لا يمكن أبداً مساواة جندي يرتدي زي الدولة ويمثلها بأي
جماعة مسلحة أياً كانت وفي أي ظرف. إما أن تكون دولة وإما لا تكون. حتى عندما
يرتكب الجيش، أفرادا أو قادة، انتهاكات وجرائم إنسانية، فإن عقابهم لا ينبغي أن
يخرج عن كونه عقاب لمنفذ وحامٍٍ للقانون، انتهكه عمداً أو من دون قصد، أثناء تأدية
مهامه. الجندي جندي لا قاطع طريق، قد يخطئ الجيش، وقد تراق دماء يمنية
إن الذين يحرضون على الجيش بدوافع حزبية أو
أيديولوجية أو مناطقية هل يدركون فداحة ما يقومون به؟ أعداد كبيرة من هؤلاء الجنود
إنما هم ضحايا مثلكم إن لم يكن أكثر. أكلهم كدم وحياتهم كفاح. لا تأمين ولا معاش
كريم. حتى وجباتهم الغذائية يسرقها بعض القادة الفاسدون، وما أكثرهم، في الجيش.
أعداء يدمرون الجندي نفسياً ومعنوياً من الداخل، ومن الخارج أعداء أشد فتكاً وتربصاً.
أعداء يدمرون الجندي نفسياً ومعنوياً من الداخل، ومن الخارج أعداء أشد فتكاً وتربصاً.
أثناء تنقلكم بين المدن والمحافظات اليمنية فكروا
في ذلك الجندي الذي يقضي الليل كله حارساً وساهراً في نقطة نائية في إحدى قرى
وارياف اليمن؟ انظروا إليه متكوماً أو ملفوفا في معطف داكن عند برميل نقطة مراقبة. تأملوه جيداً
واقفاً في منتصف الطريق
يضوّي بكشاف اليد لإعلان وجوده
أو ربما، حتى لا تدهسه سيارة مسرعة
أثناء مرورها جوار "برميل" النقطة
العسكرية.
كم سيارة مسافر مرت وهو باقٍ في مكانه. هل يعدهن؟
تمر ساعات الليل عليه ببطء ولا أنيس سوى تصفير
صراصيرالمناطق النائية.
ألم يكن من الأريح له أن يكون بين أولاده وامرأته
في هذه الساعة؟
أكان ليعدم قوت يومه لو آثر السلامة؟ لو أخلى موقعه
لغيره؟
لو قال: وما شأني؟
إنه على كف الرحمان.
ينتظر الموت في أي لحظة.
إنه يتوقع أن تكون السيارة القادمة من بعيد
التي يرى أضواءها الأمامية تقترب منه شيئاً فشئياً
أن تكون آخر شيء يراه في هذه الدنيا. حدث هذا
لزملاءه
مراراً. كانوا يمارسون نشاطهم اليومي في ذلك الصباح
في نقطة
عسكرية بالبيضاء. اقتربت سيارة هايلوكس كمختلف
السيارات التي تمر
بهم كل يوم. كان كل شيء خاطفاً. قفز المسلحون.
أمطروهم برصاص بنادقهم
بينما المصوّر بعيداً يكبّر: الله أكبر. الله أكبر.
الذين ينفثون السموم ويتعللون بأحاديث لم لا نرى
الجيش يقاتل شمالاً، ويقاتل جنوباً، ولا يتدخل عندما يتعلق الأمر بالحوثي، ويتدخل
عندما يتعلق الأمر بالقاعدة؛ أقول لهم: أولا إن معركتكم الافتراضية مع الساسيين
وليست مع الجنود فلا تخلطوا هذا بذاك، وهذا الرئيس ووزير دفاعه هما ذاتهما الذان
كنتم تستميتون في الدفاع عنهما عندما كنا ننتقد الإجراءات الخاطئة وذات الطابع
الانتقامي التي صاحبت عملية هيكلة الجيش حتى أنكم لم تتحرجوا من وصم كل صوت ناقد
مهما كان موضوعياً ومنطقياً ودافعه وطني:
"أنت عفاشي"
"أنت تريد عودة
النظام السابق".
"أنت تدافع عن
جيش ووحدات عسكرية عائلية".
إن نسيتم ذلك، سنذكركم بما كنتم ترددوه في صحفكم
ومواقعكم وقنواتكم.
أقول لهم ثانياً: إن تلك مقارنة فادحة وظالمة
ومتعسفة. لا لأن الحوثيين أيديهم لم تتلطخ بدماء يمنية في حروب دماج وحاشد وغيرها،
وإنما لأنهم طرف سياسي ومكون أساسي في مؤتمر الحوار بمباركة وموافقة وحفاوة نفس
القوى السياسية التي تدعو لقتاله الآن. وهي أيضاً نفس القوى التي سبق أن اعتذرت له
رسمياً عن الحروب الستةبوصفها حروباً ظالمة وعار في تاريخ اليمن. وهو الاعتراف
الذي نجح الحوثي -لسوء خصومهم وتحالفاتهم مع الفاسدين وغباء خطابهم وجرائم
الاغتيالات-نجح في تحويله إلى أداة استقطاب وجذب للجماهير التي تشعر بتعرضها
للخيانة، وثورتها تسرق ورموز النظام وأركانه باقون، كما يرون في الوقت نفسه أمامها
حركة تتوسع كل يوم تقاتل بشراسة ووحشية إنما لا تغدر، تفجر بيوت خصومها، لكنها
تدعي إنها مع الدولة المدنية: (تشتغل سياسة حتى وهي تكذب). تقول إنما نحن ندافع عن
أنفسنا وأنصارنا. ولديها فوق ذلك كله، وإلى جانبه عوامل أخرى، صك اعتراف رسمي
بالمظلومية من الحمقى، الذين أرادوا الالتفاف على النقاط العشرين من خلال تقديم
اعتذار كلامي لا يترتب عليه شيء، شأن "خبابير" كثيرة مشابهة، فكانت
العواقب وخيمة عليهم.
قالت العرب: يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعله عدوه به.
إن تنفيذ النقاط العشرين بوصفها تهيئة ومدخل للحوار
الوطني، لا كمخرجات بعلم الغيب، إن كان ليضعف أحداً فإنما كان ليضعف الحوثي ونظيره
الجنوبي، لأنه يسحب من أيديهم دفتر شيكات على بياض اسمه: المظلمة.
وفي هذه الأيام التي يشن الجيش اليمني هجمات هي
الأوسع منذ 2011م، لا يسعني إلا آمل أن يحقن الله دماء اليمنيين، مستعيداً وأنا
أقرأ ما ينشر في غسيل "فيسبوك" ما كتبته قبل شهور الرائعة ميساء شجاع
الدين Maysaa Shuja Aldeen عن الجيش
اليمني المستهدف من جميع القوى والجماعات التي تكاد تختلف في كل شيء، لكنها تتفق
في نظرتها الإجرامية إلى القوات المسلحة.
كتبت ميساء:
(أسماه الاصلاح
جيش العائلة
اسماه الحوثيون ميلشيات علي محسن
والحراك يعتبره جيش الاحتلال
والقاعدة تفترضه جيشاً عميلاً لأمريكا).
إن كان لي أن أضيف خامسةً إلى قائمة ميساء، فهي:
وصف عبدربه منصور هادي الذي هو بالمناسبة رئيس اليمن والقائد الأعلى للقوات
المسلحة أنه: "جيش قبلي" هكذا في لقاءه بممثلة "هيومن رايتس"
وكأنه لطخة دم في ثوب أبيض! أو عدوى مرضية في جسم سليم.
حفظ الله اليمن وكل أبناء شعبه وأرشدهم للصواب
والإخاء وجنبنا ويلات الحرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق