مواطن أمام محلات تعبئة الغاز المنزلي (ت: أمين
دبوان)
|
تختلف الأوضاع المعيشية والإنسانية من مدينة إلى أخرى، وتتباين دون شك احتياجات اليمنيين حسب المدينة التي يقيمون فيها. فاحتياجات المجتمع المحلي المقيم في صنعاء ليست ذاتها أولويات الناس في عدن. مخاوفهما أيضاً بالتأكيد. ففي صنعاء مثلاً تقف السيارات بالأيام لا الساعات، في صفوف طويلة، أمام محطات التزود بالوقود. بينما في مدينة عدن يقف المواطنون، في طوابير وصفوف طويلة، أمام أفران الخبز أكثر مما تقف سياراتهم أمام محطات البنزين، بحكم أن الأزمة الغذائية أكثر تفاقماً في الأخيرة،
إضافة إلى أن المواجهات المسلحة وانتشار
القناصة في المباني على الخط السريع، وحرب الشوارع الدائرة في أحياء عدن، تسببت في
توقف السيارات وانقطاع حركة السير شبه كلياً.
وهكذا.. تختلف احتياجات اليمنيين من مدينة لأخرى
وأولويات حياتهم وما يتهدّدها من مخاوف ومخاطر. فانعدام المياه، وهي معضلة تاريخية لسكان مدينة تعز، لا تشكل قلقاً بذات القدر، بالنسبة لسكان المكلا
الذين تتركز مخاوفهم، في الآونة الأخيرة، حول توقف صرف المرتبات الحكومية، بالإضافة إلى مستقبل حرياتهم العامة والشخصية مع سيطرة تنظيم القاعدة على المكلا عاصمة حضرموت.
الذين تتركز مخاوفهم، في الآونة الأخيرة، حول توقف صرف المرتبات الحكومية، بالإضافة إلى مستقبل حرياتهم العامة والشخصية مع سيطرة تنظيم القاعدة على المكلا عاصمة حضرموت.
وإذا كان الناس يتذمرون في العاصمة صنعاء من انعدام
وقلة وسائل المواصلات العامة، وخلو الشوارع بسبب النزوح الداخلي، أو توقف السيارات
نتيجة انعدام الوقود والمشتقات النفطية، فإن ذات المشكلة موجودة في مدينتي تعز
وعدن، مضافاً إليها مشكلة أكبر، لا وجود لها في صنعاء، وهي: حرب الشوارع الدائرة
وسط أحياء سكنية مكتظة، ووجود قناصة وقتلة متمركزون في المباني والمفترقات، مما
يجعل من الانتقال من مديرية إلى أخرى داخل أي من المدينتين، لغرض العمل، أو إسعاف
مريض، أو لأي من شئون الحياة الاعتيادية، أمراً شبه مستحيل ومحفوفاً بالمخاطر،
خاصة في عدن بحكم مساحتها الكبيرة وتباعد مديرياتها عن بعضها البعض.
على المستوى المعيشي، تزداد معاناة الناس في المدن
والتجمعات الرئيسية، بينما تقل مظاهرها وانعكاساتها السلبية في الأرياف بخلاف
الأوضاع الاعتيادية. ويبدو جلياً أن المدن المعتمدة في سلتها الغذائية على محاصيل
الأرياف وما تنتجه محافظات أخرى، تعاني أزمة غذائية في الوقت الراهن وأبرزها المدن
الكبرى الثلاث تباعاً: عدن، تعز، والعاصمة صنعاء تحديداً وليس المحافظة (خولان،
نهم كونها مناطق زراعية). بالمقابل يبدو تأثر المواطنين بانعدام السلع والمواد
الغذائية أقل نسبياً في المحافظات الزراعية، وبخاصة محافظة إب في الشمال المعروفة
باسم اللواء الأخضر، أو محافظة لحج جنوباً.
لكن سكان لحج، المحاذية لعدن، ليسوا في وضع يسمح
لهم بالاستفادة من مقومات محافظتهم وخصوبة أرضها الزراعية. ذلك أن مدينة الوهط
عاصمة محافظة لحج، صارت أشبه بأطلال مدينة خربة، وبالنسبة للسكان في المنطقة فإن
لا تدور حول انعدام الوقود والمشتقات النفطية، ولا نقص المواد الغذائية، ولا
انقطاع التيار الكهربائي، كما هو حال مدن أخرى، بقدر ما تمثّل النجاة من الموت، أو
البقاء على قيد الحياة، الأولوية رقم واحد بالنسبة لمن تبقّى من سكان الوهط، بعد المعارك
الطاحنة والنزوح الجماعي الذي شهدته المدينة، خلال الأسابيع الماضية، باتجاه مدينة
عدن، مع دخول الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق إلى المدينة.
بخلاف صنعاء وإب وحجّة، ومعظم المحافظات الجبلية
المرتفعة عن مستوى سطح البحر، يبدو سُكان مدينة الحديدة الساحلية أكثر قدرةً على
احتمال المعارك المسلحة والغارات الجوية، من قدرتهم على احتمال جحيم انقطاع التيار
الكهربائي لساعات فحسب، فكيف بأيام متصلة من العيش من دون كهرباء؟ وفي هذه الشهور الحارة
من السنة تحديداً: فصل الصيف.
ذات الشيء في مدينة عدن، إنما بآثار مضاعفة بحكم
زيادة الاستهلاك، وارتفاع عدد السكان، ذلك أن درجات الحرارة المرتفعة، وانطفاء
المكيفات الهوائية، تجعل المعيشة ضرباً من الإقامة في داخل فرن. يضاف إلى ذلك أن
انطفاء الكهرباء عن المدن، هذه المرة، يأتي بالتزامن مع أزمة انعدام الوقود
والمشتقات النفطية في جميع المدن، وتوقف وحظر الملاحة في المياه الإقليمية اليمنية،
مما يعني عدم قدرة المواطنين، بمن فيهم ذوي الدخل المتوسط والمرتفع، على توفير
الوقود المشغل للمولدات الكهربائية المنزلية.
في محافظة تعز يبدو المجتمع المحلي أصْبر على حرب
الشوارع الدائرة في المدينة، رغم ضراوتها، من صبره ومعاناته جراء الغارات الجوية.
يعود ذلك إلى جملة عوامل مركبة، أهمها اكتظاظ المدينة والتصاق بيوتها وضعف
أساساتها الإنشائية، والتصميم العشوائي للمدينة ككلّ، وقلة الممرات الهوائية كون
المدينة مسورة بالجبال، هذه العوامل مجتمعة تجعل القصف الجوي أشد رعباً وإخافة
للناس في تعز منه في أي مدينة أخرى.
في ذمار، شمالي وسط اليمن، الوضع مختلف نسبياً
وأكثر هدوء. لكن حتى المحافظات الواقعة بمعزل عن المواجهات المسلحة، أو الأقل
تعرضاً للقصف، لديها معاناة من نوع آخر مرتبطة بالجانب الاقتصادي. إذ يعتمد دخل
قطاع واسع من سكان محافظة ذمار، بشكل كبير، على إنتاجها الزراعي الذي يتم استهلاكه
وتصديره، بشكل يومي، إلى المحافظات الأخرى. تأتي نبتة القات في المرتبة الأولى من
حيث العائدات المادية وحجم الاستهلاك وعدد الأيد العاملة، يليها مادة القمح ثم بقية
المحاصيل. مما يجعل العامل الأكثر تأثيراً على الوضع المعيشي هو انقطاع الخطوط
الرابطة بين المحافظات الداخلية، بفعل الحرب، وتوقف حركة النقل وتجارة القات التي
يتم تصديرها من ذمار بشكل يومي، إلى صنعاء وعدن.
لكن كل ذلك ليس سوى عنوان جانبي في الموضوع، لأن
الهمّ الأول بالنسبة لسكان ذمار، شأن سكان مجمل المحافظات الزراعية، يتمثل في
انعدام المشتقات النفطية ومادة الديزل. ذلك أن المزارع اليمني يعتمد عليها بشكل
أساسي، ولم تشجع الدولة خلال السنوات الماضية على انتشار نظم زراعية بديلة، أكثر
عملية وأقل تكلفة، كالمضخات المائية بنظام الطاقة الشمسية مثلاً. ومن اللافت في
هذا السياق أن الوقود ومشتقاته متوفر بشكل طبيعي ولا توجد أية مظاهر للأزمة في
المحافظات التي لا تسيطر عليها، أو تتواجد فيها، مليشيات الحوثي كمأرب وحضرموت
مثلاً.
كل المدن اليمنية إذن تعاني لكن تختلف همومها، من
مدينة إلى أخرى، ومسبباتها، ودرجة خطورتها وقدرة الناس على احتمالها. اختلاف في
الدرجة وليس في النوع. وحده انقطاع الكهرباء أكثر همّ يتوحّد فيه اليمنيون شمالاً
وجنوباً. وإذا كان اليمنيون بحاجة إلى إغاثة إنسانية واقتصادية عاجلة، فإن أكثر ما
يحتاج إليه اليمنيون في الوقت الراهن هو عودة الدولة ومؤسساتها، والاحتكام إلى
العقل، وإلقاء السلاح فوراً، والعودة إلى طاولة الحوار، وتنفيذ قرار مجلس الأمن
الدولي 2261من قبل الحوثيين والرئيس السابق، قبل أن يتسببوا في انزلاق البلاد في
حرب تأكل الأخضر واليابس والخاسر الوحيد هو اليمنيون أنفسهم.
* مقال نشر لدى الشرق الأوسط اللندنية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق