كل من يتساءل، أو يطالب، من الأحزاب السياسية إبداء
موقف تجاه من الجرعة، هو أحد اثنين: إما طيّب وعلى نياته بحق، وإما مبتذل
و"يستعبط". كل الاحزاب السياسية وافقت على الجرعة، علناً وفي الغرف
المغلقة، ثلاث مرات وليس واحدة.
المرة الأولى عندما أقرت ووافقت الأحزاب الممثلة
بالبرلمان: المؤتمر والاصلاح والناصري والاشتراكي على مشروع موازنة الدولة في
2014م. وقد كانت الجرعة السعرية، مقررة في مشروع الموازنة، صراحة وبوضوح، من خلال
خفض الاعتماد المالي المخصص لدعم المشتقات النفطية من نحو 700 مليار ريال إلى 337
مليار ريال. وهذه الموافقة الأولى.
أقدر بيان فرع تنظيم حزب الناصري بالامانة واحترمه
ولكن، إن أرادوا إنصافاً بأنفسهم، آمل أن يسالوا أمين عام حزبهم السابق النائب
سلطان العتواني لم لم يعّبر عن موقف حزبه كما جاء في البيان، أو حتى نصفه، عند
مناقشة وإقرار مشروع الموازنة بالبرلمان، وكل ما عليهم فعله هو العودة إلى تسجيل
الجلسة البرلمانية في إرشيف القنوات أو حتى في موقع يوتيوب.
نفس الشيء، بل وأسوأ، بالنسبة بقية الأحزاب ما عدا
المؤتمر الذي صعّد نبرته بعد 4 شهور، في ذروة الأزمة، وتبنى خطاباً وطنياً أقدر
حماسته وإحساسه بمعاناة الناس، ولكنه مجرد تصعيد سياسي وورقة ضغط و"كلام
مجاني ليس عليه جمارك" كما يقول المعارض السوري هيثم المانع. وحده حزب
المؤتمر، صاحب الكتلة البرلمانية الأكبر، كان قادراً على تعديل أو رفض موازنة
الدولة والحيلولة دون كل الكوارث الناتجة عنها. ولكنه مرر ووافق على موازنة نسبة
عجزها تخطت 35 %.
بالعقل أو بالجنون: عندما تقر موازنة يبلغ عجزها
الرقمي 679 مليار ريال (وصل مع ضرب انبوب النفط عجزها الفعلي الى 940 مليار ريال
بعد 4 شهور) ما الذي كان المؤتمر يتوقعه أن يطرح الله البركة مثلاً ويختفي العجز؟
أما الإصلاح فأخرجوه من حساباتكم. ذلك أنه لم يكن
طوال المرحلة الانتقالية في موقع المعارض بل على العكس: المهندس والمدافع المستميت
عن كل أخطاء الحكومة التي يرتكبها أعضاءه أو حلفائهم، وحتى أخطاء غيرهم وأخطاء
المرحلة الانتقالية ككل (دافعوا عن هادي باستماتة ودون منطق، وباتوا الآن يتهمونه
بالخيانة، ودافعوا عن وزير الدفاع عندما انتقدنا عملية الهيكلة وصيغتها الثأرية
والانتقامية ثم صاروا الان يطالبون بإقالة وزير الدفاع بعد سقوط عمران، واستماتوا
في حماية جمال بن عمر من كل نقد إلى أن صدر بيان مجلس الامن حول عمران ووصفهم
بالطرف المسلح فانتقلوا تلقائيا للجبهة الأخرى ويتوقعون من الآخرين أن يصدقوا
"قلباتهم"، وحتى وقت قريب عندما تظاهر الناس قالوا ثورة تواير وعفاش
-الذين يجتهدون الآن لاثبات أن محسن نال شرف مصافحته!- والأسوأ والأكثر غباء أنهم
طبلوا لـ"خبارة" تغيير جامع الصالح الى جامع الثورة التي أراد هادي بها
أن يمتص غضب الشارع باختلاق معركة جانبية وتخويفهم من محاولة انقلاب مزعوم إلى أن
صدموا أول أيام العيد بهادي يصلي في الجامع الذي حاصرته قواته فتذكروا فجأة دماء
الشهداء.. والأمثلة المخزية بالعشرات
الموافقة الثانية من هذه الأحزاب على الجرعة كانت
قبل أيام عند صدور قرار الحكومة رفع الدعم المشتقات النفطية. وبما أن أي من أعضاء
الحكومة المؤلفة من هذه الأحزاب السياسة لم يستقل، أو يصدر عنه ما يعارض القرار
رسمياً ووافقوا عليه بالإجماع فقولوا لكل الأحزاب التي أصدرت، أو ستصدر، بيانات إدانة: (بلوا بياناتكم واشربوا ماءها)!
وحده الحوثي لم يكن طرفاً في كل ذلك فلا ممثل له في
الحكومة ولا البرلمان، وهذا يجعله أقوى وأكثر اتساقاً وانسجاماً مع خطابه، وخارجاً
عن التوافق، ولكن الحوثيين الان أمام اختبار حقيقي لاثبات صدق ،أو زيف، شعاراتهم:
لقد رأينا ما الذي فعلوه لإسقاط محافظ وقائد عسكري
وكيف حشدوا الطير والشجر في هذه المعركة.. الآن سنرى ما الذي سيفعلوه لاسقاط
الجرعة.
وقد رأينا الحشود الجراراة التي أخرجها الحوثيون في
مناسبات عديدة آخرها مظاهرة يوم القدس (أو يوم الهلس كما اسماه الصديق عبدالرشيد
الفقيه) سنرى الآن هل سيحشد الحوثيون مسيرة مماثلة، إن لم يكن أعظم، أم سيكتفون
بالبيان الفضفاض الذي أصدروه أمس، كبيان الناصري، وبالمنّ علينا ان عبدالملك
الحوثي حذر من الجرعة في خطاب 27 رمضان وكأنه تحذيره هذا مقدمة ذرائعية، حيث سيرد
الحوثيون على كل من يسالهم لم لم يفعلوا شيئاً بالقول: السيد قد حذر في خطابه..
وهكذا مجرد "كلام مجاني ليس عليه جمارك"
الموافقة الثالثة كانت في الغرف المغلقة مؤخراً مع
هادي. وجميعهم وفقوا: الاشتراكي والناصري وافقا مجاناً كالعادة. الإصلاح أيضاً
إنما بمقابل لست واثقاً حقيقة من ماهيته.
بخلافهم تضمن الاتفاق مع الحوثيين وعلي عبدالله
صالح عدم تنظيم مظاهرات واحتجاج من قبل أنصارهم. وقد وافقوا وكان الثمن الذي
سيدفعه هادي زياراتان خاطفتان الأولى لعمران كنوع من مباركة الأحداث وتطبيع الحياة
والقبول بالأمر الواقع. وزيارة لجامع صالح ورد اعتبار الرئيس السابق بالصلاة في
جامعه الذي حاصرته قوات الرئيس هادي وأدعى انه سيغير اسمه.
اقروؤا الأمور بمنطق وتجرد وستجدون انني محق في كل
ما سبق. أو هكذا أحسب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق