صورة 1 عندما يحلم الطفل أن
يصبح مستقبلاً "سوّاق دبابة"!
الصورة 1: أطفال مدرسة شملان على سور المدرسة (ت:جمال محمد) |
هذه صورة لبعض طلاب مدرسة شملان على تخوم العاصمة
صنعاء وهذا أستاذهم. لدى كل واحد قصة غير محكية. خلف هذا السور كانوا يؤدّون، كل
يوم، طابور الصباح والنشيد الوطني ويمرحون ويلعبون، أو يضربون ويعاقبون، ومنه
وإليه يسيرون في صفوف منظمة أو عشوائية إلى فصولهم. بدلاً عن كل ذلك يوجد الآن،
لحظة التقاط الصورة 1، خلف هذا السور، رتل دبابات ومدرعات ومضادات طيران، في ذات
المساحة التي يتناولون فيها وجبة الإفطار، أما فصولهم الدراسية فقد تحول بعضها إلى
أماكن اعتقال واحتجاز.
أول شيء انجذبتُ إليه عيناي هو أقدامهم: جميعهم
يرتدون صنادل بلاستيكية، بأقدام مكشوفة ومُغبّرة بعض الشيء باستثناء طالب واحد فقط
يرتدي جوارب.
هل يمكن تقييم أوضاعهم الأسرية، من حيث الرعاية والدخل، من خلال ذلك؟
ليس في اليمن.
هل يمكن تقييم أوضاعهم الأسرية، من حيث الرعاية والدخل، من خلال ذلك؟
ليس في اليمن.
صورة 2: احتجاج أطفال مدرسة شملان (ت/مواطنة) |
لقد توجب عليهم الانتظار لمدة أسبوع وتنظيم
عدد من وقفات الاحتجاج أمام المدرسة، كما هو ظاهر في الصورة رقم 2، حتى سمعت
بخبرهم القنوات العربية فامتلئ المكان بمراسلي وكالات الأنباء وممثلي المنظمات
الدولية،
والخصوم الحزبيين والأيديولوجيين للحوثيين، الأمر الذي أجبر الجماعة العقائدية المسلحة على إخلاء المدرسة والسماح للطلبة بالدخول إلى فصولهم. دخل الطلاب وغادرت الدبابات المنهوبة ليس إلى معسكرات الدولة وإنما إلى مخابئ ومواقع، وربما مدراس، أخرى محتلة من قبل مليشيات الجماعة.
والخصوم الحزبيين والأيديولوجيين للحوثيين، الأمر الذي أجبر الجماعة العقائدية المسلحة على إخلاء المدرسة والسماح للطلبة بالدخول إلى فصولهم. دخل الطلاب وغادرت الدبابات المنهوبة ليس إلى معسكرات الدولة وإنما إلى مخابئ ومواقع، وربما مدراس، أخرى محتلة من قبل مليشيات الجماعة.
ما الذي يفكر به الطفل الجالس أقصى يسار الصورة حاد
البصر؟
الصورة 3: طلاب وطالبات مدرسة شملان (انترنت) |
صورة 3: وحدها تهامة غير قلقة من تحويل مدارسها إلى مخازن سلاح!
احتلال المدارس الحكومية ليس بسلوك جديد على
الحوثيين. الجديد إخلاؤها. ذلك أن عدداً من المدارس العامة على طول المسافة من ريف
صنعاء حتى محافظة عمران تحولت إلى ثكنات أسلحة، دون أن تصل إليها عدسات الكاميرا
أو تقارير منظمات الإغاثة لكي يضطر الحوثيون إلى إخلائها تحت ضغط المجتمع. يحدث
هذا في بلد تقول تقارير الأمم المتحدة إن مليوني طفل يمني لا يتمكنون من الالتحاق
بالتعليم الأساسي.
ليست المدارس الحكومية وحدها عرضة للاستيلاء المؤقت
أو الدائم من قبل الحوثيين. منازل خصومهم إما يستولون عليها كما في صنعاء، أو
يفجرونها كما في مدن ومحافظات عدة آخرها في يريم الأسبوع الفائت بمحافظة إب.
إلى ذلك كان منسق الشؤون الإنسانية في اليمن يوهانس
فان دير كلاو قد عبّر عن صدمته لتحويل الإستاد الرياضي في مدينة عمران إلى معتقل
وسجن من قبل مليشيا الحوثي، في بيان أصدره إثر زيارته للمحافظة لم يثر أي أصداء
محلية.
من يدري فلعل مصائب سكان العاصمة وبقية المدن تشعر
سكان الأرياف المظلومين منذ عقود ببعض التحسّن. ففي المناطق الواقعة على طول الشريط الساحلي بين
محافظتي الحديدة وحجة، التي تعدّ من أكثر المناطق فقراً في الشرق الأوسط حسب تصنيف
لمنظمة إغاثية دولية، لن تثير رؤية الطلاب يتعلمون في حقل فلّ، أو تحت عبّارة مياه
تصريف الأمطار استغراب أي من السكان المحليين. ذلك أن العديد من أبناء ريف تلك
المناطق الشاسعة ليس لديهم مدارس كتلك في صنعاء: بباب وحارس وسور خارجي وفصول
وكراسي وطباشير وسبورة. إنهم يدرسون في الحقول، دون سبورة أو خزانة كتب
و"كماليات" المدينة.
بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، تمددوا إلى
محافظات الحديدة ثم إب ثم البيضاء وكأن احتلال المدن يتطلب أولاً احتلال المدارس.
في إب والبيضاء تدور معارك عنيفة بينهم وبين سكان محليين مقاومين ورافضين، وبينهم
وبين القاعدة في الأخيرة. الدولة مثلها مثل أي قارئ للمقال أو مشاهد للقنوات
الإخبارية: تشاهد وحسب. في أحسن الأحوال تشكل لجنة وساطة وترضي هذا وتتخلى لذاك عن
بعض وكل صلاحياتها وواجباتها.
الشيء الوحيد الذي يبعث نوعاً من التفاؤل لدى أبناء
تهامة، أو ربما يشكل عزاءً، أن مدارسهم المعمورة والمكونة من فصول وباحة وسور
قليلة، وأن عدداً ليس بقليل من أبنائهم يتلقون التعليم في الحقول والسهول،
وبالتالي ليسوا قلقين من أن يحوّلها الحوثيون مع دخولهم الحديدة مؤخراً، إلى مخازن
للأسلحة الثقيلة والدبابات.
__________________________
صورة 4: منظر رومانسي: خمس
دبابات أمام المنزل!
خمس دبابات في نزهة داخل حارة شعبية وسط منطقة
شملان.
كانت هذه الصورة، مجهولة المصور، أكثر الصور
انتشاراً في وسائل الإعلام التواصلي لعدة أيام، وكان التعليق الأكثر تداولاً هو:
"خمسة حوثيين مخزنيين (يتناولون القات) عند واحد صاحبهم".
لا يكاد يخلو خطاب لزعيم جماعة أنصار الله دون أن
ينتقد ويذم الفساد والفاسدين، وكأن سرقة ونهب دبابات وسلاح الدولة الثقيلة من
الأعمال الخيرية!
التقطت صورة الدبابات المنهوبة في شملان ذات
المنطقة التي تحولت خمس من مدارسها إلى ثكنات لتخزين الأسلحة وأماكن احتجاز حسبما
قالت منظمة مواطنة لحقوق الإنسان. تعد شملان البوابة أو المدخل الشمالي للعاصمة،
وقد شهدت هذه المنطقة معارك عنيفة لمدة أسبوع، بالأسلحة الثقيلة، قبل سقوط العاصمة
وتوقف القتال. السؤال الذي أرقني: ما شعور سكان الحي وأطفالهم يستيقظون كل صباح
على هذه المنظر الرومانسي؟
بعض أطفال منطقة شملان مكثوا مع أسرهم في منازلهم
خشية نهبها. بعضهم نزح مع أسرته مؤقتاً إلى وسط البلد، بعيداً عن الاشتباكات
المسلحة، ثم عاد بعد توقف القتال. التقى الطفل الأول بالثاني وذهبا إلى المدرسة
فوجدا أن الحرب التي هربا منهما كل بطريقته -الأول بالمكوث في بيته في مناطق
الاشتباك والثاني بالنزوح- ما زالت تلاحقهم، وأن دباباتها وغنائمها قد احتلت
المكان الذي يجمعهما وينقلهما نحو المستقبل والوجود الحضاري.
-------------------------------------------------
نشرت مقتطفات منه في موقع السفير العربي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق