محمد العبسي في حوار لـ الراية القطرية: اليمن قد ينزلق نحو النموذج العراقي أو الليبي
صنعاء - الراية - رويدا السقاف:
قال الإعلامي والناشط السياسي اليمني محمد العبسي إن الوضع الذي تمر به اليمن حاليًا أصبح كارثيًا لأنه فرض بقوة السلاح ومنطق الغلبة، مشيرًا إلى أن واقع حال صنعاء صار مشابهًا للوضع في مدينة قندهار الأفغانية.
وأكد العبسي في حوار مع الراية أنه إذا لم يتم إنقاذ الدولة الآن فإن العقد قد ينفرط ويصبح ما هو متاح اليوم متعذرًا غدًا.
وأوضح أن احتمالات نشوب الحرب الطائفية صارت أعلى من تلك الاحتمالات التي أدت إلى نشوبها في سوريا عام 2011، مبديًا تخوفه من تفكك البلد وانزلاقه نحو السيناريو العراقي أو الليبي.
وأضاف: إن جماعة الحوثي خسرت إلى الآن الكثير ولاتزال تخسر أكثر لأنها تحولت من جماعة كانت تدعي المظلومية إلى جماعة تمارس الظلم والقهر والقمع بشكل غير مسبوق. فإلى نص الحوار:
> ما توصيفك للحالة اليمنية في ظل عدم وجود رئيس وحكومة دستوريًا وقانونيًا؟
- وضع كارثي بكل المقاييس، وضع غير مسبوق فرض بقوة السلاح ومنطق الغلبة، وما لم تستنقذ الدولة الآن قد ينفرط العقد. وما هو متاح اليوم سيغدو متعذرًا غدًا. النخبة السياسية مطالبة بالتحلي بالمسؤولية والشجاعة والتخلي عن الجشع والذل. لا مزيد من التخدير، لا مزيد من التسويات الرديئة برعاية جمال بن عمر. لأن الوضع الحالي فتح الباب أمام مخاطر الاحتراب الأهلي وتفكك البلد وأن ينزلق اليمن نحو النموذج العراقي أو الليبي. ينبغي العودة إلى طاولة السياسة، وفي حال تراجع الرئيس والحكومة عن استقالاتهما يجب أن يكون ذلك بناء على شروطهم لا شروط السلاح ومنطق القوة وأن يتم إزالة الأسباب التي دفعت الرئيس للاستقالة وليس مقابل الانسحاب من دار الرئاسة فقط وبعض الخطوات الشكلية التي لا تقدم ولا تؤخر.
> يعتزم البرلمان عقد جلسة للنظر في استقالتي رئيسي الجمهورية والحكومة.. برأيك ما مدى شرعية ذلك؟.
- لطالما قلت إن أي اتفاق سياسي رديء أفضل من الحرب العادلة (وهل ثمة حرب عادلة)، إلا أن القبول بتسوية سياسية وفق ما هو مطروح من تصورات من قبل الإخوة في جماعة الحوثيين أمر مرفوض ولا يؤسس لدولة بل لمزيد من التفكك والانهيار. إن كان ولا بد من تسوية سياسية فالأفضل العودة الى البرلمان رغم كل مآخذنا عليه. أي حديث عن عدم شرعية البرلمان خاصة من أعضاء المشترك هو حديث غير مسؤول، وينطوي على قدر كبير من الخفة والاستغفال. ذلك أنه كان من المفترض ألا يمدد للبرلمان في السنوات الثلاث الماضية وأن يتم إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، والمسؤول عن ذلك هم شركاء المرحلة الانتقالية جميعًا خصوصًا أحزاب المشترك. والبرلمان وإن كان غير شرعي (من حيث التمديد لأعضائه وليس كمؤسسة) أفضل من أي شريعة، أو تسوية، تفرض بقوة السلاح.
> لكن المبادرة الخليجية عطلت دور البرلمان دستوريًا وحصرت دوره في التوافق على القرارات، وما اختلف عليه يتم إرجاعه لرئيس الجمهورية للبت فيه.. فماذا يصنع البرلمان في هذه الحالة؟.
- نحن نعيش وضعًا لا قانونيًا منذ فترة ليست بالقصيرة، ورب ضارة نافعة. فهذا هو الوقت المناسب للعودة الى بديهيات الأمور والعودة الى المؤسسة التشريعية "البرلمان" والتحضير لانتخابات رئاسية وبرلمانية خلال الثلاثة أشهر القادمة. الإخوة في جماعة الحوثيين ضيّقوا الخيارات الى حد لا يمكن قبوله، فإما أن يتم تنفيذ اتفاق السلم والشراكة كاملًا وتنسحب الميليشيات من المدن، وتعمل الحكومة دون العراقيل التي وضعت أمامها، عبر ما يسمى اللجان الثورية والشعبية التي من الممكن أن تعمل، إن كانت جادة، بالشراكة مع هيئة مكافحة الفساد والجهاز المركزي للرقابة.
> ماهي السيناريوهات المتوقعة لليمن خصوصًا أن المحافظات الجنوبية وبعض المحافظات الشمالية أيضًا تستعد للانفصال؟.
- كل التصريحات وردات الفعل الأولية على إسقاط الدولة ودار الرئاسة واستقالة الرئيس والحكومة لا تبشر بخير، ومن الصعب الجزم بأي سيناريو قد يتحقق إلا أن كل السيناريوهات، وأكثرها جنونًا وأقلها توقعًا، قد تتحقق ما لم يرشد الحوثيون خطابهم ويخفضوا مطالبهم وغيّهم، وتقديم أنفسهم كدولة بديلة عن مؤسسات الدولة عبر لجانهم الشعبية والثورية، يجب وضع الحوثيين أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن يمسكوا بزمام الأمور ويأخذوها ويتحملوا تبعات مغامرتهم وما أقدموا عليه من إسقاط للدولة بقوة السلاح ويكونوا المسؤولون أمام الشعب، وإما أن يلتزموا بالاتفاقات وما أكثرها وينسحبوا من المدن ويسمحوا للحكومة بالعمل دون وضع عراقيل، إو إيجاد دولة موازية، وبجانب، الدولة. كل الخطوات الجنونية التي لم يقدم عليها الحراك لا أثناء الانتهاكات، ولا حتى جناح الصقور وفك الارتباط في 30 يونيو الفائت أقدموا عليها بسبب الحوثي وإسقاطه للدولة (كإيقاف الرحلات الملاحية في مطار عدن مثلًا).
> ما احتمالات تحول الصراع في اليمن إلى حرب طائفية؟.
- واردة بقوة، من حيث المبدأ، ورغم تغاضي النخب السياسية، سبق أن قلت في أكتوبر الفائت إن احتمالات نشوب الحرب الطائفية في اليمن عام 2015 أعلى منها وقت نشوبها في سوريا عام 2012. الحرب القذرة التي دمرت الدولة وأنهكت الشعب السوري، لنحلل الموضوع بشيء من الموضوعية والتبصر.
كان لدى السوريين دولة في 2011 وقت كان لدينا "شبه" دولة. أما الآن فلا دولة لدينا ولا حتى شبه!
كان لدى السوريين أفضل إنتاج سينمائي عربي في وقت ليس لدينا قاعة عرض، وليس إنتاجًا سينمائيًا واحدًا.
كان لدى السوريين فنون جميلة وأوركسترا ومسرح، وقت لدينا مشايخ و60 مليون قطعة سلاح (ربما تضاعف الرقم).
كان لدى السوريين مصانع واكتفاء ذاتي وناتج محلي مستقر، وقت كنا نعتمد على مساعدات المانحين فكيف وقد بلغ عجز الموازنة 5 مليارات دولار؟.
لم يكن لدى السوريين في 2011م مناطق خارجة عن سيطرة الدولة وقت كانت مدن ومحافظات عدة خارجة عن سيطرة الدولة اليمنية.
لم يكن لدى السوريين قبل نشوب الحرب أي جماعات مسلحة كما هو الحال في اليمن: لا قاعدة، ولا جيش عدن أبين، ولا الحوثيين، أنصار الشريعة، ولا مسلحي المشايخ وكتائبهم وألويتهم، وخلال عام واحد فقط صار في سوريا عشرات التنظيمات المسلحة، فما بالكم باليمن البلد المنفتح على الخارج وعلى السفراء والمخططات الأجنبية أكثر من أي بلد عربي من بلدان الربيع العربي، ولديه مقومات دينية لا تقل إغراء عن تضاريسه الجبلية الوعرة والمثالية للجماعات الخارجة عن القانون والميليشيات المسلحة؟.
لدى السوريين تضاريس سهلة وتضاريسنا وعرة جبلية وصعبة.
لدى السوريين نسبة أمية ومعدلات تهرب من التعليم أقل أضعافًا من اليمن.
لدى السوريين تنوع غني في الإثنيات والأديان بينما لم يكن لدينا إلا الأقلية اليهودية التي هجّرها الحوثيون من صعدة.
لدى السوريين تراكم حضاري وإرث إمبراطوريتين رومانية وأموية ولدينا إرث نظام كهنوتي متخلف عزل اليمن عن العالم لقرون طويلة.
حدود سوريا صغيرة ومن الممكن مراقبتها وضبطها، بخلاف حدودنا المفتوحة والشاسعة التي يصعب مراقبتها (2300 كم بحرًا فقط). أيضًا لدى السوريين تجمعات سكانية قليلة بينما لدينا أعلى تجمعات سكانية في العالم العربي (136 ألف تجمع سكاني بما يعادل 5 أضعاف مصر).
كان القرار السوري الخارجي أكثر استقلالية مما هو عليه في اليمن قبل وأثناء انزلاق سوريا للحرب فكيف الآن واليمن تحت الوصاية الدولية والبند الـ 7.
> كيف تقرأ مستقبل الحركة الحوثية في ظل ما تمارسه من قمع وانتهاكات ونهب ومصادرة وتكميم للأفواه؟.
- الجماعة الآن خسرت الكثير، وتخسر أكثر. لقد كشفت، وتحولت من جماعة كانت تدعي المظلومية الى جماعة تمارس الظلم والقهر. ويكفي العودة مثلًا إلى بيان عبد الملك الحوثي الذي أصدره يوم اعتقال توكل كرمان في 2011م يدعي فيه الدفاع عن حرية الصحافة واحترام الحقوق معتبرًا الصمت عن الانتهاكات المدنية جريمة بحد ذاته، في حين هو الآن يمارس كل ما كان ينتقده من انتهاكات وأسوأ بكثير.
> تمكن الحوثيون من السيطرة والاستحواذ على منظومة الأسلحة الخاصة بقوات الجيش والأمن كاملة - برأيك ما السبيل الأمثل لاستعادة ذلك، وتجنيب الشعب اليمني التبعات المستقبلية لبقاء تلك المنظومة بيد الميليشيات؟.
- مع الأسف المؤسسة العسكرية دمرت وقد تحتاج سنوات وعقودًا حتى تستعيد عافيتها. ما قام به الحوثي هو أكبر عملية نهب وتدمير للمؤسسة العسكرية وكان ذلك نتيجة سياسة الحياد التي انتهجتها الدولة وتحول وزارة الدفاع إلى وسيط بين فصيل ولواء عسكري تابع لها وبين جماعة مسلحة. كل ما حدث سببه تعطيل مؤسسات الدولة لحساب لجان الوساطة الرئاسية وسياسة الرئيس هادي في إدارة الصراعات، وسقوط عمران ومباركة الدولة والرئيس ما جرى في عمران. سقوط صنعاء وكل التداعيات ما هي إلا نتيجة بديهية لما جرى في يوليو 2014م. لقد دمر الجيش على مرحلتين عبر الهيكلة لحساب الإخوان، وعبر"الدمججة" لحساب الحوثيين الذين أدمجوا بشكل واسع في جهاز الأمن والشرطة ويفاوضون على تجنيد عشرات الآلاف في الدفاع، وقد شرعوا في ذلك ما يعني مزيدًا من "ملشنة" الجيش، واستحالة قيام جيش وطني.
> كيف تسير الحياة في الساحة اليمنية اليوم؟ وما التغييرات التي طرأت بعد سيطرة الحوثيين على الدولة؟.
- يكفي أن يخرج أحدنا بعد الساعة العاشرة مساء ليرى قلب العاصمة وشوارع حدة والتحرير والزبيري خالية تمامًا الأمر لم يحدث في ذروة مواجهات الحرس في 2011 ولا في أسوأ الظروف، بكلمة لقد صارت صنعاء "صنعاهار" على وزن قندهار في أفغانستان.
> برأيك كيف سيسهم الوضع الاقتصادي بصورته القاتمة في تدهور الحالة المعيشية للإنسان اليمني وتعقيد مسار العملية السياسية؟.
- رغم أني شخص متفائل غير أنني لا أستطيع في هذه الأوقات التفاؤل، لأنه سيبدو خيانة.
لماذا؟
- لنتحدث بالأرقام، عاشت اليمن أزمة اقتصادية هي الأسوأ العام الماضي، غير أن "جحيم" 2014 قد يبدو "نعيمًا" مقارنةً بما هو متوقع خلال النصف الأول من 2015م على أقل تقدير.
ذلك أن الحكومة السابقة عجزت عن توفير المشتقات النفطية والبنزين في وقت كانت فيه أسعار النفط عالميًا تتراوح بين 100 و120 دولارًا عن كل برميل، وبلغت عائداتها من تصدير النفط 4 مليارات و800 مليون دولار. الآن أمام الحكومة الجديدة مصاعب مضاعفة داخليًا وخارجيًا. فقد انهارت أسعار النفط عالميًا وانخفض سعر البرميل إلى ما دون 50 دولارًا (أي أقل مما هو مقدّر في موازنة الدولة 75 دولارًا)، كما انخفضت عائدات تصدير النفط إلى أكثر من النصف، نتيجة تفجير أنابيب النفط، بحيث لم تتخط العائدات الكلية خلال 10 أشهر من عام 2014م مليارًا و300 مليون دولار فقط، حسب آخر تقرير للبنك المركزي.
وفق ذلك، إلى جانب عوامل سياسية أخرى كتعليق بعض المساعدات السعودية مع سيطرة الحوثيين، باتت قدرة الحكومة الجديدة على دفع مرتبات موظفي الدولة، وليس تأمين الاحتياجات الأساسية، موضع شك، خاصة مع استمرار معادلة "ارتفاع النفقات وانخفاض الإيرادات" على نحو كارثي نتيجة تجنيد الآلاف من الحوثيين، القوى الصاعدة، وتضاعف عمليات تفجير أنابيب النفط وعجز، وتقاعس، الدولة عن حماية أهم مورد اقتصادي.
> مؤخرًا خرج العديد من الشباب في العاصمة صنعاء في مسيرات ومظاهرات واحتجاجات ضد ممارسات وانتهاكات جماعة الحوثي التي بدورها تواصل قمعهم والاعتداء عليهم .. ما هي توقعاتك لتداعيات ذلك؟.
- ما من شيء أكثر خدمة للحوثيين من مواجهتهم بالشعارات الطائفية والمذهبية أو بالسلاح والإرهاب، وما من شيء يفضح الحوثيين ويعريهم أمام الرأي العام ويجردّهم من امتياز ادعاء المظلومية ويضعفهم تمامًا، حتى لدى بعض أتباعهم، مثل مواجهتهم بالعمل المدني السلمي. ما يقوم به الشباب وطلبة جامعة صنعاء عظيم ويبعث في اليمنيين الأمل بعد طول إحباط إنما ينبغي على الشباب الحزبي مواجهة قادة أحزابهم والإطاحة بهم لأنهم شركاء ومتسببون، بالشراكة أو التقصير، فيما وصلنا إليه من أوضاع، ويتوجب على من يدعو الى مظاهرة أن يكون عند المسؤولية ويرتب كل شيء، وألا يلقي بالشباب إلى التهلكة وأن نتعلم من أخطاء وانتهازية بعض القوى في 2011، وإن كنت آمل ألا نعود إلى الشارع لأن ذلك يعني العودة إلى نقطة الصفر لكن ما العمل في ظل تعنت جماعة الحوثي وإصرارها على الاستئثار واختطاف بلد!
> ما هي تصوراتك للحلول الناجعة لإخراج اليمن من اتون الأزمات والصراعات التي تعصف به؟.
- كان لدى اليمنيين فرصة عظيمة سنحت منذ 2012 إلا أنه تم إهدارها بسبب النخب السياسية والرئيس والمبعوث الأممي جمال بن عمر الذي كان وراء كل الاتفاقات الرديئة التي نعيشها الآن. والحل لن يكون عبر الخارج وإنما من الداخل والحل الوحيد والدائم والأكثر استقرارًا وأقل كلفة هو الدولة القوية الدولة العادلة. دولة المواطنة المتساوية وسيادة القانون، لا أن نستبدل أبناء صالح بأبناء الشيخ وعلي محسن، ولا أن نستبدل أحمد بجلال، ولا أن نستبدل علي محسن بالحوثي وميليشياته. الحل هو دولة راعية وحافظة لحقوق الجميع بمن فيهم من ذكرت. ويؤسفني القول جازمًا، إن الحمم البركانية ستتقاذف في الجنوب، وأن البلد ككل شمالًا وجنوبًا قد ينزلق للنموذج العراقي والسوري، ليحفظ الله اليمن وأهله ويجنبنا كل مكروه وفتنة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق