ها هو الصبيحي محمود -بعد رفيقه
في السلاح، وربما في الشهادة، سالم قطن- يبيِّن عمليَّاً هُوِيَّة العسكرية اليمنية
الجنوبية وحقيقتها؛ ويعيد الاعتبار للعسكرية اليمنية عموماً، بعد أن أفقدها حكم اللصوص
الطويل اعتبارها، وحتى شرفها. لكن: ما الذي يجري اليوم في هذا اليمن؟ هل ثمة مشروع وطني حقيقي مدعوم دوليَّاً للتخلص من الإرهاب،
وبالتالي من مراكز القوى الداعمة له المستنفرة للدفاع عنه عبر جهاد المناصحة، ومساواته الفجة بالحوثيين، وغير ذلك؟ أم أن الأمر لا يعدو فورة غضب عابرة سرعان ما تنجلي وتعود الأمور إلى انحدارها الخَطِر المعهود؟
وبالتالي من مراكز القوى الداعمة له المستنفرة للدفاع عنه عبر جهاد المناصحة، ومساواته الفجة بالحوثيين، وغير ذلك؟ أم أن الأمر لا يعدو فورة غضب عابرة سرعان ما تنجلي وتعود الأمور إلى انحدارها الخَطِر المعهود؟
إذا كان مشروعاً وطنياً لا
نكوص عنه كما يطمح اليمنيون عامة على اختلافهم وتبايناتهم، عدا شركاء حكم الإفساد واللصوصية
ذاك، فإنه يرفع منسوب الآمال ويضع الوطن كله على الطريق الصحيح لأوَّل مرة (بعيداً
عن مسكِّنات مؤتمر الاحتيال "الموفنبيكي" الشامل)، وفي الوقت الصائب، بمعنى:
قُبيل فوات الأوان! فالإحباط الوطني العام يوشك أن يقود إلى تفتيت وطني شامل للجغرافيا
والهوية، السياسية والوطنية وحتى الثقافية، لا يبقي ولا يَذَر. كما إن خيبة الجنوب
وحراكه السلمي العظيم في قياداته ومكوِّناته الهزيلة التي قادته إلى فشل مؤلم ما أن
تتكشف ملامحه قريباً لجماهيره الكبيرة بأعدادها وآمالها وتضحياتها وطاقاتها، حتى يعصف
بالأمور في مآلات لا تَسُرُّ، قد تدفع قسماً من شبابها بطبيعة الحال إلى أن يقدِّم
للإرهاب -وما على شاكلته من مخرجات الخيبات الكبرى ومشاريعها الضيقة والكارثية- رافداً
قوياً ما أغنى الجنوب، واليمن كله، عنه.
ذلك ما نُساق إليه إذا لم يَتَعَدَّ
الأمر فورة عابرة تسفر عن استمرار تسلسل الخيبات. أما إذا كان مشروعاً وطنياً كبيراً
كهذا الذي نُعلِّل النفسَ بالآمال في استهلاله، فإنه بالضرورة لا ينطوي على محاربة
الإرهاب حتى الخلاص منه ومن رعاته فحسب؛ بل يعني التأسيس لبناء الدولة الوطنية المنشودة،
التي أبطل حكم اللصوص شمالاً منذ 1977حتى اليوم -واليسار الجارح جنوباً في1986- سانحتيّ
تحققها، وكان اليأس من إمكانها هو ما أسقط أخيراً مُسَلَّماتٍ وشِبْهَ مسلمات ونكأ
جراحاً كثيرة بعد اندمالها الظاهر، وقاد إلى هذا الانهيار الوشيك والتفتُّت. فلم تفتقد
البلاد شيئاً عقب وحدة دولتيها الخاطئة ثم سماحها بتحوُّل تلك الوحدة سريعاً إلى احتلال
عسكري قاصم لجنوبها وآمالها منذ 1994، كما افتقدت الإرادة السياسية لبناء دولة المواطنة
المرتجاة في هذا اليمن، لكل أهله الذين رثا لهم الأثر ذاكراً تفرُّدهم الاستثنائي
"بصبرهم على جَور ولاتهم"؛ ووَصَفهم -في حديثٍ منسوبٍ إلى الرسول الكريم-
وصفاً موجعاً دامغاً بأنهم: "المجدولون على الأرض، المدفوعون على أبواب السلطان،
الذين يموت أحدهم وفي صدره ألف حاجة لم يقضها".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق