1- ابتداءً يجب
القول بان الملكة " الجمالية " متأصلة في الإنسان , حيث تعرف كل
التجمعات البشرية - من القبائل البدائية الهمجية وحتى المجتمعات الحديثة - عمليات
متفاوتة لإنتاج الجمال وتذوقه .
(تحية لحملة " 12 ساعة )
2- باستحضار
الفكرة السابقة , لا يجوز تفسير غياب او شحة فن من الفنون في ثقافة اي مجتمع
بالقول انه يفتقد لحاسة " التذوق الجمالي " .. فهذا كلام سطحي تقوضه
الدراسات الانثروبولوجية والاثرية , وبالتالي ليست لهذه المقولة اي مقدرة تفسيرية
, بالاضافة الى كونها مقولة عنصرية لا اخلاقية , ويكون التفسير السليم في نظرنا في
وضع هذه الظاهرة في سياقها التاريخي والاجتماعي.
3- من الثابت ان
الثقافة اليمنية تعاني غياب كثير من الفنون - مثل السينما - او شحة في انتاج بعض
الفنون وتذوقها مثل الفن التشكيلي , واذا ما اردنا مناقشة هذه الظاهرة الاخيرة -
موضوع هذه الافكار - فاننا نجد سببين رئيسيين : الاول هو غياب مؤسسات الدولة
الثقافية التي تتبنى توجهات تعتمد فكرة قسر المجتمع على الاحتكاك بالعمل الفني ,
وليكن معلوماً انه لا يوجد مجتمع انساني " يتميز " بانتاج الفنون
وتذوقها عن غيره من المجتمعات , فتنمية التذوق الفني عملية تربوية في الاساس لنزعة
متاصلة في كل الثقافات .... السبب الثاني هو ان المجتمع اليمني لم يعرف "
الطبقة الارستقراطية " التي شجعت تاريخياً الفنون والابداع الفني , اليمن
تعرف طبقة الاثرياء ولكنها لم تعرف " الارستقراطية " بتقاليدها
ومكرساتها , ذلك ان جزءً كبيرا من طبقة الاثرياء في اليمن مكون من مشائخ قبائل وسياسيين
فاسدين .. وهؤلاء لم يكونوا من طبقات معروفة بثرائها عبر مراحل تاريخية طويلة
نسبيا بحيث تتكرس فيها تقاليد واعراف تحولهم من " اثرياء " الى
ارستقراطيين " , فهم في الغالب الاعم من السوقة والرعاع الذين لم يتهذبوا
بالتعليم الرفيع ويتربوا على تذوق الجماليات.
4- مع فهم واستبطان
الافكار السابقة , يمكننا ان نقدر جيداً الدور الذي يلعبه الراسمون على الجدران في
اليمن , والذين قاموا بحملات فنية مهمة مثل " الجدران تتذكر وجوههم "
والان حملة " 12 ساعة " .. فهم هنا يقومون فعلياً باجبار الملكة
الجمالية الجمعية على الاحتكاك بالفن .. وهذا عمل لا يستهان به اطلاقاً ..
بالاضافة الى ان الفن التشكيلي هنا " فن مسيّس " يحمل قيمة اخلاقية ,
وهذا مهم لجعل التفاعل الجمالي مع العمل الفني يصل الى افضل حالاته الممكنة في
مجتمع يعاني من غياب الدولة التي كان يتوجب عليها تادية جزء كبير من مهمة "
التربية الفنية " .. ما يقوم به الراسمون على الجدران في اليمن هو تمظهر جزئي
حقيقي لفكرة " المجتمع المدني " في راينا
.
5- ختاماً , تمثل
الفكرة الداخلية في حملة " 12 ساعة " نموذجاً لباقي الموهوبين في الحقول
الفنية الاخرى : ان تواجه الذائقة الجمعية بالعمل الفني لا ان تنتظر الاتيان اليك
... بالامكان ان يستلهم العازفون على الالات الموسيقية مثلا هذه الفكرة بالنزول
الى الشوارع واسماع الناس الاعمال الموسيقية الرفيعة .. ان يقوم المغنون الشباب
بكسر حالة الابتذال بانتاج " الاغنية السياسية " التي كان من المأمول ان
تشهد ظهوراً وانتشاراً بعد ثورة فبراير ... نعتقد بان هذا سيساهم في خلق تجارب
وخبرات جمالية مهمة في المجتمع اليمني ستؤتي اكلها مع الانتشار الكمي والتراكم
الزمني .
أيمن نبيل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق