السبت، 25 أكتوبر 2014

ليتني

خالد عبدالله رويترز
ليتني ولدتُ في زمن، أو بلدٍ، أو كوكبٍ آخر
ليتني ولدتُ ملاكاً مهمّته الوحيدة
ملاعبة الأطفال الرّضع
أو قابضَ أرواح  يخلّصُهم من عِبء الحياة.

ليتني العُشبة النابتة بين حَجَرين.
ليتني ولدت، بلا أبوين، من خيط سديم أو هلام.
ليتني ولدتُ حجرَ مسْحقةٍ
أو مِيزاب ماءٍ يسكن داخله عصفُوران
أو إحدى حنفيّات باحة مدرسة خالد بن الوليد
أو ذلك العجوز الممتدّ تحت الشمس على صرح الجامع.

ليتني ولدتُ صرصوراً  يؤنس بصفيره الليليّ سكّان المقبرة
أحبُّ تغريد العصافير لكني أكره أدائها الجماعي وميولها للتصفيق.
ليتني حمامةً في تنكة أو غراباً في قفص صدري
أو عصافير تغرد إذ استعرضُ شَعَركِ
ليتني أحد عازفي الكمنجة المتفانين حتى النهاية
على متن سفينة التيتانيك. 
ليتني نشارة خشب
ليتني شجرة معمّرة في ماليزيا
تقضي معظم أيام السنة تتشّرب المطر

ليتني أستطيع الاحتفاظ برائحة الأرض بعد المطر في زجاجة
ليتني جرساً معلّقاً  في عنق إحدى الأبقار الشاردة
ليتني عازف الناي المتقاعد في قاع النهر

ليتني عمود إنارة يُذاكِر تحت
ضوئه طالبان.
ليتني أطفو وحسب.
كالغيوم 
تطفو بالقمّم
كالجثة في النهر
كالنعناعة في الشاي
كالسباحة في البحر الميت
كالقرطاس في حوض سباحة
ومثل المهاجرين في أنشودة السيّاب
أصيح بالخليج أنا أيضاً، يا خليج: ليتني محارة
أو قوقعة في بطن حوت
أو علبة بخور لنازحة صومالية
أو حذاء صيّاد غرق في حرب الكويت
وصار حذاؤه المستقرّ في قاع النهر منزل أُرْبِيان.

ليتني دافينشي
أو ليتني عباس بن فرناس.
يا إلهي كم أحلم بالطيران بجناحين!

ليتني ملاءة
ليتني كيس مخدة
سرير في مستشفى الثورة. ما زلت أحتفظ بروائح أجساد المرضى وأميزها، وظلال أرواح من ماتوا في مناوبتي تتردد عليّ. ما زلت أحتفظ بملايين الذرات من بقايا بول وعَرقٍ ومخاطٍ ومنيّ لمئات مئات المرضى.
 منذ بدء الخليقة
الناجُون أقل من الهالكون.
وكل سرير مستشفى له ذكرياته.
لقد خلّف كل مريض رائحةً ما أو أثراً غير مرئي
على سريره:
بقعةً في الملاءة
أو سعلةً أو نطفة بول
أو حلماً عالقاً في كيس المخدة.

ليتني العجينة لا الفرّان
والشجرة لا الفأس
والسمكة لا
الصياد

ليتني
فقاعات الصابون
التي ينفخُها طفل في الهواء
أو فقاعات نايٍ صاعدة من تحت الماء

ليتني
طيارة ورقية
أو ليتني دفتر رسمي القديم
أو أمنية طفل رمى ضرسه نحو قرص الشمس

ليتني الشمس
إذ تشرق من داخل غار
أو قطع الجليد النازلة من سقف مغارة.

ليتني لا أرى بلدي
وقد صار جثثاً وأشلاء بالشوارع
ليتني أحد أعمدة معبد الشمس بمأرب
ليتني بعض تربة وحجارة ضريح أروى بنت أحمد
أو دودة صمغية مقيمة في جذع شجرة دم الأخوين. ليس قابيل وهابيل بالطبع.

ليتني أكون يا أمي ما تمنيته لي

ليتني كنت أي شيء غيري
ليتني كنت لا شيء ولا أكون غيري.


23/10/2014

ليست هناك تعليقات:

Disqus for TH3 PROFessional