1- يجهد كثير من المثقفين العلمانيين العرب في البحث عن علاقة بين الدين والتخلف
الحضاري , ونحن نعتقد بان محاولات كهذه هي محاولات عقيمة وكسولة لانها تتخذ من تاريخ
تشكل الحداثة الغربية نموذجاً وحيداً يجب القياس عليه واتباعه , وهذا خطأ معرفي جسيم
, لان الحداثة الغربية ليست هي التجربة الامثل اولاً
ولان فهمها ايضاً كان سطحياً و"سماعياً " وليس عن قراءة وبحث ثانياً .. فكثير من المثقفين يتحدثون عن العصور الوسطى في اوروبا كمثال على التخلف والظلامية متاثرين بما درج المثقفون الغربيون على قوله , مع ان القارئ المتوسط لتاريخ الفلسفة الغربية لا يمكن ان يفهم تشكل الفلسفة الحديثة بدون ادراك النقلة المهمة التي احدثتها الفلسفة المسيحية في العصور الوسطى في حقل الفلسفة!
ولان فهمها ايضاً كان سطحياً و"سماعياً " وليس عن قراءة وبحث ثانياً .. فكثير من المثقفين يتحدثون عن العصور الوسطى في اوروبا كمثال على التخلف والظلامية متاثرين بما درج المثقفون الغربيون على قوله , مع ان القارئ المتوسط لتاريخ الفلسفة الغربية لا يمكن ان يفهم تشكل الفلسفة الحديثة بدون ادراك النقلة المهمة التي احدثتها الفلسفة المسيحية في العصور الوسطى في حقل الفلسفة!
2- البحث الحقيقي في راينا هو عن علاقة انماط التدين بالتخلف , وليس الدين ذاته
.. الدين نص , ولانه كذلك فهو قابل لشتى انواع التأويل .. بما فيه التأويل الحداثي
الذي يسرع من عملية التحديث .. واذا ما خرجنا من حدود اوروبا الغربية - وهي الحدود
التاريخية التي يعيش فيها المثقفون العلمانيون والاسلاميون على حد سواء بالمناسبة
! - فسنجد تجارباً ثرية : فلا يمكن لنا ان نفهم صيرورة التحرر من الاستبداد الوطني
والاستغلال الامريكي في امريكا اللاتينية بدون فهم الدور الايجابي الحاسم الذي لعبته
الكنيسة الكاثوليكية فيها من خلال "لاهوت التحرير" .. وكذلك دور الكنيسة
الارثوذكسية في التحول الديمقراطي في بولندا .
3- وبادراك الفكرتين السابقتين , يمكن فهم دور المثقف العلماني في العالم العربي
: وهو الدفع نحو تأويل حداثي للدين - وليس القيام به - ومحاربة انماط التدين المتخلفة
.. وليس رفض الدين , فالاديان خلقت لتبقى , وهي ظاهرة اجتماعية عميقة لا يمكن استئصالها
.. والتاريخ الاوروربي قام باحداث قطيعة مع الدين , ولكن هذا حدث بعد مذابح وحروب يستحيل
ان تسمح اخلاق سوية بالتبرير لها تحت دعوى الحداثة , وبرغم كل هذا , فان الدين في اوروبا
وامريكا الشمالية باق , وله تاثير مهم في الفضاء العام في الولايات المتحدة على وجه
الخصوص , حيث يصنف المجتمع الامريكي على انه مجتمع " متدين " بمعنى من المعاني!
4- وهكذا , نجد ان احداث قطيعة مع الدين هي جريمة اخلاقية اولاً وخطأ معرفي
ثانياً .. ولكن الاحرى بالمثقفين العرب هو اعمال فكرهم في نظريات الدولة , والدعوة
الى تكوين مؤسسات دينية تحكم الخطاب الديني وتوجه تأويله العام , ومحاربة انماط التدين
المتخلف من خلال التنوير والتعليم .. وليس الدعوة الغبية لاستئصال الدين والقاء كل
علل تاريخنا عليه .. تذكرو ان كوريا الشمالية بلد علماني , وان الحركة الصهيوينة هي
حركة علمانية - بل حركة ملحدة ايضاً - وان جل الحركات والايديولوجيات المتخلفة والعنصرية
في القرن العشرين لم تكن حركات دينية بل حركات علمانية .. فلا الدين هو علة التخلف
, ولا العلمانية هي علة الحداثة .. بل انماط التدين والعلمنة هي من يجب تأملها ودراستها
والبحث عن علاقاتها مع مفاهيم الحداثة والتخلف الحضاري وذلك لتشكيل " حداثة
" خاصة بنا .. على المثقف الا يكون كسولاً وغوغائياً .. المثقف هو من يقوم بعميات
عقلنة للواقع والتاريخ ... ومحاولة ايجاد علاقة بين " الدين " والتخلف هو
عمل لا عقلاني وكسول.
أيمن نبيل ألمانيا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق