"إن أردتَ قمة الإحكام فالشيخ محمود الحصري
وإن أردتَ الفن الرفيع فالشيخ مصطفى إسماعيل،
وإن أردت قمة الجمال فالشيخ عبدالباسط عبد الصمد،
وإن أردتَ هؤلاء جميعاً في صوت واحد، لا يعلوا عليه صوت، ولا فن، ولا موهبة، ولا عقل جامع، ولا دراية وفهم عميقين لما يقرأ: فالشيخ محمد رفعت". هذا أكثر وصف مكثف ومنصف للشيخ محمد رفعت وإمكانياته الصوتية الخارقة، قاله الشيخ/ محمد متولي الشعرواي، في مقدمة كتاب "أصوات من السماء" للصحفي المصري محمود السعدني.
مثل سطح الجبل كلما صعدنا إلى الأعلى نحو قمته، يضمُر وينكمش للداخل، كذلك يحدث لمعظم الأصوات البشرية: ما إن تصعد إلى أعلى طبقات الصوت وسلالمه الموسيقية حتى تقل قوتها ويبهت بريقها، وتهتز ذبذباتها وتنكمش إلى الداخل، كما في مقام الرست مثلا. بعبارة أخرى: معظم الأصوات البشرية، أكانت لمقرئين أو مطربين، في الطبقات المرتفعة تخرج من الحنجرة على شكل مثلث بزواية قائمة أو على شكل جبل يضمر وينكمش إلى الداخل بالصعود أكثر فأكثر إلى قمته. وحده شيخ المقارئ المصرية الشيخ الراحل محمد رفعت الوحيد، الذي يكاد يخرج صوته مستقيماً ثابتاً على شكل "خزْنة" دون اهتزاز أو أدنى ذبذبة.
إنه صوت خارق من السماء.
أنا اعتبر النظر نوعاً من التشتيت. عندما يسمع أحدنا عملاً عظيماً ومؤثراً، ألا يغمض عيننه تلقائياً كيما يتذوقها، أو يراها بعينيه الداخليتين: ببصيرته. ولهذا أقول إن الذين حرموا من نعمة البصر، امتكلوا مخيلة خرافية".
هذا ما ينبّه إليه الموسيقار العراقي وأشهر عازف للأوركسترا العود نصير شمة أثناء حديثه عن الشيخ محمدرفعت.
تخيلوا شخصاً مغمض العينين باستمرار.
تذكرني هذه اللفتة بعبارة تخيلية للشاعر أنسي الحاج: "كسهولة كل شيء عند إغماض العينين".
ويضيف نصير شمة: "إن ذبذبات صوت الشيخ رفعت كانت تصل الى 3000 الف شخص سواء في القاعات المفتوحة والمغلقة رغم صعوبة وصول الصوت عملياً في الأماكن المفتوحة.
وفي مقابلة إذاعية قال موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، الذي كان من أقرب المقربين من الشيخ رفعت، ككثير من مثقفي وفناني ذلك العصر ولعل أكثرهم اثارة للاندهاش المؤرخ اللبناني الشهير أمين الريحاني المسيحي ديانة.
يقول محمد عبدالوهاب في تواضع الكبار: "لقد كنتُ صديقه وتحت رجليه" في الوقت نفسه.
ويضيف: "كنا أصدقاء حميمين في معظم الأوقات، فإذا قرأ الشيخ القرآن أتحول من صديق إلى خادم".
ويزيد "كنت أحس في صوته أنه فعلاً بيخاطب الله" منوهاً "الشيخ محمد رفعت لم يكن مقرئاً أو محترف قراءة، وإنما كنت بأحس قبل أن يقرأ الآية، أنه فعلا بين يدي الله وبيقراها له فعلا".
ويضيف عبدالوهاب "الإيمان مختلط بصوته، وصوته مختلط بالإيمان".
الى سامي غالب:
استمع يا صديقي، وأنت السمّيع المرهف، إلى وقع ونطق حرفي القاف والعين خاصة وشدة وضوحهما ومدى تلونهما في التلاوة كما في جل تلاوته الآسرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق