابة هي “لا”!
نظام مكلف وضار
دعم الطاقة نظام باهظ التكلفة،
سواء كان صريحاً أو ضمنياً. فقد بلغت تكلفته في عام 2011 حوالي 240 مليار دولار، أي
ما يزيد على 8.5% من إجمالي الناتج المحلي للمنطقة. ويستحوذ الدعم على جانب كبير من
الموازنات الحكومية، خاصة في بلدان المنطقة المستوردة للنفط، مما يؤدي في الغالب إلى
ارتفاع مستويات العجز والمديونية.
وبالإضافة إلى ذلك، ينطوي دعم
الطاقة على تكلفة واضحة من حيث ضياع الفرص البديلة ـ إذ أن إنفاق الأموال على الدعم
يعني الحد من الاستثمارات عالية القيمة في مجالات أخرى. وقد يصل الأمر ببساطة إلى إهمال
مجالات كالرعاية الصحية والتعليم ومشروعات البنية التحتية، وكلها ضرورية لرفع معدلات
النمو على المدى الطويل.
وعلاوة على ذلك، يتسم دعم الطاقة
بدرجة كبيرة من عدم المساواة، سواء في البلدان المصدرة للنفط أو المستوردة له. فالمستفيد
الفعلي من هذا الدعم هم الفئات القادرة والأكثر استهلاكاً للطاقة ـ بما فيها أصحاب
السيارات، والمنازل مكيفة الهواء، والأجهزة الكهربائية المختلفة.
وتقع على الاقتصاد آثار ضارة
أخرى بسبب دعم الطاقة. فالناس يميلون إلى شراء السلعة الرخيصة بكميات أكبر من احتياجهم،
مما يترتب عليه فرط الاستهلاك وزيادة التلوث.
وقد يؤدي الدعم أيضاً إلى تخفيض
أرباح شركات الطاقة ـ أو تكبيدها خسائر ـ الأمر الذي يقلل احتمالات استثمارها في قطاع
الطاقة وربما يؤدي إلى نقص المعروض منها. كذلك نجد أن دعم الطاقة يشجع الاستثمارات
كثيفة الاستخدام لرأس المال وليس الاستثمارات التى توفر فرص العمل.
ورغم كثرة الحجج المقنعة بإصلاح
نظام دعم الطاقة، فهو ليس أمر سهل في الواقع العملي. ذلك أن محاولات الإصلاح تواجه
مقاومة من أصحاب المصالح الخاصة والأسر المعيشية غير المتأكدة من كيفية استخدام الحكومات
للموارد التي يوفرها الإصلاح.
والسؤال الآن، كيف يمكن للحكومات
أن تصلح نظم دعم الطاقة بعد أن اعتادها المستهلكون؟
سحب الدعم تدريجياً
حتى تنجح الحكومات في إصلاح
الدعم، ينبغي أن تخطط له بعناية وأن تتأكد من عدم تأثيره بشكل مفرط على شرائح السكان
الأضعف. وقد استكمل الصندوق لتوه مراجعة 22 دراسة حالة قُطرية حول إصلاح دعم الطاقة.
وبينما جاءت نتائجها متباينة فإنها تشير إلى أهمية المقومات الستة التالية للإصلاح
الناجح:
وضع خطة شاملة لإصلاح قطاع
الطاقة: ينبغي أن تتضمن خطة الإصلاح أهدافاً واضحة طويلة الأجل وتحليلاً لتأثير الإصلاحات
وتشاوراً مع الأطراف المعنية.
اعتماد استراتيجية سليمة للتواصل:
من شأن إطلاق حملة قوية للتواصل الجماهيري أن يساهم في إرساء فهم مشترك وتأييد واسع
النطاق للتغيير المطلوب، على أن يتم تنفيذها طوال عملية الإصلاح، مع التركيز على مزايا
الإصلاح وليس فقط على تكلفة الدعم.
اتخاذ تدابير لتعويض الفقراء:
يتعين من البداية تعويض الفئة الأشد تضرراً من إلغاء الدعم. وهناك طرق كثيرة لتقديم
الدعم للفقراء، إما بدعم السلع التي يستهلكونها، أو استهداف المناطق التي يعيشون فيها،
أو تحديد تعريفات تتيح لهم الحد الأدنى الضروري من خدمات المرافق العامة وإمدادهم بتحويلات
نقدية.
إجراء زيادات تدريجية في الأسعار:
من المفيد إجراء زيادات سعرية تدريجية بالتسلسل الملائم لكل منتج من منتجات الطاقة.
فالزيادة الحادة جداً يمكن أن تقابل بمعارضة شديدة. أما الاستراتيجيات المتدرجة فهي
تتيح للأفراد ومنشآت الأعمال فرصة التكيف وتسمح للحكومات بتقوية شبكات الأمان الاجتماعي.
رفع كفاءة المؤسسات المملوكة
للدولة بغية تخفيض الدعم الذي يحصل عليه المنتجون: تحصل الشركات المملوكة للدولة ـ
وخاصة شركات توليد الكهرباء ـ على قدر كبير من موارد الموازنة لتعويضها عن عدم الكفاءة
في مختلف جوانب الإنتاج والتوزيع وتحصيل الإيرادات. ومن شأن تحسين الكفاءة التشغيلية
لهذه المؤسسات أن يقوي مركزها المالي ويقلل احتياجها للدعم.
إبعاد آليات التسعير عن الاعتبارات
السياسية: دوام الإصلاحات يتطلب آلية تحدد أسعار الطاقة على نحو مجرد من الاعتبارات
السياسية وتسمح بانتقال تغيرات الأسعار العالمية إلى الأسعار المحلية. ويمكن أن تؤدي
آليات التسعير التلقائي إلى الحد من احتمالات انتكاس الإصلاحات، بينما يمكن أن تساهم
القواعد المستخدمة لتمهيد تحركات الأسعار في تجنب التغيرات السعرية الكبيرة.
الصندوق يمكنه المساعدة بخبرته
الفنية
يمكن أن يكون صندوق النقد الدولي
شريكاً رئيسياً في إصلاحات الدعم التي من شأنها إطلاق إمكانات النمو، والحد من عدم
المساواة، وحماية البيئة.
ويمكن أن يساهم الصندوق أيضاً
في إثبات أهمية الإصلاح بأن يوضح ـ بالتعاون مع البنك الدولي والأطراف المعنية الأخرى
ـ مدى التكلفة الباهظة التي ينطوي عليها الدعم، ويقدم الخبرة الفنية في كيفية التخطيط
ووضع التسلسل المناسب لإلغاء الدعم، وتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي الموجهة، وإنشاء
آليات تلقائية لتمهيد حدة الحركات السعرية مع حماية الموازنة الحكومية. ويمكنه أيضاً
إطلاع البلدان على الدروس المستفادة من تجارب البلدان الأعضاء الأخرى.
ويمكن أن تساعد مشورة الصندوق
في إفساح الحيز المالي الكافي للمحافظة على الإنفاق والاستثمار الاجتماعي أو التوسع
فيهما، وهو هدف حيوي في كثير من بلدان المنطقة ـ لا سيما البلدان التى تمر بمراحل انتقالية
ـ حيث يجب على الحكومات أن تعزز دعمها للمواطنين مع مواجهة البيئة المالية الصعبة في
نفس الوقت.
دعم المواطنين
وتأتي التحديات الاقتصادية
والاجتماعية التي تواجه الكثير من بلدان المنطقة لتؤكد الرغبة السائدة في الخروج من
الوضع الراهن واعتناق سياسات اقتصادية-اجتماعية جديدة. فالتحول من دعم الطاقة إلى دعم
المواطنين سيساهم في تلبية الاحتياجات الاجتماعية في المنطقة، وزيادة الاستثمارات فيها،
والتخلص من تشوهاتها، ودعم رأسمالها البشري، وتوفير فرص العمل لمواطنيها.
تاريخ التسجيل: 27 مارس 2013
- See more at: http://blog-montada.imf.org/?p=2147#sthash.mAD3vdAQ.dpuf
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق