مقارنة بين مقريّ رئاسة الوزراء اليمنية والبريطانية!
نشر في 2008
2
تأملوا جيداً إلِى
الباب الصغير لرئاسة الوزراء البريطانية: أين الحراسة المشددة والمصفحات العسكرية؟
أين مضاد الطائرات؟ أينَ الحواجز الخرسانية والحديدية؟ أين سيارات النجدة والشرطة
العسكرية والأمن المركزي والقومي والسياسي. لا شيء. ليس أمام مبنى رئاسة الوزراء
البريطاني ما عن الخوف
نشر في 2008
تنفقُ الدولُ العربية مليارات
الدولات لشراء خرداوت الأسلحة الغربية لقمع شعوبها. فيما تنفقُ الدول الصناعية
المليارات منْ أجل رخاء واستقرار شعوبها! وفِي الوقت الذي عجزتْ فيه
حكومة الجمهورية اليمنية عن توفير لقاحات شلل الأطفال. بلْ فِي الوقت الذي يقبع
فيه 50% من اليمنيين تحت خط الفقر عاد رئيس
الجمهورية من روسيا بصفقة أسلحة قيمتها 2.5 مليار دولار!
ليس غريباً أنْ تنفقَ دولةٌ
مثل ألمانيا (الخارجة من حربٍ عالمية) 500 مليار يورو على قطاع الصحة سنوياً بِما يعادل 10% من الإنتاج القومي. لكن الغريب والعجيب للغاية صفقة الأسلحة
الروسية في ظروف إقتصادية كهذه. هنا قراءة في الحكم الرشيد من خلال مقارنة بسيطة بين
مقريّ رئاسة الوزراء اليمنية والبريطانية.
هذا هو مقرُّ إقامة
وعمل رئيس وزراء بريطانيا فأينَ يسكنُ نظراؤه العرب؟
المبنى الظاهر في الصورة ليس العُرضي. وما هو
مقرّ الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. لا هذا ولا ذاك. الْمبنى الظاهر فِي الصورةِ
هو المقرّ الدائم لرئاسة الوزراء البريطانية (10 داوننغ ستريت) منذ ثلاثة
قرون.
من هذا المبنى الشعبي، الذي يجري
ترميم واجهته الخارجية، تدارُ شؤون المملكة المتحدة البريطانية: المملكة التي لا
تغربُ عنها الشمس وفق التعبير الشهير.
في هذا المبنى الأثري البسيط
يعمل رئيس الوزراء البريطاني وفيه إلِى جانب المكاتب الإدارية للموظفين، جناح خاص به
هو السكن العائلي لمعالي دولة رئيس الوزراء مجور: أقصد بروان.
نعم فِي هذه البناية ذات
الطوابق الثلاثة يُداوم رئيس وزراء إحدى كبريات الدول الصناعية فِي العالم؛
ولاعيبَ فِي ذلك البتة. العيبُ، كلّ العيب، أنْ تكونَ فقيراً مثلَ الصومال وتنفق
لشراء الأسلحة إنفاق دول الخليج.
الكارثة أنْ يقول نائب رئيس
الوزراء عبد الكريم الأرحبي لوكالة الصحافة الفرنسية: (إن الوسيلة الوحيدة لإنقاذ
اليمن هي المساعدات الخارجية) في الوقت الذي يتم تزويد الجيش اليمني بأسلحة إضافية
بقيمة 2.5 مليار دولار!
تأملوا مليّاً في الصورة:
مبنى بسيط كما لو أنه مقرّ
الجمعية التعاونية لمُعاقي الحرب العالمية الثانية وذويهم. مبنى متواضع: من الطوب
الأحمر وليس من حجر البناء الأبيض الفاخر والمصقول (وقيص).
وهذا يُوجبُ الاحترام لحكومات
الغرب الرشيدة ويُوجبُ، بالمقابل، الْحجْر على الحكومات العربية. ذلك أنّها تنفقُ مليارات
الدولات لشراء خرداوت الأسلحة لقمع شعوبها. فيما تنفقُ الدول الصناعية المليارات
منْ أجل رخاء واستقرار شعوبها!
وللعلم فإنّ مقرّ رئاسة
الوزراء البريطاني (10 داوننغ ستريت) يُعادل البيت
الأبيض فِي واشنطن. ويُعادل، بالمثل، قصر الأليزيه فِي باريس. وقصر عابدين في
القاهرة. والقصر الجمهوري في صنعاء أكثر من رئاسة الوزراء. لكنه أقل كلفةً من سور
مبنى رئاسة الوزراء في اليمن وليس المبنى ذاته
. ذلك أن العبرة في المعنى لا
المبنى. وفِي الأداء لا الشكل.
** **
**
لِمَ كل هذه الحواجز؟
لِمَ كل هذه الحراسة المشددة؟ بل لِم كلّ هذا الخوف وممن؟
أليستْ حكومةً شرعيةً
ومنتخبة ولها الأكثرية في البرلمان؟ إذنْ لِمَ كلّ هذا الذعر؟ لماذا نشعر أنّ
قيادة السيارة فِي اليمن دفاع عن النفس. لماذا نشعر أنّ الكذب والاحتيال دفاع عن
النفس وأنّ الفساد وأكل حقوق الناس أيضاً دفاع عن النفس؟ لماذا نشعر أنّ الحكومة
(المنتخبة) والشعب (الناخب) على حدّ سواء يعيشان حياتهما فِي حالة دفاع عن
النفس!
الكارثة أنْ تكونَ فقيراً كالصومال
وتنفق لشراء الأسلحة كدول الخليج
يال الرياء!
هذا السور الظاهرُ فِي الصورة هو سُور مجلس
الوزراء اليمني وحسب؛ فكيف المبنى؟
سورٌ عالٍ للغاية: ليس فِي مقدور أحد أنْ يقفز
منْ فوق هذا السُّور إلا إنْ كانَ هذا الشخصُ بمواصفات (سوبر مان). أو الرجل
الوطواط (بات مان).
يذكِّرني هذا السورُ بِما قرأته فِي ألياذة
هوميرس عنْ سور طروادة. السورُ الذي سالت ْتحته دماء المحاربين اليونانيين وجرتْ
أمامه إحدى أعظم وأطول المعارك في التاريخ.
فشل اليونايون بعد سنوات من القتال من الدخول
إلِى طرادوة. لكنهم استطاعوا الدخول إليها وتجاوزوا اسوارها بحيلة دبّرها الملك
اليوناني الماكر أوديسيوس: حيلة حصان طرادوة.
وظني أنّ المواطن اليمني بحاجة إلِى حيلةٍ
مُماثلة لحيلة طروادة حتّى يتسنّى له الدخول إلى رئاسة الوزراء مُتجاوزاً هذا السّورَ
العالي وهذه البوابة ذات الحراسة المشددة.
تعجبُ ولك الحق أنْ تعجب وأنتَ ترى هذه الحراسة
المشددة. وأنتَ ترى هذه الحواجز الخراسانية والحديدية. لماذا كلّ هذا الخوف وممن؟
أليستْ حكومةً شرعيةً ومنتخبة ولها الأكثرية في
البرلمان؟ إذنْ لِمَ كلّ هذا الذعر؟ لماذا نشعر أنّ قيادة السيارة فِي اليمن دفاع
عن النفس. لماذا نشعر أنّ الكذب والاحتيال دفاع عن النفس وأنّ الفساد وأكل حقوق
الناس أيضاً دفاع عن النفس؟ لماذا نشعر أنّ الحكومة (المنتخبة) والشعب (الناخب)
على حدّ سواء يعيشان حياتهما فِي حالة دفاع عن النفس!
بلْ إنّ أقسام الشرطة بعد حادثة تفجير السفارة
الأمريكية اتخذت إجراءات أمنية مشددة. فإذا كانت أجهزة الأمن المنوط بِها إشاعة
الأمنَ بين الناس والعمل على تثبيت الاستقرار والسكينة فِي الشارع هي ذتها خائفة؛
فكيف بالناس؟
وهل فاقد الأمن يُعطيه؟
لا!
وبمقارنة بسيطة بين
بوابتي مبنيّ رئاسة الوزراء في اليمن وبريطانيا، وما يحيط بكليهما من مظاهر أمنية
وحراسة، يمكن ببساطة استنتاج التالي: رئيس الوزراء اليمني، لشدة المظاهر الأمنية،
خائف بينما رئيس الوزراء البريطاني آمن: وياله من فرق!
دولة تصنّعُ الطائرات وأخرى تُصنّع (البفك
والشونجم)
لا أحبُّ المقارنةَ بين اثنين لا يصحّ المقارنة
بينهما فِي شيءٍ لاختلافهُما فِي كلّ شيء. لكنني مجبرٌ على ذلك.
لا أقولُ قارنوا، حتى لا يُساء فهمي، بين
بريطانيا واليمن ولا بين اقتصاد قويٍّ عماده الصناعات الثقيلة (كالطائراتِ) وبينَ
اقتصاد هزيلٍ عماده (البفك والشونجم والبطاط). لا أقولُ قارنوا بين حكومةٍ مقرّها
(البونية) وبين حكومةٍ مقرُّها (10 داوننغ ستريت) أو بين ميزانيتهما.
كل ما أريدهُ منكم هو المقارنة بين البوابة
التي يدخلُ منها رئيس الوزراء البريطاني براون وبين البوابة التي يدخلُ منها رئيس
الوزراء اليمني د مجور كل صباح.
أيُّ الفريقين أحقُّ بالآمن؟
لينظرْ ناظرٌ بعقله وقلبه إلِى هذين البابين:
الباب الصغير عن الشمال ( أمَا واللغة الإنجليزية من الشّمال إلِى اليمين) وبينَ
الباب الضخمِ عن اليمين. ثمّ ليسأل:
ايُّهما أكثرُ خدمةً للشعب؟
ايُّهما أكثرُ بَطَراً ورئاء الناس؟
أيُّهما أكثر تواضعاً وأقرب مودّةً وأقلّ
كبرياء؟
لماذا تكثرُ الحواجز ونقاطَ التفتيش أمام
المباني السيادية في الوطن العربي وتقلّ عند النصارى؟
تأملوا جيّداً إلى الباب الصغير لرئاسة الوزراء
البريطانية: منْ غير الممكن أن تدخل الطاولة المُستديرة التي يجتمعُ عليها مجلس
الوزراء اليمني من هذا الباب الصغير: لا طولاً ولاعرضاً وإنما قطعةً قطعةً. لأن
العِبرةَ بِما على الطاولة منْ إنجازات وليسَ بالطاولة!
تأملوا جيداً إلِى الباب الصغير لرئاسة الوزراء
البريطانية: أينَ الحراسة المشددة والمصفحات العسكرية؟ أين مضاد الطائرات؟ أينَ
الحواجز الخرسانية والحديدية؟ أين سيارات النجدة والشرطة العسكرية والأمن المركزي
والقومي والسياسي ووو؟
الفرقُ، إذنْ، بين الحكومات العربية والغربية
الذمة المالية أو النزاهة. ذلك أنّ النزيه، بالفطرةِ، آمنٌ وغيرُ خائف. أما الذي
(على رأسه بطحة) فخائف منْ كل شيء.
رحم الله الخليفة العادل عمر بن الخطاب. ومنْ
مثلهُ وهو الذي عزل أحدَ الولاة منْ منصبه؛ لأنه جعلَ بينه وبين المواطنين باباً.
وما ينبغي له ذلك. بل إنّ الفاروق قال له محاضرةً تُلخص منهج الحكم الرشيد: "إنكَ إنْ اتخذتَ اليوم باباً فإنك غداً
مُتخذٌ حاشيةً. ولئنْ اتخذتهما فإنك مُتخذ بعدها مجلساً خاصاً. وهكذا حتّى تصير
مجالسكم مجالس عوام وخواص. وحوائجكم حوائج عوام وخواص فتضيعُ حقوق الرعية":
صلّوا وسلّموا على منْ علّمه. ولمّا بلغ عمر بن الخطاب أنّ والي العراق سعد
بن أبي وقاص، وهو من هو، اتخذ باباً وسوراً من القش والعيدان وليس من الحجر
(الوقِيص) أرسلَ محمد بن مسلمة فوراً لا ليسأله لِمَ فعل ذلكَ (لأنّ بيته وسْط
السوق) بلْ لِيُحرق البابَ والسّور "غير العالي".
إنّ المقارنة بين أسوار وأبواب الحكومات العربية
وأسوار وأبواب الحكومات الغربية يُجيبُ على سُؤال الأسئلة منذُ أربعة قرون: لماذا
تقدّم الغربُ وتخلّفَ المسلمون؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق