استمتعتُ بمشاهدة أكثر من فيلم وثائقي مميز عن أعظم
رياضي في القرن العشرين، من غيره: محمد عليّ. لا أملّ من مشاهدته أكان على الحلبة
أم في حوار تلفزيوني. في شبابه كما في شيخوخته وبعد مرضه. فاتن.
لدى محمد عليّ خصال مميزة قلّ أن تجتمع في إنسان:
حضوره الفاتن وتعابير وجهه الباعثة على الانشراح، وروح دعابته الآسرة، وسرعة بديهة
مذهلة، وذكاء منقطع النظير. كل هذه الخصال فيه فضلاً عن آراءه المثيرة والصادمة
وتعليقاته الجذابة وفكاهاته التي جعلته الشغل الشاغل للصحافة العالمية.
يسأله صحفي كيف رأى بطل العالم (وقتها سوني ليستون)
فيرد فوراً: أليس قبيحاً ليكون بطلاً للعالم؟ ألستُ أوسم منه؟
عندما سُأل ما إن كان يعرف أين تقع فيتنام بعد
تصنيفه في المستوى A1
للتجنيد في الحرب أجاب بشيء من الدعابة اللئيمة: "نعم. إنها في
التلفاز"! فصارت من أشهر مانشيتات الصحف.
في الأوقات العصيبة يعرف جيداً كيف يؤثر في الناس
بصدقه وعمقه وعباراته المؤثرة. قال عليّ: "لماذا عليّ وعلى الذين يدعون
زنوجاً أن نسافر عشرات الأميال لإلقاء قنابل على أناس أبرياء سود وسمر لم يزعجوننا
في شيء. معركتي هنا مع من يزعجني في كنتاكي ويمنعني من دخول مطعمه او متجره بسبب
لون بشرتي".
عرف محمد علي مرارة تعرض الإنسان للازدراء والعنصرية.عندما فاز علي بالميدالية الذهبية في الاولمبياد بايطاليا وهو في السابعة عشر عاد إلى مسقط رأسه لويز فيل فرحاً ودخل مطعماً للبيض وهو يرتدي الميدالية الذهبية التي أحرزها باسم أمريكا فرفض صاحب أن يقدم له الطعام. قال علي لا نقدم الطعام للزنوج فحاول أن يدفعه إلى ذلك عن طريق الدعابة قائلا: ولا أنا أكل طعامهم". طلب هامبرج فكان الرد نفسه، فحاول مجدداً علي أن يكون لطيفاً وفكاهياً فطلب منه صاحب المطعم الخروج أو سيتصل بالشرطة.
كانت تلك هي اللحظة الفارقة في حياة محمد علي.
إنها أكثر لحظة تكشف بوضوح عن شخصيته الاستثنائية.
عن انسجامه مع أفكاره ومعتقداته وإيمانه بما سوف
يكون مستقبلاً.
وقف أمام النهر وألقى بالميدالية الذهبية التي كان
لا يخلعها وينام وهو يرتديها. (منح ميدالية بديلة عنها في اولمبيات 1994م)
لم تعد تمثل له شيء. اعتقد للحظات أنها قد تدفع
الأمريكي الأبيض إلى الإعجاب به لكونه شرّف الولايات المتحدة الأمريكية ومثلها في
محفل دولي. أدرك أنه كان حالماً، وربما هذا السخط، هذا الشعور بالمهانة والإذلال
والرغبة بالانتقام وإثبات الذات يعود الفضل لها في توجيه مسار حياة محمد علي.
(وهنا ايضا عظمة امريكا كيف ان الاوضاع تغيرت فيها من منع بطل دخول مطعم للبيض إلى
جلوس رئيس أسود على كرسي البيت الأبيض في أقل من خمسين عاما)
أهم خصال محمد علي في تقديري الشخصي هي عناده
وإصراره وجرأته في الإفصاح عما يؤمن به مهما كان صادماً أو مخيباً للآمال
والتوقعات. وقد تزاحمت في رأسي أسئلة كثيرة من الصعب الإجابة عليها بشكل يقيني،
إثر مشاهدتي لهذين الفيلمين الوثائقين، إلى جانب أفلام ومقالات أخرى من أوقات
سابقة.
يحرص معد الفيلم على إعادة مقاطع مسجلة من لقاءات
سابقة جمعته بكلاي كشيء من المقارنة بين رأئيه في مسألتين مختلفين وهما: المرأة
والعنصرية، الأولى مطلع السبعينات والاخرى قبل سنوات حديثاً. لا يتحرج علي في
لقاء تلفزيوني اجري في السبعينات عن التعبير بصراحة، لا تخلو من فجاجة عن رايه في
المرأة ومشاركتها في الحياة الى درحة يبدو معها رجلاً "رجعياً" إن جاز
التعبير حيث يقول بمنتهى الصراحة أن دور المرأة "أن تطبخ وتهتم بالأولاد
والمنزل باعتبار ذلك دورها الأساسي في الحياة.
في لقاء آخر، سجّل في الفترة العصيبة التي شعر أن العالم كله ضده: فسحب منه ترخيص الملاكمة، ولقب بطل العالم وكان مهدداً بالسجن لرفضه المشاركة في حرب فيتنام، في ذلك اللقاء رد بحدية مبررة وعبر عن قناعاته بأن "كل الرجال البيض أشرار".
في لقاء آخر، سجّل في الفترة العصيبة التي شعر أن العالم كله ضده: فسحب منه ترخيص الملاكمة، ولقب بطل العالم وكان مهدداً بالسجن لرفضه المشاركة في حرب فيتنام، في ذلك اللقاء رد بحدية مبررة وعبر عن قناعاته بأن "كل الرجال البيض أشرار".
حاول المذيع الأبيض، وهو صديق له، أن يخفف من حدته
ومن التعميم في كلامه بأنه يتفق معه بوجود رجال بيض اشرار ولكن ليس كلهم فيقاطعه محمد علي:
"بل كل
كلهم".
يعرض الفيلم عددا من اللقطات الصادمة، التي ينبغي
ألا تقرأ خارج سياقها الزمني والموضوعي ثم يساله عن آراءه في القضايا ذاتها، بعد
مرور ثلاثين سنة، فتكون إجابة كلاي غير تلك وعلى النقيض منها: " كلا ليس كل الرجال البيض، ولا السود طبعا، أشرار.
فكرت هل كان محمد علي "بعقله" عندما آمن حقاً
أن جميع الرجال البيض أشراراً رغم أن مدربه أبيض؟ أكانت حماسة وانفعالا أم وسيلة
وطريقته المثلى لإدانة الانتهاكات العنصرية وقتها ضد السود؟
الأهم: هل كان محمد علي ليكون الأسطورة كلاي لولا ذلك
العناد، والمكابرة، والسباحة ضد التيار.
عام 1964م كانت كل المعطيات تقول باستحالة فوز علي على سوني ليستون ولكنه فلعها وهزمه في الجولة السابعة بأن انسحب بطل العالم. من
النادر أن ينسحب بطل العالم فهو يقاتل إلى أن يسقط لكن علي فعلها.
في الفيلم الوثائقي الثاني تتضح أمور كثيرة في
شخصية محمد علي لكونه يغطي حياته منذ شبابه حتى لقاءه بسوني ليستن. كان لافتا كيف انه
استخدم كل حيل الثانوية من اجل دفع ليستن على موافقة مواجهته. وقد شاهدت عشرات
المرات المقطع الذي يتحدث علي فيه أثناء المؤتمر الصحفي له وليستن. بدا ليستن
شاحباً ومصفراً من ثقة علي وكلامه. قال محمد علي: "ان اكبر مفاجأة في القرن
العشرين ستحدث عن مواجهتي لليستن".
عاد ظهره لثوان إلى الوراء
ثم دق الطاولة وأضاف: "اذا اردت ان تخسر
أموالك فراهن على فوز ليستن"!
عام 70م بعدئذ نزع عنه اللقب عن محمد علي وانفض الناس
من حوله، وبات مفلساً، ومنع من مزاولة الملاكمة زاره صحفي لإجراء مقابلة. كان إلى
جواره سوني ليستن الذي كان قد مات بسبب المخدرات قبلها بشهور على إثر هزيمته من
علي وتخلي المافيا التي كانت تسيطر على حلبات الملاكمة وقتها، عنه. قال علي:
"لو أن سوني ليستن كان موجودا كنا سنقضي أوقات ممتعة مع بعضنا البعض"
بعد موت ليستن ومنع كلاي من الملاكمة وسحب لقب البطولة عنه يخاطب ليستن: كنت تخيفني يا رجل |
ساله الصحفي ماذا كنت ستقول له فتوسعت حدقتا عيناه بطريقة كوميدية رائعة، ونظر في صورة ليستون قائلا: "كنتَ تخيفيني يا رجل".
الوثائقي الثاني ممتع وغني بالتفاصيل والوقائع. إنه
يقدم صورة متكاملة عن طريقة محمد علي في اللعب والحديث للصحافة وشخصيته وكاريزميته،
وطرقه في التحرش بمنافسيه، أو التعريض بهم، حتى أنه لا يكف عن تعليقاته المستفزة
من مثل الدب القبيح الذي وصم به ليستن.
كان متعجرفاً بعض الشيء، أعرف، لكن أكان ليكون محمد علي لولا ذلك؟
الأهم في الوثائقي الثاني أنه يقدم محمد علي السياسي
والإنسان وبطل العالم الذي أسلم واعلن تغيير اسمه من كاسياسي، وهو اسم عبد كما
قال، إلى محمد علي. ربما هذا إلى جانب مواقفه ورفضه المشاركة في حرب فيتنام،
والحرب كمبدأ، وتضحيته بلقب البطولة وحرمانه من الملاكمةلخمس سنوات حتى يبلغ
الثلاثين ويسهل هزيمته، اصافة الى خسارته عشرة ملايين دولار، كلها عوامل تضافرت
وكانت سببا لشهرته وعالميته.
لكن علي الرياضي المعجزة في الوثائقي الأول، أو
وثائقي آخر كل أجزائه التسعة تدور حول مباراته مع جورج فورمان عام 1974بعد عشر
سنوات من فوزه على سوني ليستون وتتويجه بطلاً للعالم. (وفاز باللقب للمرة الثالثة
ايضا عام 1978م وهو ما لم يحققه احد سواه)
كان علي في الـ31 من عمره. في رياضة الملاكمة ما
إن يصل الملاكم إلى ال27 او 28 حتى يبدأ التفكير بجدية في الاعتزال. لم يسبق
لملاكم أن فقد اللقب الذي فاز به وهو في مطلع العشرينيات ليستعيده وهو في عقده
الثالث إلا محمد علي.
هناك في زائير حصلت المعجزة:
فورمان مصدوما بعد استعادته للوعي |
علي بوم ما ييه
"علي
اقض عليه" هكذا كانت الجماهير تهتف.
قال معلق المباراة في هذه اللحظة: فورمان يسقط.. فورمان يسقط كشجرة ضخمة في الغابة |
لكمة الفانتوم بيمنى كلاي افقدته الوعي |
وتغلب علي يومها على وحش بكل ما للكلمة من معنى يصغُره في السن، ويفوقه في القوة، وأطاح بجميع منافسيه وأسقط بضربة قاضية في الجولة الثالثة بالملاكم جو فرايز الذي استطاع هزيمة علي بالنقاط فيما عرف بمباراة القرن (هزمه علي بعدها مرتين).
فريزر يسقط علي في الجولة 11 لكنه نهض وفاز بالنقاط |
علي يهزم فريزر بعد عام في المواجهة الثانية |
علي ينتصر ايضا على فريزر في المواجهة الثالثة لكن بالنقاط لا القاضية |
إنه جورج فورمان.
الملاكم الشاب الذي لا يقهر.
وحده فورمان هزم الملاكمين اللذين هزما محمد علي:
جو فرايزر (اطاح به في الجولة الثالثة) وكين نورثن في الجولة السادسة.
ما من أحد توقع فوز محمد علي وأنه تمكن من استعادة لقبه الذي أخذ منه ظلماً بسبب موقفه السياسي ورفضه المشاركة في حرب فيتنام.
الملاكم الشاب الذي لا يقهر.
وحده فورمان هزم الملاكمين اللذين هزما محمد علي:
جو فرايزر (اطاح به في الجولة الثالثة) وكين نورثن في الجولة السادسة.
ما من أحد توقع فوز محمد علي وأنه تمكن من استعادة لقبه الذي أخذ منه ظلماً بسبب موقفه السياسي ورفضه المشاركة في حرب فيتنام.
مباراة فورمان هي المستحيل بعينه.
إنها المباراة التي تظهر عبقرية علي الرياضية،
وتقدم لنا درساً بليغاً حول إمكانية تغلب الإنسان على خصم يفوقه في كل شيء من خلال
الصبر والتركيز على الهدف وإضعاف وإنهاك الخصم وإيهامه بتفوقه عليك.
لقد ظل علي على الحبال يدافع ويتجنب اللكمات منذ
الجولة الثانية وحتى الثامنة. وقبل نهاية كل جولة بـ20او 30 ثانية، بعد إنهاك
خصمه، يشن هجومه الخاطف.... وهكذا حتى الجولة الثامنة عندما أسقطه كأنه شجرة في
غابة كما قال المعلق على المباراة.
استمتعوا بالمشاهدة
وغيروا قليلا هرباً من السياسة
لطالما أردت أن أفعل ذلك مع افلام ومسلسلات وكتب
كثيرة فتشغلنا السياسة والحديث اليومي العقيم والمحبط والمدمر للذات والآخر. لنبدأ من اليوم فصاعداً.
سأحرص على ذلك وإن لم أفعل آمل أن تحثوني أنتم يا أصدقائي الرائعين.
الوثائقي الأول
الوثائقي الثاني
http://www.youtube.com/watch?v=iVadJQS_T_0البوم صور
مع البطل اليمني البريطاني نسيم حميد كشميم |
في بداياته كاد يقضي كوبربلكمة الخطاف ولكن كلاي نهض وفاز يومها |
مع الفرقة البريطانية قبل فوزه للمرة الاولى ببطولة العالم |
توجه نحو الصحفيين وقال ابلعوا ألسنتكم.. ألم أخبركم أني الأفضل.. انا بطل العالم وعمري 21 وليس بوجهي كدمات.. ووسيم أيضاً |
من ايام الزمن الجميل |
لم يعرف ان مانديلا كان يتابع مبارياته واحاديثه من زنزانته الا بعد عقود |
علي.. بوميه |
الفانتوم |
مع فورمان في الجولة الخامسة نقطة تحول المباراة لصالح كلاي |
وول سميث في فيلمه ALI |
مثّل ستلوني فيلماً عن ملاكم احرج علي واسقطه رغم انه لم يكن محترفا |
فريزر لحظة اسقاط كلاي.. لحظة لا تنسى ولم يتمكن كلاي من اسقاط فريزر رغم فوزه مرتين |
مع مالكوم اكس.. تخلى عنه وخذله وتلك ذكرى سيئة وذنب لا يغتفر لكلاي وهو نفسه نادم على موقفه |
من الفيلم ومن المباراة.. ستالوني بالغ "قليلاً" |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق