الطاغوت لن يعدك بمستقبل أفضل لكنه يفاضلك بينه
وبين خيار اسوأ، وضمن هذه المفاضلة هو يسير بك للأسوأ. هكذا سار بنا علي صالح
لفزاعته الفوضى وسار بنا الاصلاح لفزاعته الحوثي ويسير بنا الحوثي لفزاعته
القاعدة، وفي كل هذا لم يكن الطاغوت حلاً بل مشكلة. الطاغوت ليس فقط مستبد ينتقص
من آدميتك بل أيضاً جاهلاً وعابثاً يسرق حاضرك ومستقبلك.
يحرمك الحلم ليقدم لك مخاوف جديدة كل يوم، ولا يحق لك التساؤل لماذا صارت هذه البدائل واقعك؟
نص المقال:
وعد الطاغوت حقيقة لو لم نسقطه
-------------------------------------------
قال الرئيس السابق علي صالح:" اليمن ليست سوى
قنبلة موقوتة" هكذا لخص تلخيصاً مكثفاً وحقيقياً نتاج ثلاثين عاماً من حكمه،
كان علي عبدالله صالح يهدد بالفوضى بديلاً والبعض كان ينجر لهكذا مفاضلة ويختار
رئيساً فاسداً لا فوضى، لكن هكذا خيار حتى يبدو سليم وصحيح فعليه يجب أن يكون صالح
آلهة حي لا يموت حتى لا يمكن مواجهة بديله يوماً، ومن يقعون بهكذا خيارات عادة
يؤمنون بأنصاف الآلهة مخلصين لهم، ولا يؤمنون بقدرات البشر في خلق مستقبل أفضل
يليق بهم.
الطواغيت دائما يختارون البدائل الاسوأ ويسعون
لاستدامتها، ليحكموا بعقلية شمشون "عليا وعلى اعدائي" أو " أنا ومن
بعدي الطوفان". والانجرار لخياراتهم وبدائلهم لا يحمي احد من البدائل الأسوأ
ابداً، فكما هو دوام الحال من المحال كذلك الطاغوت لا يسكن له بال إلا بتوفير كل
بديل سيء والاحتفاظ به فزاعة.
تعرف الطاغوت من بدائله وتعرف حجم سوئه من حجم سوء
البديل الذي يطرحه ويقارن نفسه به، وهكذا الحوثي لم يجد طرف اسوأ منه سوى القاعدة
ليثير فزعنا ويقارن نفسه بها حتى يبدو أقل تطرفاً وعنفاً. لكن هل البدائل فعلاً
مختلفة أم الطواغيت يختارون بدائل تشابههم وقريبة منهم؟ فهل كان علي عبدالله صالح
عهده عهد نظام واستقرار أم أقرب للفوضى؟ هل ما قدمه الحوثي حتى الآن السلم والأمان
أم العنف والتفجيرات؟
الطاغوت لن يعدك بمستقبل أفضل لكنه يفاضلك بينه
وبين خيار اسوأ، وضمن هذه المفاضلة هو يسير بك للأسوأ. هكذا سار بنا علي صالح
لفزاعته الفوضى وسار بنا الاصلاح لفزاعته الحوثي ويسير بنا الحوثي لفزاعته
القاعدة، وفي كل هذا لم يكن الطاغوت حلاً بل مشكلة. الطاغوت ليس فقط مستبد ينتقص
من آدميتك بل أيضاً جاهلاً وعابثاً يسرق حاضرك ومستقبلك، يحرمك الحلم ليقدم لك
مخاوف جديدة كل يوم، ولا يحق لك التساؤل لماذا صارت هذه البدائل واقعك؟
لا يحق لك التساؤل لماذا صارت القاعدة نشطة كما لم
يسبق لها من قبل، لأن هكذا تساؤل فيه تواطؤ مع جرائم القاعدة. وبمنطق سابقه علي
صالح في رده على الطيارات بدون طيار، قال" الطيارة جات من السماء ايش
نعملها؟" وكأنه غير مسؤول عن عبث جرى داخل البلد حتى صارت مصدر خطر وسيادة
وطنية صارت منتهكة، يأتي لنا الرد الحوثي بعد كل تفجير للقاعدة: القاعدة موجودة في
كل مكان وكانت موجودة باليمن قبل 21 سبتمبر، ويتعامى على حقيقة تصاعد هجماتها بعد
تقويضه الكلي للدولة اليمنية.
القاعدة لم تأت من السماء بل هي نتاج واقع الأرض،
هي نتاج فكر ديني متطرف وسياسات دموية وتوجهات اقتصادية ظالمة، هي نتاج لهذا كله
مجتمعاً بكل ابعاده الثقافية والسياسية والاقتصادية، لا بعد يلغي آخر. وفارق بين
هجمات للقاعدة متفرقة وفردية في أوروبا نتاج مشاكل تتعلق باستيعاب المهاجرين
والسياسة الخارجية والفكر الديني المتطرف، وهجمات للقاعدة يومية في العراق المُصنع
طائفياً.
الدول التي تعاني من ضعف للدولة جراء فسادها
واستبدادها تواجه الارهاب اكثر من غيرها، أما الدول التي يتم سد أفقها السياسي
وتدمير كل ملامح الدولة فلن تجد أمامها طريق سوى العنف والإرهاب من مختلف الأطراف،
لأن البديل في هذه الحالة هو التمزق المجتمعي وتقويض كل امكانات السلم السياسي. من
يتسبب في هذا لا يمكنه ابداً أن يكون معفي عن مسؤولية كل عنف يجري ولا يمكن تبرئته
وتصويره كحل محتمل لمخرجات عنفه واسقاطه لعاصمة الدولة وتقويضه لعمل جميع مؤسسات
الدولة.
بل إن الحوثي في بيانه لإدانة تفجيرات إب حمل
الدولة مسؤوليتها الطبيعية في تقصيرها الأمني، إذن الحوثي اتجه بشكل منطقي جداً
نحو الدولة موجهاً لها اصبع الاتهام لما جرى، فالدولة هي المسؤول الطبيعي عن أمن
مواطنيها، لكن الحوثي تغافل عن حقيقة إن الدولة صارت في خبر كان بسبب ما فعله في
21 سبتمبر، وهو طرح نفسه بديل لها عندما نشر لجانه الشعبية في الشوارع وصار يكافح
الفساد من خارج مؤسسات الدولة ليضمن انعدام الرقابة والمساءلة لما يفعله.
من الطبيعي إن من يتحمل مسؤولية تأمين حماية البشر
هو الدولة وعند غيابها يتحمل مسؤوليتها القوة العسكرية المتحكمة في ذلك المكان
والزمان، لذا توجيه الاتهام للحوثي في تسببه لما جرى بإب له علاقة قوية بإن الحوثي
من جهة صار هو المسؤول عن أمن المواطن بنشره للجان الشعبية عوضاً عن أمن وجيش
الدولة، كذلك لأنه عزز من وجود القاعدة بتوفيره بيئة سياسية مشجعة وحاضنة اجتماعية
واسعة للتنظيم بسبب تقويضه للدولة وتجريفه للعمل السياسي بالانحياز الكلي لمنطق
السلاح وشحن البلاد طائفياً ومناطقياً بشكل غير مسبوق.
الحوثي هو السبب وليس بالضرورة الفاعل وهذا أمر
يستدعي تحقيق، والسبب لا يمكن أن يكون حل. والحديث عن الحوثي كسبب ليس فيه توظيف
سياسي ولا تعصب أعمي بل فيه تسلسل منطقي، فلولا طائفية المالكي ما كانت داعش،
وقبلها لولا استبداد صدام ما كان الاحتلال الأمريكي ومن ثم لولا الاحتلال الأمريكي
لما كان العراق الطائفي. هذا التسلسل الزمني لتطور عهد الطاغوت من مرحلة سيئة
لأخرى اسوأ.
التوظيف السياسي للحدث هو نصب القاعدة فزاعة لنا
حتى نرضي بالحوثي هو وضعنا في مفاضلة بين السيء والاسوأ ، بين العنيف والأعنف، بين
البشع والأبشع، وكأننا لا نستحق حياة أفضل تليق بنا كبشر، وكأن المفاضلة بين درجات
القبح والسوء هو قدرنا، وكأن الاقتراح بأن هذا أقل سوء من ذاك سبب وجيه فعلا ويعطي
امتياز اخلاقي وانساني يستحق النظر فيه. المسألة ليست كذلك، فلا يمكن مجابهة العنف
والتطرف بعنف وتطرف مضاد، هذه معركة خاسرة منذ أولها وتنعدم لأي غطاء اخلاقي
وانساني.
من قبل انحاز حزب الاصلاح لحرب الميلشيا ضد الحوثي
ولم ينحاز للدولة وكانت النتيجة انتصار الميلشيا الخالصة والاسوأ وهو الحوثي،
واليوم ينحاز الحوثي لمفاهيم اللادولة ولمفاهيم الطائفة والعنف حتى يحارب القاعدة،
وسوف تكون النتيجة انقسام البلد بين الطرفين العنيفين والمتطرفين، ليست نبوءة بل
تسلسل منطقي آخر.
الحوثي الذي استنكر في بيانه استهداف المناسبة وليس
البشر مثله مثل القاعدة الذي ذهب مجرمها مستهدفاً المناسبة ولم ير البشر، الحوثي
هو ذاته الذي واصل احتفالاته الصاخبة بعد يومين فقط من التفجير متجاهلاً احزان
ابناء مدينة إب لا يحق له المزايدة بدماء الابرياء في تفجير إب، الحوثي الذي يفجر المنازل
أينما حل وبإسقاطه كل مظاهر الدولة هدد أمن ومستقبل كل مواطن لا يحق له وعظنا بقيم
الانسانية، الحوثي الذي قفز على مطية فقر اليمنيون وحاجتهم وينفق مئات الملايين من
خزينة دولة فارغة لاستعراض نصره السياسي في مناسبة دينية لا يحق له المزايدة بقيم
الدولة المدنية ومحاربة الفساد، والحوثي الذي يرى في الرسول جد للسلالة المقدسة
وليس صاحب رسالة سماوية لكل البشر لا يمكنه أن يقدم لليمنيين إلا المزيد من
الكراهية والبغضاء.
الحوثي الذي ظل يزايد وينشر دعايته عن نموذج صعده
ومتغنياً بأمان صعده، نشهد اليوم بعد اسقاطه صنعاء اسوء موجة ارهاب تجتاحنا
والانتهاكات تصيب اليمنيين من كل جهة سواء بسبب لجانه الشعبية أو الفوضى الغارقة
فيها البلد أو تفجيرات القاعدة، ليس فقط لأنه لا يمكن تكرار نموذج صعده المعزولة
في مدن مفتوحة مثل صنعاء والحديدة وإب. بل لأن اسوء ما في البشارة الحوثية إن الأمان
الذي حققه بصعده هو أمان الخوف وليس أمان السلم والاستقرار، صعده التي لا ندخلها
سوى بإذن من الحوثي ولا يمكن التجول بشوارعها إلا بحراسة حوثية. صعده التي تخلو من
مدرسة نموذجية أو عيادة طبية نموذجية، لكن النموذجي بمنطق الدول البوليسية
والديكتاتوريات الدينية هو الأمان وليس التنمية، هو الأمان بسبب الخوف وليس بسبب
العدالة. هذا ما يعدنا به الحوثي، هذا وعد كل الطواغيت، وعد الخوف، أنا أو
القاعدة، وعد الطاغوت حقيقة لو لم نسقطه.
عن صفحتها على فيسبوك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق